ألعاب الدول: خيار لبنان.. المقاومة!
كتب خليل حلو في “ici beyrouth”:
في نظرة عامة سريعة على “لعبة الدول”، التي نشهدها في المنطقة، وموقف الفاعلين الإقليميين والدوليين الرئيسيين يتضح الوضع المعقد الذي يواجهه لبنان.
تُظهر التباينات بين السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، على الرغم من مخاوفهم المشتركة، في وقت يتم الحديث فيه عن إعادة تفعيل محتملة للاتفاقية النووية مع إيران، أو العكس، أزمة إقليمية مفتوحة، مع عدم وجود حل دائم في الحالتين، في خضم اضطراب عالمي يشبه ذلك الذي ساد بداية القرن العشرين.
مخاوف الخليج
مع نهاية العام 2019 وبعد استهداف إيران لمنشآت شركة النفط العملاقة أرامكو في السعودية، وبعد هجمات الميليشيات الموالية لإيران على ناقلات النفط المتجهة إلى موانئ الإمارات العربية المتحدة، لم يكن ردّ الإدارة الأميركية التي يقودها ترامب على قدر المتوقع، ما أدّى إلى اهتزاز ثقة الرياض وأبو ظبي في فعالية واستدامة الدعم الأمريكي.
منذ ذلك الحين، تفاوض السعوديون والإماراتيون كلّ على حدة مع إيران لتخفيف التوترات، ولكن دون جدوى.
ولدى البلدين العربيين حالة من القلق من تداعيات تقليص الدور الأمريكي في المنطقة.
الانزعاج السعودي
استهدفت الميليشيات الموالية لإيران من اليمن والعراق المملكة العربية السعودية بأكثر من 1200 صاروخ وطائرة بدون طيار حتى الآن، وفيما يبدو موقف الولايات المتحدة الأميركية آخذ في التبدل، يسعى السعوديون إلى إعادة تأكيد أنفسهم كلاعب أساسي في مجلس التعاون الخليجي، وفي هذا السياق أتت جولة ولي العهد الأخيرة.
على صعيد آخر، تحفظت السعودية على إبرام الاتفاقية الأردنية – الإسرائيلية – الإماراتية التي وقعت في نوفمبر الماضي، والتي تنص على قيام أبوظبي ببناء محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في الأردن ومحطة أخرى لتحلية مياه البحر في إسرائيل، ما سيفيد كلا البلدين.
وتعتبر الرياض الصفقة مناقضة لمبادرتها الإقليمية للطاقة.
طموحات إماراتية
تسعى الإمارات إلى أخذ موقعها في العالم العربي، إن من خلال الانفتاح على تركيا، وتوقيع اتفاقيات تعاون في مجالات التكنولوجيا والبحرية والغاز والنفط، أو من خلال اللقاء الذي عقده وزير خارجيتها مع بشار الأسد في دمشق.
كذلك التقى مستشار الأمن القومي الإماراتي مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران في 6 كانون الأول.
بالإضافة إلى ذلك، وقعت أبو ظبي في عام 2020 معاهدة سلام مع إسرائيل، كما دخلت على خط الخلاف المصري – السوداني.
أعباء متعددة على مصر
مصر من جهتها مشغولة للغاية على أراضيها وفي القارة الأفريقية، خاصة في السودان وإثيوبيا، التي تتهمها بتحويل مياه النيل، ما يشكل تهديدًا استراتيجيًا.
وتشكل الحدود مع ليبيا مصدر قلق لمصر بشأن تهريب الأسلحة والمخدرات من جهة، وحركة التنظيمات المتطرفة الموجودة أيضًا في سيناء من جهة ثانية.
تركيا وإيران: نفوذان جديدان
لتركيا نفوذ في جزء من سوريا، وكانت قد نشرت قواتها في العراق وليبيا وقطر، وتحاول أن تصبح خطاً أساسياً للغاز والنفط في البحر الأبيض المتوسط، وحالياً تنفتح أنقرة، التي تتعرض لضغوط جراء أزمتها الاقتصادية، على القاهرة وأبو ظبي بعد عقد من التوتر.
فيما تواصل إيران توسعها في العالم العربي من خلال الميليشيات المتدخلة، وتزيد من الضغط الشامل لكسر عزلتها واستعادة مكانتها المفقودة على الساحة الدولية، وتطور صواريخها وطائراتها بدون طيار ووسائلها السيبرانية، وربما القنبلة الذرية.
إسرائيل.. الإستراتيجية الوحيدة: الأمن و “السلام الإسرائيلي”
إن إسرائيل، القوية بسيادتها العسكرية والتكنولوجية، ليس لديها استراتيجية سوى ضمان أمنها بالقوة، ومنع إيران بأي ثمن من امتلاك قنبلة ذرية، ومنع إنشاء دولة فلسطينية، وتوقيع معاهدات سلام مع عالم عربي متغير..
منطقة أهملتها القوى العظمى
وبالتالي، فإن العلاقات بين جميع هذه القوى الإقليمية عاصفة، ومعقدة، ولا يمكن التنبؤ بها، في غياب الجهود الدولية الكافية لضمان الحد الأدنى من التوازن.
بالنسبة لواشنطن، فإن الأولوية هي معارضة التوسع الصيني والروسي.
ومع ذلك، تحتفظ الولايات المتحدة بقوات كافية في الخليج، ولكن أقل بكثير في سوريا (900 جندي)، والعراق (2500 جندي)، وحديثًا في اليمن.
وكانت روسيا قد وصلت إلى حدودها القصوى في سوريا، حيث فشلت في فرض استقرار دائم وضمان إعادة الإعمار.
أما الصين فهي موجودة بالفعل في المنطقة من خلال “مبادرة الطريق والحزام” (RBI)، و”سلسلة اللؤلؤ”، وهما مشروعان يضمنان لها توسعًا تجاريًا وماليًا هائلاً.
في حين تحاول فرنسا استبدال الفراغ الذي أحدثته الولايات المتحدة جزئيًا، من خلال لعب دور في القاهرة والرياض وأبو ظبي، وهي تعقد تحالفات في حوض شرق البحر الأبيض المتوسط (قبرص واليونان ومصر وما إلى ذلك)، وتعزز دورها كعضو رئيسي في EMGF (منتدى غاز شرق المتوسط)، وهو اتحاد للطاقة مقره القاهرة.
انطلاقاً مما سبق، لا توجد قوة إقليمية، عربية أو غير عربية، قادرة على فرض نفسها على الآخرين، فكل من هذه القوى تستخدم الدبلوماسية و/أو القوة للحفاظ على نفوذها أو أمنها.
إلى جانب ذلك، لا يوجد في الأفق ميني يالطا أو ميني إيست ويستفاليا.
وستُعقد مثل هذه القمة حتماً في وقت متأخر، إما نتيجة نزاع مسلح إقليمي، أو نتيجة للإطالة المفرطة في اللصراعات الحالية التي تتكرر على خلفية من الدوافع التي لا يمكن التوفيق بينها وبين الإيديولوجيات المتناقضة، ففي النهاية المصالح المشتركة فقط هي التي يمكن أن تؤدي إلى التسوية وأن تحفز الترتيبات الدائمة.
لبنان في مواجهة هذه الحقائق
في مواجهة هذه الديناميكية الجيوسياسية الإقليمية التي تضع الوضع اللبناني في خطر في ظلّ الهيمنة الإيرانية، فإن الوعي واليقظة مطلوبان، والمقاومة هي الخيار الوحيد لمعارضة هذا الوضع مهما كانت أهدافه.
كما يجب الحفاظ على صداقات لبنان التاريخية العربية والغربية، والتي ساعدت في تشكيل ثقافة هذا البلد وتطويرها، إذ لا تستطيع بيروت تأكيد نفسها إلا من خلال ثقافة الحريات والتفاعل مع الشرق والغرب.
ولبنان كان قد قاوم كل الاضطرابات منذ بداية القرن العشرين، ولا سيما ثلاثين عامًا من الاحتلال السوري، وأراق الكثير من الدماء من أجل بقائه، لا سيما دماء رئيسين للجمهورية، وثلاثة رؤساء للوزراء، ومفتي الجمهورية، والعديد من القادة والشخصيات من جميع الأطياف، وعشرات الصحفيين الأحرار، وشهداء 6 أيار 1915، وشهداء 14 آذار 2005 وآلاف الجنود والمقاتلين الشجعان.
وعلى الشعب اللبناني أن يكون مخلصاً لهذه التضحيات وأن يتمسك بالقيم وبالحرية بشرف ومهما كان الثمن.
مواضيع ذات صلة :
في عيد الأب.. ألف تحية لـ”السند” | كم تبلغ سرعة الإنترنت في الدول العربيّة؟ | لبنان في القائمة.. إليكم الدول العربية التي لديها أكبر عدد من المساجين! |