متى يتقاعد “الزعيم”؟
كتب طوني فرنسيس في “نداء الوطن”:
“لا يوجد شيء أبديّ، ومن الأهمية بمكان لزعيم الدولة أن يتقاعد في الوقت المناسب حتى لا يُصبح مسخرة وأضحوكة، تردد حولها النكات والقفشات اللاذعة. وبالمناسبة لو أن ليونيد بريجنيف كان قد إعتكف عن العمل فوراً عقب ما أصابه من جلطات في القلب وفي المخ، لبقي بالنسبة للشعب أكثر حكمة وطيبة من بين كل حكامنا الآخرين”.
في هذا النص كان السفير السوفياتي الأخير في لبنان قبل تفكك الإتحاد ونشوء روسيا الإتحادية، يتحدث عن تمسك القادة السوفيات بالسلطة حتى الرمق الأخير وعدم إفساحهم في المجال امام تجديد القيادات وجعل نخبٍ جديدة تتحمل المسؤولية، وربما لو حصل ذلك في الوقت المناسب لأمكن معالجة شؤون الأمبراطورية بطريقة أفضل بدلاً من تركها تتهاوى بسرعة قياسية الى الإنهيار التام.
السفير فاسيلي كولوتوشا بدا في أقسام أخرى من كتاب “حكاياته” الذي ضم الإشارة السالفة الذكر شديد الإعجاب ببريجنيف السبعينات. كان الزعيم السوفياتي يومها قادراً على خوض مباحثات طويلة بحيوية ونشاط وذكاء، وكان عليه ان يتقاعد وهو في القمة. لكن السلطة وتشابك المصالح القيادية المتبادلة أبقته مع الثنائي موسيفيني وبودغورني ويمكن إضافة غروميكو إليهم سنواتٍ طويلة، وبسبب ذلك الثلاثي شاع إسم الترويكا (الثلاثي) الذي اختفى مع إختفاء الامبراطورية السوفياتية ووجد له أرضاً خصبة في لبنان، الذي إمتطته ترويكا حرصت بدورها على الاستمرار تمديداً وتعييناً الى ان يقرر طرفٌ صاعد آخر في شأنها.
في عز الحضور السوفياتي في العالم كان رئيسه عجوزاً ومريضاً. لم يعد ذلك الفصيح الذي يخوض ساعات في أحاديث شتى، مهمة وغير مهمة مع محاوريه، وصارت لجان القيادة تُحضِّر له نصاً مطبوعاً بحروفٍ عريضة لا يتجاوز الصفحات الثلاث. ويروي كولوتوشا انه في احتفال الكرملين خلال منح علي ناصر محمد وساماً رفيعاً لبريجنيف قرأ الأخير الورقة الأولى من النص المُعدّ له وقام المترجم الروسي بترجمتها الى العربية فيما سحبها غروميكو من امام الزعيم السوفياتي. ثم قرأ بريجنيف الصفحة الثانية، ولسبب ما، أو لأعطال العمر نفسها، لم يسحبها غروميكو فأعاد بريجنيف قراءتها مرةً ثانية!
تنبه غروميكو وغضب غضباً شديداً فاستدرك المترجم وقال بصوتٍ مفخّم: “ايها الرفاق نظراً لأهمية ما طرحته من أفكار فإنني أنبهكم إليها مرةً أُخرى ولذلك تلوتها عليكم ثانيةً”.
إنفرجت اسارير المسؤولين الحاضرين لكن صورة الإنهيار باتت واضحة في بلدٍ صار حكمه في يد المترجمين… والمستشارين.
وللحديث تتمة!