سبعيني من بائع قهوة إلى بائع بصل: “بدنا نعيش”!
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
ما كان أمام ابو علي حلّ سوى بيع البصل الاخضر على بسطة صغيرة، لم يثنه عمره الذي تجاوز السبعين وأكثر عن العمل، فهو يعيش في بلد لا يحترم الشيخوخة ولا سن التقاعد، بل تحت كنف سلطة افسدت طيلة 30 عاماً ما بناه المواطن، يكفي انها سرقت جنى عمره، وحرمته المعامل والمصانع وتطوير الزراعة، وتركته يلاطم امواج الغلاء والدولار و”كورونا”، من دون ان يرفّ جفن لاي زعيم. منذ عدة اعوام وأبو علي يعمل على عربة اكسبرس الى ان تبدّل الحال وبات فنجان القهوة صعب المنال الا مرّة او مرتين في الاسبوع تفادياً للعجز، فانهار عمله الذي كان مصدر عيشه لأعوام، وقرر ان يبيع البصل الاخضر في حقله.
عاد الى ممارسة مهنة الزراعة ولو “عالقدّ” لسدّ حاجته ولو باليسير، وذلك أفضل من مدّ اليد لصندوقة اعاشة تشتري الضمائر والأصوات هذه الأيام. تنتشر ظاهرة عمل كبار السنّ على عربات وطاولات صغيرة في الطرقات، بعضهم اختار بيع عبوات المياه، وآخرون المحارم، والبعض فضّل بيع الخضار على اعتبار أنها بورصة رابحة نتيجة ارتفاع الاسعار ما جعلها خارج المتناول، وفرصة عمل لكبار يلجأون اليها لتأمين موارد مالية بسيطة، بدلاً من الجلوس واليد على الخدّ على حدّ قول ابو علي الذي يرى في عمله فرصة للهروب من الفقر المدقع.
وفق قوله لم يقف احد قربه، ولم ير اي حزب يسأل عن حال المواطن واحواله هذه الايام، “لكنهم سيزحفون الينا ايام الانتخابات، ولكنهم لن يسمعوا منا سوى كلمة “شو قدمتولنا”؟. بحرقة يتحدث ابو علي عن سوء احواله، عن كفاحه غير المجدي في مجتمع يتخبط بالازمات ويتعثر بالدولار، اذ بات صعباً عليه العلاج وشراء الدواء وحتى اجراء فحص “كورونا” بسبب سوء الحال. يؤكد “أننا مقبلون على ازمات اقسى نتيجة غياب الاصلاحات المطلوبة” ويجزم بأن “الوضع المعيشي سيزداد قسوة اكثر وتصبح ضمّة البصل خارج الامكانيات، لاننا نعيش في زمن التجار الفجّار، الذين استولوا على السوق وتحكّموا بمفاصله وربما لهم الفضل في رفع سعر الدولار”، ويرى ان المعتر امثاله يعاندون الحياة ليعيشوا “ومع ذلك لم أتخلّ يوماً عن الدعاء والاتكال على الله، لان الاتكال على الزعماء دمّر حياتنا”.
في طرقات النبطية عادة ما تجد كباراً وصغاراً يفترشون بسطاً متنوعة، من الخضار الى المياه وحتى الالبسة، فكل منهم يبحث عن فرصة نجاة من قعر الفقر المدقع، وعن دولار واحد يمكّنه من شراء قوت يومه بالحلال بعيداً من “الشحادة”. الجوع برأيهم “يتطلب كفاحاً وكدّاً، خاصة وأننا نعيش في دولة الازمات وتحلل الاقتصاد نهائياً”.
في السابق كان العمل يقتصر على بعض كبار السن، حالياً الكل خرج للبحث عن خلاصه ولو في مزابل الطرقات التي تحوي برأيهم كنزاً تجاهلته الحكومة طويلاً، وبات سندهم. وعلى حد قول ابو علي “بدنا نعيش”، يرفض ان يمدّ يده لاحد، يريد ان يموت وهو يعمل كي لا يصبح عالة على أحد، “اريد ان اموت بكرامتي، وأرفض ان يذلّني احد، فالكرامة هي ما بقي لنا، ولن نعطيها لاحد”.
مواضيع ذات صلة :
الإمارات: “المسار السلمي” السبيل الأمثل للتعامل مع الأزمات عالمياً | مؤشر الدول الأكثر بؤساً في العالم… لبنان في المراتب الأولى | “السعادة في يومها العالمي”.. هل يعرفها الشعب اللبناني؟ |