دوري السوبر الأوروبي: الإتحاد الأوروبي ربح الجولة، ولكن…
خاص هنا لبنان – كتابة موسى الخوري:
هل وقع الطلاق بين الأندية والسلطات الكروية؟
فجأة نسي الجميع أنه هناك تنافسًا حاميًا على حسم الدوريات الكبرى ولم يعد أحد يتكلم عن نصف نهائي دوري أبطال أوروبا التي عادة ما تكون مالئة الدنيا وشاغلة الناس في مثل هذا الوقت وأضحى التحضير إلى استقبال بطولة الأمم الأوروبية التي تأجلت منذ الصيف الماضي بسبب جائحة كورونا موضوعًا غير ذي أهمية. حتى جائحة كورونا أفسحت في المجال أمام حدث تصدّر المشهد على كل الصعد ولم يترك أحدًا من “شرّه”. حتى الذين لا يكترسون لا لكرة القدم ولا للرياضة لم يعد لديهم حديث سوى عن امر واحد: إنه دوري السوبر الأوروبي.
قد يتعجب البعض من الضجة التي أثيرت حول موضوع رياضي بحت. لكن ما حصل مؤخرًا كان كفيلًا بإحداث زلزال. نعم زلزال قد يطيح بهرم الكرة الأوروبية وحتى بالكرة العالمية كون الفيفا دخلت على خط الأزمة.
باديء ذي بدء، دعونا نشرح لكم الصيغة الأساسية التي طرحتها الأندية الطامحة لإجراء هذا الدوري الذي يعتبر رئيس نادي ريال مدريد الإسباني فلورنتينو بيريز عرابه وأبه الروحي.
التصور الأولي الذي طُرِح يهدف إلى إنشاء دوري يضم 20 فريقًا سيقسمون إلى مجموعتين تضم كل مجموعة عشرة فرق تجري من خلالها المنافسات كما درجت العادة ذهابًا وإيابًا لتتأهل بعد ذلك الفرق التي احتلت المراتب الأربعة الأولى في كل مجموعة إلى الأدوار الإقصائية التي تجري على طريقة خروج المغلوب. كلفة إنشاء المسابقة وتمويلها تصل إلى حدود ال 7 مليار دولار تتكفل معظمها إدارات الأندية المؤسسة للمسابقة ولريال مدريد والأندية الإنكليزية اليد الطولى في التمويل. وتقسم مبالغ إنشاء المشروع لتغطية عدة تكاليف من نقل ورعاية وتحسين حال الملاعب وتسويق ألخ. يسقط كل سنة فريق من كل مجموعة ليخرج من الدوري السوبر ويحل مكانهما فريقان منضمان إلى هذا الدوري يحددان على أساس تصنيفهما في دوريهما المحلي ويخضعان لشروط الدوري السوبر. وقبل أن تنسحب الفرق الإنكليزية من هذا الدوري تحت ضغط الجماهير (وهذا أمر سنتوقف عنده لاحقًا) لينتصر المشجعون على المال، كان النظام ينص على أن أي من الفرق المؤسسة لا يمكن أن يهبط حتى فترة زمنية معينة. هذه الأندية التي كان عمادها ستة فرق إنكليزية هي مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وليفربول وارسنال وتشلسي وتوتنهام وثلاثة أندية أسبانية هي ريال مدريد وجاره أتليتيكو مدريد وبرشلونة بالإضافة إلى ثلاثة إيطاليين هم قطبا مدينة ميلانو ال أ سي ميلانو والإنتر وفريق من تورينو هو جوفنتوس. وقبل المعمعة والإنسحابات بالجملة كان من المقرر أن ينضم باريس سان جيرمان الفرنسي وبايرن ميونيخ الألماني إلى السوبر وتتأهل باقي الأندية إلى الدوري من خلال بطولاتها المحلية ويحصل الفائز بالإضافة إلى ما يمكن أن يجنيه من المراحل السابقة على مبلغ 300 مليون دولار في المسابقة التي كان من المفترض أن تنطلق بدايات موسم 2022/2023 قبل أن تستشيط الإتحادات ومعظم الأندية والجماهير غضبًا بوجه ما أسموه سرقة كرة القدم.
فمن شأن هذا الدوري لو حصل أن يحدث انقسامًا لم يسبق له مثيل في تاريخ كرة القدم وشرخًا بين الأثرياء والأقل ثراء وينسف هرم كرة القدم القائم على مبدأ التنافس الرياضي بالمساواة والعدالة بين الجميع. صحيح ان صراعات كثيرة حدثت بين حيتان المال والأندية والجماهير في تاريخ الكرة المعاصر كان آخر نتائجه إجراء دوري أبطال أوروبا بصيغته الحالية التي انطلقت عام 1993 وعرفت بعض التعديلات الطفيفة وسمحت للدوريات والأندية الأكثر غنًى أن تتمثل بعدد أكبر من الأندية في المسابقتين الأوروبيتين الأبرز، عنينا بهما دوري أبطال أوروبا و اليوروبا ليغ. والنتيجة كانت بالطبع حصر المنافسة بين تلك الدول على الألقاب وحتى الأدوار المتقدمة. هل سنشهد فرقًا كستيوا بوخاريست الروماني أو النجم الأحمر بلغراد الصربي أو بدرجة أقل أيندهوفن الهولندي أو حتى الأندية الفائزة بلقب دوري أبطال اوروبا من دول الطليعة مثل هامبورغ الألماني أو نوتنغهام فوريست أو أستون فيلا الإنكليزيين يعيدون إنجازات الماضي؟ الجواب بسيط جدًا، إنه امر مستحيل إن لم يملكوا المليارات.
خلاصة القول أن الإتحاد الأوروبي ربح الجولة حتى الآن. فحتى كتابة هذه السطور، انسحبت معظم الفرق ال 12 من الدوري السوبر ولم يتبقى منها سوى ثلاثة ويبدو من خلال مسار الأمور أن الحبل على الجرار.
والحق يقال أن رئيس الإتحاد الأوروبي الحالي السلوفيني ألكسندر تشيفيرين “طلع قدها وقدود”. فبالرغم من وصوله من إتحاد بلاده المغمور كرويًا على الساحة الأوروبية، إلا أن تشيفيرين عرف كيف يحفظ حقوق الأندية الأقل ثراء ويضع حدًا لغطرسة وهيمنة رجال الأعمال المسيطرين على الأندية الكبيرة والتي لم تعد ترى في لعبة كرة القدم سوى سلعة لتعوّض من خلالها خسائرها المالية المتأتية ليس فقط من جائحة كورونا إنما أيضًا من سوء إدارة بعض الأندية لملفاتها المالية كالتحايل على قانون الفيفا للعب المالي النظيف الذي يحتم على الأندية عدم صرف أكثر ما تجني من أموال واسقدام لاعبين بمبالغ خيالية والصرف العشوائي على التسويق بدون خطة طويلة الأمد. ثم أتت جائحة كورونا لتزيد في الطين بلّة وتهدد بتحويل كل المنظومة التي بناها حيتان المال في أنديتهم إلى سراب.
هنا، تدخّل تشيفيرين وكان بالغ الوضوح والحزم. فبعد التنسيق التام مع الفيفا، أصدر رئيس الويفا قرارًا حازمًا:”أي لاعب سيشارك في دوري السوبر سيُحرم المشاركة في أي مباراة دولية قارية أو عالمية”. مدعومًا من رئيس الفيفا السويسري-الإيطالي جياني إنفانتينو الذي صرّح:”على الأندية أن تختار، إما الفيفا او الدوري السوبر”، فرض تشيفيرين هيبة ووقار السلطة القائمة على غدارة الإتحاد الأوروبي ونال استعطاف وتشجيع بشبه إجماع.
فحتى مشجعي الأندية التي كانت عازمة على المشاركة في دوري السوبر لاقت معارضة شرسة من جماهيرها الذين اتهموا من هم وراء انشاء دوري السوبر بسرقة كرة القدم من الناس وجعلها اداة طيعة بأيدي الرأسماليين. هنا، استدركت الأندية المشاركة فداحة خطأها وبدأت الإنسحابات بالجملة.
حاليًا يبدو أن فلورنتينو بيريز رئيس ريال مدريد الإسباني وعرّاب فكرة دوري السوبر خسر جولة أساسية أمام رئيس الإتحاد الأوروبي الشاب ولكن الجريء تشيفيرين. لكن من يعرف كيف يفكر أصحاب الأموال يدرك جيدًا أن جولة من المعركة شبه انتهت ولكن الحرب طويلة.
مواضيع ذات صلة :
بـ100 مليون دولار.. سانشو من دورتموند إلى “الشياطين الحمر” | رونالدو يُحقّق عدة أرقام قياسية في مباراة تاريخيّة أمام فرنسا | كورونا يضرب منتخب فنزويلا قبل انطلاق كوبا أميركا |