كرة السلة اللبنانية بين الأمس واليوم
كتب موسى الخوري لـ “هنا لبنان”:
كرة السلة اللبنانية تحوّلت ثقافة رياضية دخلت معظم البيوت بشكل روتيني يومي دون استئذان، ولم تعد مجرد لعبة. وكما قال أسطورة كرة القدم الراحل بيليه عن بلاده البرازيل أنّ “كل مولود برازيلي جديد هو لاعب كرة قدم بالفطرة”، فإنّ كل مولود لبناني جديد هو لاعب كرة سلة بالفطرة.
ومع أن لبنان ما زال بعيداً بالمستوى عن الولايات المتحدة التي لا تقارن بأيّ دولة أخرى، والفرق نوعًا ما كبير بيننا وبين كبرى المنتخبات الأوروبية، ولكن النتائج التي حققتها الفرق والمنتخبات اللبنانية بجميع فئاتها في العقود الثلاثة الأخيرة أثبتت أن لبنان أصبح من أبرز منتخبات القارة الآسيوية. فمنتخبات شرق آسيا كاليابان وسنغافورة وهونغ كونغ وحتى الصين أصبحت مدركة أنّ منتخب الأرز يعتبر من الأقوى على الساحة القارية.
وبالعودة إلى ماضي لعبتنا، سنلاحظ أنها مرت بالكثير من المطبات التي كادت أن تطيح باللعبة وتجعلها في غياهب النسيان.
القصة بدأت تتبلور في خمسينيات القرن الماضي عندما كان نادي الرياضي يتسيّد ساحة السلة اللبنانية ويحصد بطولاتها بمنافسة خجولة من كل من ناديي التعاضد الذي كان وما زال يملك ملعبًا في منطقة بربور البيروتية وأبناء نبتون الذي كان يضم في صفوفه اللاعب نعوم بركات. والجدير ذكره أيضًا أن اللاعب الذي تربع على مدى سنوات في أعلى سلّم ترتيب لاعبي كرة المضرب في لبنان سعيد كرم كان قد بدأ حياته الرياضية مع التعاضد قبل أن ينتقل ليكمل مسيرته الرياضية في عالم الكرة الصفراء. ولكن نادي المنارة بقي سيد الملاعب السلّوية اللبنانية على امتداد حوالي ثلاثة عقود من الزمن وذلك بفضل نجوم أضاؤوا سماء بيروت وزادوا منارتها إنارة بفضل لاعبين من أمثال مصطفى شاكر والد الإداري التاريخي في النادي جودت شاكر وغسان بكري ونزيه بوجي وغيرهم.
ولكن فترة التألق تلك قطعتها الحرب الأهلية التي لم تكتفِ بتقطيع أوصال البلاد إنما قطعت شرايين الرياضة اللبنانية وأبعدت اللاعبين عن الملاعب بسبب الظروف القاهرة التي آلمَت وألمّت بالبلاد على مدى ١٥ عامًا.
ولكن، وبما أنّ إرادة الحياة أقوى من الحروب والموت، فقد قررت بعض الأندية في نهاية الثمانينيات أن تلملم جراحها وترصّ صفوف لاعبيها متعالية على جراح الحرب ومتحدّيةً الآلام والمصاعب وعاقدةً الآمال على تقديم ما يفيد كرة السلة، فوضعت إمكاناتها ولو بميزانيات متواضعة مقارنةً بما سيكون الوضع عليه لاحقًا تحت تصرف اللعبة من أجل النهوض بها، فبرزت مدينة الذوق الكسروانية من خلال ثلاثة أندية أبرزها الكهربا الذي كان يضم في صفوفه نجم النجوم آنذاك طوني بارود والمخضرم سركيس كوريجان وشوقي أبو شبكة وروبير عماد، كذلك كان للذوق ناديان لفتا الأنظار آنذاك وهما التضامن وأحياء الرياضة. وقريبًا من الذوق، برز فريق المركزية جونية الذي كان يضم الأشقاء الثلاثة الدكتور عادل وشقيقاه بهجت وعبدو الشدياق.
وفي المتن أيضًا كان هناك فريقان بارزان، واحد من عين سعادة وهو مون لا سال وضم آنذاك في صفوفه روبير باولي وفؤاد ماضي والناشئ أيمن نجار ومن بكفيا نادي العمل الذي كان له الفضل في بداية تألق النجم إيلي مشنتف مع الحكمة لاحقًا.
وأخيرًا انتهت الحرب الأهلية عام ١٩٩٠ وولّت وبدأت الأندية تعد العدة لانطلاق مرحلة جديدة من اللعبة خصوصًا مع دخول نادي الحكمة على الخط واستثمار رئيسه التاريخي المرحوم أنطوان شويري لاستقدام أفضل اللاعبين المحليين والأجانب، فبدأ التألق المحلي وتشجعت أندية أخرى على ضخ المال لرفع مستوى التنافس في اللعبة ومقارعة كبيري اللعبة اللذان أصبحا الحكمة وخصمه الرياضي اللّذان طبعا ديربي بيروت بطابعهما لفترة طويلة.
وأصبح للبنان منذ عام ١٩٩٣ بطولة رسمية منظمة ودورية ودخلت عدة فرق على خط المنافسة، منها لفترة نسبيًا طويلة كالشانفيل وهوبس وانترانيك وهومنتمن ومنها من دخل ولم يكمل المشوار لاعتبارات عدة كبلو ستارز والصداقة وبن نجار، بينما دخلت مؤخرًا بعض الفرق الجادة والطامحة لمنافسة الثنائي البيروتي الرياضي والحكمة على الألقاب، فخطف نادي بيروت لقب بطولة لبنان بفضل سياسة حكيمة أرساها رجل الأعمال نديم حكيم وإلى جانبه فريق عمل محترف. كذلك نجح نادي الدينامو بإثبات حضوره بين الأندية الكبار من خلال استقدامه لأفضل اللاعبين المحليين والأجانب.
القصة تحتاج لصفحات وصفحات إذا أردنا سردها بكل تفاصيلها وخصوصًا في فترة البطولة الحديثة منذ بدايات تسعينيات القرن الماضي وحتى كتابة هذه السطور، ولكن الشيء المؤكد هو أن لبنان ذهب بعيدًا في تطور لعبة السلة وهو ماضٍ في التقدم ولن يرجع أبدًا إلى الوراء.
مواضيع مماثلة للكاتب:
سوق الانتقالات حامية دائمًا.. ما هي آخر المعلومات؟ | دوري كرة القدم وقصة إبريق الزيت.. السلبيات تفوق الإيجابيات | نوفاك ديوكوفيتش.. الاسطورة الحية |