ما لِعون وما عليه في التّرسيم البحري
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
على الأرجح لم يكن تساهل الرئيس ميشال عون في ترسيم الحدود البحرية والتراجع عن الخط 29، هدفاً وحيداً من أجل التطبيع الغازي مع إسرائيل، لكن بالتأكيد فإنّ نتائج هذا التراجع تصبّ في اتجاه الترسيم النهائي برعايةٍ دوليّة، والبدء بالاستكشاف والاستخراج خلال سنوات إذا ما تحققت عملية الترسيم، بفعل مبادرة هوكشتاين، التي تصفها مصادر مطّلعة بأنّها المبادرة الأخيرة.
وإذا كان إنقاذ جبران باسيل من العقوبات وإعادة تأهيله للرئاسة هو هدفٌ أوّلٌ لدى رئيس الجمهورية، فإنّ ما من فرصة ذهبية لهذا التأهيل إلّا استفادة المعاقب من رغبة المعاقب، بإنجاز التّرسيم، ولهذا فقد نال عون من حزب الله ضوءاً أخضر للتنازل عن الخط 29، بعد أن نال الحزب ضوءاً أخضر من طهران لتسهيل الترسيم ربطاً بالتقدم في مفاوضات فيينا.
كلّ ما فعله عون هو أنّه اقترب من خط التوتر العالي الذي ينقل تياراً كهربائياً إيجابياً، وانتهز الفرصة وعلق كابلًا صغيراً لباسيل (محاولة رفع العقوبات)، علّه يستفيد على قياسه من الطاقة الإيجابية التي تحكم العلاقة الأميركية الإيرانية.
ولكن بعيداً عن صحة أو صواب ربط الترسيم برفع العقوبات عن باسيل، يبقى السؤال: هل ما قام به عون سيرتدّ سلباً أم إيجاباً، وهل حقيقة التفاوض الطويل حول الترسيم، كانت ترتكز على التمسك النهائي بالخط 29 أم أن هذا التمسك هو مجرد موقف تفاوضي لتثبيت الأحقية بالخط 23 وما بعد الخط 23 جنوباً بما يتجاوز كسباً لمساحة مائية لا تقل عن 25 وقد لا تزيد عن 50 كيلومتراً مربعاً؟
الحقيقة، وهي تنصف عون في هذه النقطة، بأنّ الخط 29 كان دائماً بالنسبة للوفد اللبناني المفاوض خطاً للتفاوض، وكان ذلك بعلم حزب الله والرئيس نبيه بري، الّذي كان ميالاً حتى إلى الموافقة على التفاوض حول خط هوف، أي الخط الذي يعطي لبنان 55 بالمئة من المنطقة الواقعة بين الخط 1 والخط 23 لكن خط هوف سقط التفاوض حوله، والآن توجد مبادرة هوكشتاين التي هي تفاوض حول الخط 23 جنوباً لكن على طريقة رسم خط متدرج يؤمن للبنان حقل قانا ولإسرائيل حقل كاريش، الذي يعتبر استحواذها عليه خارج التفاوض.
ينتظر الجميع بدء الكلام عن الترسيم المتعرج، لكن هذا الترسيم لا يُسقط سقطات لبنانية كان يمكن لو تمّ تفاديها أن يتعزّز الترسيم بالأدلة بدءاً من البر أي من رأس الناقورة، وتحديداً النقطة “بي 1” المحددة على صخرة فوق البحر، وهي النقطة التي رسمت حدود لبنان مع فلسطين في العام 1923، ويكفي الانطلاق منها لتعزيز موقف لبنان، لكن تم تجاوزها على الرغم من امتلاك لبنان أدلة قاطعة تثبت موقعها، وسيعتمد الترسيم على بعد عن الشاطئ لأن إسرائيل رفضت مجرد البحث بالترسيم انطلاقاً من الـ “بي 1″، لأنها تمتلك منشآت غير مدنية على الحدود مباشرة، وهي ترفض الإقرار بهذه النقطة، كي لا تعرّض نفسها لأيّ تحكيمٍ دوليٍّ على الحدود شبيه بالنزاع على طابا.
يمضي عون في استثمار الترسيم لرفع العقوبات عن باسيل، فحلم ترئيس باسيل لا زال قائماً، ولهذا تحمّل مسؤولية الإعلان عن التنازل عن الخط 29، ما رتّب لقاءً بين باسيل وهوكشتاين في ألمانيا، كان في نتيجته التحضير لدعوى أمام القضاء الأميركي لمحاولة رفع العقوبات، وتقول معلومات أيضاً أن هناك دوراً مساعداً لقطر في هذا الإطار، وتشير إلى زيارة محتملة قام بها باسيل للدوحة، التي تدخل على خط المساعدة لدى الإدارة الأميركية، لرفع العقوبات.
على الرغم من ربط باسيل بالترسيم، فإن من نتائج التقدم في بت الترسيم، ولادة فرصة كبيرة للبنان للبدء بالرحلة الطويلة لاستثمار الثروة النفطية، وهي لن تبدأ في كل الحقول المتوقعة من الشمال إلى الجنوب، إلا بالترسيم مع إسرائيل. هذا المضي يحظى بغطاء من حزب الله، الذي استبق التنازل عن الخط 29 بالإعلان عن الوقوف وراء الموقف الرسمي اللبناني، علماً أن الحزب الذي يقف وراء عون اشترط أن يكون الاتفاق على الترسيم غير مقرون بأي تفاهم لوجستي مع إسرائيل، في عمليات الاستكشاف والاستخراج.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |