العبرة من انسحاب الحريري: لا غطاء لأي مساكنة مع “الحزب”
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان” :
ما تأخر الرئيس سعد الحريري عن القيام به في العام 2017، عاد وأنتج انسحاباً دراماتيكياً من الحياة السياسية، أتى على شكل خروجٍ مكلفٍ ومحزنٍ لا يمكن إلا التعاطف مع ما رافقه من أسئلةٍ لا إجابة عنها، أقله في المدى القريب، ومع الفراغ الذي من الصعب تصوّر كيف سيتمّ ملؤه.
هل هي نهاية الحريرية السياسية، وهل هي عودة إلى ما قبل رفيق الحريري الذي استطاع لأول مرة في تاريخ الطائفة السنية أن يبني زعامة، قزّمت كل أثر مناطقي أو عائلي، وتجاوزت حضور المرجعيات الدينية، الجواب ليس متوفراً الآن، لأن أسباب هذا الانسحاب، والأهم نتائجه، سوف تطغى إلى حين.
لقد كان معلوماً لأكثر من جهة مطلعة ومنذ أشهر أن الرئيس سعد الحريري أصبح قريباً جداً من اعتزال العمل السياسي، نقل عنه من التقوه مؤخراً، أنه يشعر باشمئزازٌ إلى حدّ القرف واليأس ممّا وصل إليه الوضع في لبنان. ربما كانت محاولته الأخيرة لتشكيل الحكومة، التي فشلت في تحويل حكومة اللون الأصفر الواحد إلى حكومة اختصاصيين ولو بالحدّ الأدنى، ربما كانت الرصاصة الأخيرة في الجعبة التي بعدها سيعلن قراره الحاسم. لقد فشل رغم كلّ الاستثمار في منطق التسوية الذي راهن عليه، في نيل أيّ مكسبٍ من حزب الله، يعطيه سلاحاً في وجه شبه إجماعٍ عربيٍّ ودولي، بات متيقناً من أنّ ما يُشكّل من حكومات في لبنان، ليس أكثر من واجهةٍ سياسيةٍ لحزب الله. لذلك انسحب الحريري من محاولة تشكيل الحكومة، وانكفأ في الإمارات العربية المتحدة، يفكّر في الخطوة التالية، التي أتت طبقاً لما كان أسرّ به إلى أقرب المقرّبين الذين زاروه مستطلعين وقلقين.
لقد كان الانسحاب في الشكل وفي أسباب الانسحاب معبّراً وواضحاً، وخصوصاً بما يتعلق برفض الحرب الأهلية.لقد كانت هذه العبارة المفتاح الذي يفهم منها أنّ الحريري لم يعد قادراً على الاستمرار في معادلة المساكنة مع حزب الله التي أعطيت زوراً اسم التسوية، كما أنّه ليس في وارد أن يعود إلى مرحلة ما قبل السابع من أيار التي كان عنوانها مواجهة مشروع حزب الله، والتي أدّت إلى اجتياح بيروت واغتيال قادة كثر من قوى 14 آذار. إذا لا يريد الخيار الأول ولم يعد يستطيع السير في الخيار الثاني، فكان الخيار الثالث الابتعاد والتفرج عن بعد على 17 عاماً، تبددت فيها آمال كثيرة.
بالسؤال عن الموقف العربي والخليجي تحديداً، من هذا الانسحاب، وما سيليه، لم يكن من قبيل الصدفة أن يتزامن توقيت إعلان الانسحاب، مع زيارة وزير الخارجية الكويتي لبيروت. الزيارة بحدّ ذاتها مبادرة مكتملة، ليس فيها أيّ أثرٍ للحقبة العربية التي طالما شهدت مبادراتٍ مختلفة تجاه لبنان. لا تشبه الزيارة مبادرة اللجنة السداسية في أواخر الثمانينات التي قام بها الأمير الراحل صباح الأحمد الصباح، ولا تشبه المبادرة السعودية التي تولاها الأمير الراحل سعود الفيصل والتي أنتجت اتفاق الطائف، ولا هي تشبه مبادرة قطر التي أنتجت اتفاق الدوحة.
هي مبادرة خليجية لترتيب العلاقة مع لبنان، وليس لصياغة تسوية لبنانية – لبنانية، وهذا الترتيب حرص الوزير الكويتي على البوح بتفاصيله وبنوده وشروطه بطريقةٍ تفتقر لألغاز اللغة الدبلوماسية، ما يستنتج منه أن البنود الـ 12 التي تضمنتها، لا تحتمل النقاش ولا التفاوض، وبالتالي لن يكون من المقبول خليجياً أن يتم إدخالها في متاهات تدوير الزوايا وفق الطريقة اللبنانية المعتمدة تقليدياً للتملص من الالتزامات والتعهدات.
تبعاً للموقف الخليجي يمكن فهم أسباب انسحاب الرئيس الحريري، كما يمكن توقع الإرباك المضاعف الذي سيواجهه الرئيس نجيب ميقاتي باعتباره المعني الأول بالإجابة على هذه المبادرة.
في الخلاصة بات على أيّ مكوّن لبناني أن يكون على علم، بأنّ دول الخليج لن تغطي أيّ مساكنةٍ لمصلحة حزب الله، وهذه إحدى العبر الأساسية التي يمكن استخلاصها من انسحاب الرئيس الحريري من الحياة السياسية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |