“بابا نويل” و”المغترب اللّبنانيّ” قد يغيبان مع الهدايا في العيد!
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
“عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدت يا عيدُ”، مطلع قصيدةٍ للمتنبّي تعلّمناها في الصفوف الابتدائيّة لكننّنا ما زلنا نتذكّرها في كلّ عامٍ حاملين معنا الأمل بأن يكون العيد المُقبل أكثر فرحاً واستقراراً؛ غير أنّنا نُصاب في كلّ مرّة بخيبةٍ أكبر عندما نُدرك أنّ السنوات القادمة تحمل معها صعوباتٍ أكبر ومشاكل أكثر من الأعوام الماضية. وها نحن اليوم في بداية شهر كانون الأوّل نشعر بأنّ السماء ملبّدة بالغيوم السوداء ليس لاستقبال فصل الشتاء الذي تأخّر، بل لأنّها تعكس خيبتنا بوطننا الذي حلمنا به. فالأمل الذي لطالما سَعينا لصموده اضمحلّ مع الأيام، والفرح الذي شعرنا به أصبح ذكرى جميلة لشعبٍ حلم بالسعادة فتمّ تدميرها من قِبل منظومةٍ فاسدة سرقتها منه وحوّلت أحلامه إلى كابوسٍ يعيشه بكلّ خطوةٍ يقوم بها للإستمرار بالنضال.
هذا العام كما كلّ عام ينتظر الأولاد أن يوزّع “بابا نويل” بزيّه الأحمر ولحيته البيضاء هداياه الكبيرة والكثيرة عليهم، هذه الخرافة أصبحت تقليداً سنوياً يصدّقها أطفال العالم. ولكن هل سيكتشف أطفال لبنان في عيد الميلاد 2021 أنّ بابا نويل هو خرافة لأننا نعيش في كذبةٍ أكبر؟! هل سيكون أطفال لبنان هم أذكى أطفال العالم هذا العام لأنّهم سيدركون أنّ العيد هو رمز لولادة المخلّص وليس لتوزيع الهدايا من بابا نويل؟! للأسف يصعب علينا أن نعترف بواقعٍ مأساويّ نعيشه في لبنان، فالهوّة بين الطبقات الإجتماعيّة تزداد وتنعكس على الأفراد ورفاهيّتهم. فلم يعد هناك طبقة وسطى في المجتمع اللّبنانيّ وأصبحت الفروقات شاسعة بين الأغنياء الّذين يملكون الكثير والفقراء الّذين بالكاد يملكون قوت يومهم، فيما يملك السواد الأعظم منهم هموماً أكبر لأنّ البساطة التي كانوا يعيشونها أصبحت ترفاً، وباتت من الماضي فيما بات اليأس يترافق مع البطون الخاوية والحزن، لأن “العيشة في أوضاع كهذه أصبحت شبه مستحيلة”.
ربّ الأسرة الذي لا يستطيع تأمين رغيف الخبز لأولاده، كيف سيستطيع تأمين هديّة لهم في العيد؟ الدولار الذي كان في عيد الميلاد العام الماضي يتراوح سعر صرفه بين 7,500 و8,000 ليرة لبنانيّة أصبح اليوم حوالي 25,000 ليرة وقد يصل إلى 30,000 أو أكثر عشيّة عيد الميلاد. وحفاظاً على ما تبقّى منها وبغية الصمود بوجه الأزمة، ها هي اليوم معظم المحال التجاريّة تبيع الألعاب بالدولار الأميركيّ أو حسب سعر صرف السوق؛ أي إنّ اللّعبة التي كانت تباع بخمسة دولارات العام الماضي أي بمعدّل 40,000 ليرة أصبح ثمنها هذا العام 125,000 ليرة في حال وُجِدت.
بالطبع زيادة المصروف لا تقابلها زيادة بالمدخول، إذ إنّ الحد الأدنى للأجور يُقدّر بحوالي 27$ وهذا يعني أنّ العائلات هذه السنة في العيد لن تنسى فقط معنى بابا نويل والهدايا بل أيضاً ستنسى اللّحوم والأجبان، ولن يكون باستطاعة الكثير من العائلات الاجتماع حول مائدة واحدة؛ وعندما نقول مائدة واحدة نستذكر المغتربين الّذين يعودون إلى كنف عائلاتهم لتمضية العيد معهم والشعور بجوّ العائلة. لكن هل سيستطيع المغتربون هذا العام العودة إلى لبنان؟
كورونا في المرصاد وخاصةً بعد تفشّي متحوّر كورونا الجديد “أوميكرون” الذي قد يُولّد خوفًا لدى البعض بعدم إستطاعتهم العودة إلى أعمالهم في بلدان الإغتراب بسبب إغلاق المطارات وقايةً من انتشار السلالة الجديدة. وبما أنّنا نعيش في لبنان إذاً لدينا أجزاء كثيرة من مسلسلات المشاكل والأزمات، وأزمة العلاقة بين لبنان والخليج لن تنتهي على المدى المنظور حسب الوقائع. فالمغترب اللّبناني في بلدان الخليج يفرح في كلّ عام بتضمية العيد مع أهله وأصدقائه، هو الّذي ينتظر على مدار العام عيد الميلاد للعودة إلى ربوع الوطن وحضن عائلته وتوزيع الهدايا، يأتي لتمضية الوقت والسهر وصرف العملات الصعبة في لبنان التي لها وزنها اليوم لتنشيط الاقتصاد؛ هذا المغترب نفسه قد لا يأتي! قد لا يأتي ليس خوفاً من كورونا فحسب بل خوفاً من قراراتٍ قد تتخذها البلدان الخليجيّة بين ليلةٍ وضحاها كإقفال الحدود مثلاً مع لبنان ومنع سفر المواطن اللّبناني اليها. فمشكلة تصريح وزير الإعلام اللّبناني “جورج قرداحي” حول السعوديّة لا زالت تسبب الكثير من التوتّر مع لبنان.
لبنان ساحة الصراعات السياسيّة الإقليميّة والدوليّة التي يتحمّل نتائجها الشعب، سيحلّ هذا العيد عليه بأخطر مرحلة كون المجهول هو عنوان المستقبل. فليست المشكلة بعدم وجود بابا نويل وهدايا العيد هذا العام ولا عدم وجود حكومة كما العام السابق؛ بل هي ومع وجود الحكومة عدم إستطاعة هذه الأخيرة وضع خطط لتخفيف حدّة الإنهيار الحتميّ للبلد، فالقرار السياسيّ هو الغائب ومع غيابه يدخل الشعب في عتمةٍ مُريبة! نتكلّم عن الأمل، نزرع الإبتسامة، نغذّي القناعة… ولكن إلى متى سيستطيع الشعب التحمّل؟ فلم يعد الأب والأمّ هم الذين يعانون من الأزمة، نحن اليوم أمام أولادٍ لن يشعروا بالعيد بسبب منظومةٍ سياسيّةٍ تسرق أحلام الصغار مع غياب بابا نويل!