الإنتخابات برسائلها المتعددة!
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان” :
سوف يسيل الكثير من الحبر في قراءة نتائج الانتخابات النيابيّة وتحليلها، وفي توقع مسار الأحداث في الحقبة المقبلة التي لا تزال تنتظرها الكثير من الاستحقاقات الدستوريّة المفصليّة التي لا تقل أهميّة عن الانتخابات العامة التي شهدها لبنان والتي أعادت تشكيل خريطة المجلس النيابي الذي تمتد ولايته لأربع سنوات.
ولكن لعل الرسالة الأكثر بلاغة التي أرادت شرائح واسعة من الشعب اللبناني إيصالها إلى جميع المرشحين دون إستثناء (بمن فيهم القوى التغييريّة كما تسمّي نفسها)، هي نسب الإقتراع التي لم تصل إلى المعدلات المتوقعة قياساً إلى حجم التحديات السياسيّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة.
فعلى الرغم من كل التعبئة الشعبيّة والإنتخابيّة التي خاضتها القوى المتصارعة والتي وصلت إلى ذروتها في الأسابيع الأخيرة، إلا أن ذلك لم يدفع الكثير من الناخبين اللبنانيين إلى الإقتراع والتوجه إلى صناديق الإنتخاب في اليوم الذي كان يُعتبر من قبل الكثيرين بأنه يوم مفصلي يمكن البناء عليه لإعادة تكوين السلطة والبدء بعمليّة الإنقاذ الوطني من الدرك الذي وصلت إليه الأمور.
جوهر الرسالة الشعبيّة في الإستنكاف عن المشاركة في الإنتخاب يعكس حالةً من اليأس والقنوط وربما الذهول، ويظهر طبيعة القناعات التي تشكلت لدى شرائح واسعة من اللبنانيين وهي تتمحور حول فكرة أن هذا البلد بات عصيّاً على الإصلاح وأن خيبة الأمل من المجموعات الثوريّة قد تصاعدت بشكل ملحوظ نظراً لفشلها الذريع في تقديم بدائل موحدة وقادرة على المنافسة إلا في حالات نادرة ومحدودة، وهي الحالات التي تحقق فيها الخرق.
المهم الآن أن الإستحقاق الإنتخابي قد طُويت صفحته من الناحية الإجرائيّة واللوجستيّة، أما مفاعيله السياسيّة فقد بدأت للتو، وهي ستعكس نفسها في التمثيل الوزاري الجديد، ولاحقاً في الاستحقاق الوطني الأهم المتمثل بإنتخابات رئاسة الجمهوريّة التي من المفترض أن تتم وفق معطيات جديدة مبنيّة على مواصفاتٍ محددّة للرئيس العتيد، ومن أبرز تلك المواصفات أن تكون مناقضة لمواصفات الرئيس الحالي ميشال عون الذي قاد البلاد نحو الانهيار التام، وسيحفظ له التاريخ أنه من أكثر الرؤساء فشلاً في تاريخ الجمهوريّة منذ الاستقلال سنة 1943.
ثمّة حاجة فعليّة أخرى باتت أكثر إلحاحاً تتصلُ بضرورة فتح النقاش المبكر على قانون الإنتخاب العتيد. صحيحٌ أن الاستقرار التشريعي مهم في القوانين عموماً، وقد خاض اللبنانيون الإنتخابات على دورتين متتاليتين وفق القانون ذاته؛ ولكن الصحيح أيضاً أن إعادة تقييم التجربة الإنتخابيّة من باب القانون النافذ تتيح تحسين مستوى التمثيل السياسي والشعبي، وإعادة نقل التنافس الانتخابي إلى ما بين اللوائح بدل أن يكون في قلب اللائحة الواحدة نتيجة الصوت التفضيلي بالإضافة طبعاً إلى دراسة متأنية لمبدأ الحاصل الإنتخابي المتحرّك والبحث في إمكانيّة تثبيته عند حد معيّن وفقاً لعدد الناخبين في الدائرة.
إنها مجرّد أفكار أوليّة تستوجب النقاش العلمي والتقني قبل النقاش السياسي وهي قابلة للتطوير في الآتي من الأيّام. المهم الآن هو تحضير البلاد للإنتخابات الرئاسيّة كي نخرج من دوامة العهد العبثي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |