العسكري اللبناني يواجه “جهنّم” بلده بـ “اللحم الحي”.. وبالتاكسي والدهان والنجارة!
كتبت بشرى الوجه لـ “هنا لبنان”:
بين المليون والـ 300 ألف ليرة لبنانية والمليون والنصف، تتراوح رواتب الجندي والعريف في الجيش اللبناني. وبين المليون والنصف والمليونين، تتراوح رواتب الرقيب، المعاون، والمؤهل. أمّا الضباط من رتبة ملازم إلى عميد، فتتراوح رواتبهم بين المليونين والأربعة ملايين والنصف.
إذن، 48$، 55$، 74$، و166$، هذا ما يتقاضاه عناصر الجيش في “جمهورية جهنّم” في نهاية كل شهر.
وببساطة “مذلّة” أكثر: رواتب الكثير من أفراد الجيش صارت تُعادل فاتورة مولّد الكهرباء.
هذا الواقع القاسي، “ألغى” ولو بشكلٍ غير علنيّ، ما تنصّ عليه أنظمة المؤسسة العسكرية بعدم السماح للجندي بممارسة مهنة أخرى إلى جانب تأديته واجبه الوطني.
فوفق مصدر أمني، إنّ “القيادة العسكرية تمارس سياسة “التطنيش” وتغض النظر عن ما نسمّيه “العمل المأجور” الذي يمارسه عناصرها وضباطها. فاليوم لا يستطيع أيّ قائد أن يعيق عمل عسكريّ أو ضابط لأنّ ما نعيشه جميعًا لا يُطاق ولا يُحتمل، ولعلّ مزاولة المهن الإضافية وجني بعض الأموال تقي الجنود شرّ العوز”.
لكنّ هذه الأعمال الموازية “مشروطة بأن تكون غير فاضحة وأن لا تُخالف نوعيّة العمل القوانين”، يقول المصدر الأمني لـ”هنا لبنان”، “ففي حال حصول حادثة أو تنازع بين العسكري والمدني بسبب العمل المأجور مثل نصب واحتيال وسرقة، أو أي مشاكل تجارية.. عندها لا تغطي القيادة العسكري وتصبح مجبرة بأخذ الإجراءات التأديبية”.
ويعترف المصدر أنّ الجندي اللبناني بات يعمل في أي مجال قد يخطر في البال: دهان، تاكسي، تحطيب، خردة.. فهو “لا يُعاب”، على عكس الضباط الذين “تُكبّلهم” مراكزهم الإجتماعيّة، فيتّجه أغلبيتهم نحو الأمور التجارية مثل تجارة السيارات و”الشيكات”، غير أنه من الممكن أن تجد بعض ضباط “النجوم الصغيرة” يعملون كباقي الأفراد العسكرية، لكن بعيدًا عن مناطق سكنهم، “حتّى يتفادون نظرات من يعرفونهم”.
“كفرنا بلبنان وبالسلك العسكري”، كلمات يقولها المؤهل الأوّل في قوى الأمن الداخلي، علي.م، بكآبة لـ “هنا لبنان”، “فكيف لي أن أفي بقسمي حين انضممت إلى المؤسسة، في حين لا أستطيع شراء الزيت والبطاطا والأرز لأولادي، ولا الدواء لوالدتي”.
“هذا الحمل الثقيل يجبرني على العمل في أكثر من مهنة إلى جانب عملي في الدرك لكي أبقى صامداً، والحمد لله أنّ لدي سيارة تاكسي وعندما آتي من الخدمة أعمل عليها، ومهنتي الأولى كانت ميكانيكي سيارات وأمارسها بالسرّ أيضًا”.
بدوره يقول الجندي في الجيش اللبناني، محمد. ح، لـ”هنا لبنان”: “انتسبت إلى السلك العسكري ظنًّا منّي أنّها الوظيفة التي تضمنني مدى الحياة، وإذ بها تقضي على مستقبلي”، ويسرد بغصة ما عاشه في العامين الأخيرين، “كنت قد بدأت ببناء منزلي في القرية وكنت قد خطبت الفتاة التي أحبّ، والآن انفصلت عن خطيبتي لعدم قدرتي على إكمال بيتي، فمعاشي بالكاد يكفيني تكلفة المواصلات”.
وما وصل إليه محمد، دفعه إلى مزاولة العديد من الأعمال في قريته الجنوبية، حيث كان يعدّ “المشاحر”، بالإضافة إلى أعمال النجارة والدهان والتبليط، ويقول الجندي: “ما نمر به جعلني ملمًّا بكل الأعمال، ومستعدّ أن أعمل في كل شيء فما يهمّني فقط هو أن لا أمد يدي لأي إنسان مهما علا شأنه”.
ويؤكّد: “ما يبقيني في الجيش هو أملي بغدٍ أفضل وتنفيذ الوعود التي دائمًا ما نسمعها بحصولنا على مساعدات”.
وفي هذا السياق، يؤكّد المصدر الأمني أنّ “المساعدات التي تأتي من الخارج هي كلامٌ أكثر من فعل، فعلى أرض الواقع لا توجد مساعدات فعليّة يستفيد منها العسكريون، ووعود “الفريش دولار” باتوا يعتبرونها كاذبة. فيما المساعدات الأخرى، لا قيمة لها، فمثلًا قسيمة تعبئة الغاز التي يحصل عليها العسكري بالسعر الرسمي، يوفّر من خلالها اثنتي عشرة ألف ليرة، أمّا الإعاشات التي تصل للجيش اللبناني يدفع ثمنها العناصر 130 ألف ليرة لبنانية، وهي تأتي من تاجر معروف يحتكر الأغذية التي كانت مدعومة”.
إذن، تعجز المؤسسات الأمنية والعسكرية اليوم عن تأمين أبسط حقوق عناصرها، فالطبابة مثلاً، يقول المصدر: “معظم الأطباء المدنيين فسخوا العقود، فالقسم الذي كان يضم خمسة أو ستة أطباء بات يقتصر فقط على طبيب واحد يُعاين عشرات العسكريين الذين ينتظرون لساعات طويلة في قاعة الإنتظار، وعند سؤالهم عن دواءٍ ما في المستشفى العسكري تكون الإجابة الدائمة “مقطوع”، أمّا أبواب المستشفيات الخارجية، فعدد كبير منها يرفض استقبال العسكري وإن حصل ذلك، عليه أن يدفع بدل فاتورة الاستشفاء”.
هكذا يواجه عناصر الأجهزة الأمنية في لبنان الأوضاع الإقتصادية والمالية المعقّدة بـ”اللحم الحي”، بينما الأحزاب والأطراف السياسية تعيش في عالم آخر، غير آبهة لهذه الصرخات، فحتّى المساعدة الإجتماعية التي أًقرّت والتي تقدّر بنصف راتب يعطى عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول، لم تُدفع بسبب عدم اجتماع الحكومة التي يتنازع أطرافها لمصالح شخصية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
نبيل مملوك.. صحافي تحت تهمة “الرأي المخالف” | استهداف الجيش وقائده في غير محلّه.. “اتهامات سطحية لدواعٍ سياسية” | إسرائيل “تنهي الحياة” في القرى الحدودية.. ما الهدف من هذا التدمير الممنهج؟ |