خطاب نصرالله… تغيير إيجابي بالمسارات أم تمهيد لحرب مقبلة؟
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
يُقال “الرّزق السّايب بِعَلّم النّاس الحرام”، وفي حالة لبنان، فقد نُهب كلّ الرّزق حرفيًّا، ولم يبقَ سوى نفط وغاز ابتلعهما البحر، لعلّه يحميهما من جشع حيتانٍ ترتدي ربطات عنق. لكنّ المفارقة هذه المرّة، أنّ “ولاد الحرام” ليسوا من أهل البلد، بل أعداء مجرمين اعتدوا واعتقلوا وعذّبوا وسرقوا واغتصبوا الأرض وحقوق أبنائها، وقرّروا مؤخّرًا شفط جزء من ثروتنا النّفطيّة والغازيّة.
واجه لبنان الرّسمي الإعلان الإسرائيلي عن وصول سفينة “إنرجيان باور” اليونانيّة للتّنقيب عن الغاز واستخراجه، إلى حقل كاريش الأسبوع الماضي، بمواقف وبيانات احتجاجيّة عالية السّقف، إلّا أنّها لم تخفِ التّضعضع الدّاخلي وغياب الموقف الرّسمي الموحَّد بمسألة ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة. المواقف المندِّدة بالخطوة الإسرائيليّة الاستفزازيّة، استكملها الأمين العام لـ “حزب الله” السيّد حسن نصرالله، الّذي استَنكر، شرح، توعّد، ووجّه سهام التّهديد للسّفينة ومن يقف خلفها ويمتلكها.
وأكّد أنّ “أيّ عمل باتجاه استخراج النّفط أو الغاز من حقل كاريش يجب أن يتوقّف، وبالتّالي على العدو وحكومته انتظار نتيجة المفاوضات كما يفعل لبنان”، مشدّدًا أنّ “على إدارة الشّركة اليونانيّة وأصحابها أن يعلموا أنّهم شركاء في الاعتداء الّذي يحصل الآن على لبنان، وهذا له تبعات، وأنّ عليهم سحب السّفينة فورًا. كما على هذه الشّركة وإدارتها وأصحابها الّذين أخذوا قرار إرسال السّفينة إلى هذه المنطقة المتنازَع عليها، أو القيام بهذا العمل العدواني، أن يتحمّلوا المسؤوليّة الكاملة من الآن عمّا قد يلحق بهذه السّفينة مادّيًّا وبشريًّا”.
كلمة نصرالله الّتي أجابت على عدّة تساؤلات عن موقف “المقاومة” من التحرّكات الإسرائيليّة الأخيرة، لن تمرّ مرور الكرام. في هذا الإطار، رأى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد أمين حطيط، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “خطاب السيّد نصرالله مفصلي استراتيجيًّا، وحمَل رسالتين كبيرتين: الرّسالة الأولى للعدو مفادها بأنّك أضعف من أن تعتدي، والرّسالة الثّانية للدّولة اللّبنانيّة قال لهم فيها أنتم أقوى من أن تتنازلوا”.
وأعرب عن اعتقاده أنّ “هذا الموقف الاستراتيجي الكبير سيكون له صدى يغيّر مسار عمليّة التّرسيم والتّنقيب والإنتاج”، مبيّنًا أنّ “التّغيير سيكون إيجابيًّا لمصلحة لبنان، وقد أعطى نصرالله دعمًا كبيرًا للموقف الوطني، كي لا يلهث اللّبناني وراء الأميركي ويستجدي حضوره. كما أنّه قال للبنان أنت قوي ولا داعي أن تتنازل، والمقاومة إلى جانبك”.
وعمّا إذا كان موقف الأمين العام لـ “حزب الله” سيُقابَل بتصعيد إسرائيلي أم بتروٍّ في الخطوات المستقبليّة، شدّد حطيط على أنّ “إسرائيل بوضع واهن، ولا يعتقد أحد أنّها جاهزة لحرب! ولو كانت ستُحارب لكانت قامت بأعمال أخرى”، مركّزًا على أنّ “احتمال الحرب وارد دائمًا، لكنّها مستبعَدة في هذه الفترة”.
ورغم أنّ البعض اعتبر أنّ الجانب الإسرائيلي لم يكن ليُقدم على مثل هذه الخطوة الاستفزازيّة، لولا حصوله على ضمانات لبنانيّة، إلّا أنّ العميد المتقاعد أكّد أنّ “إسرائيل لم تحصل على ضمانات، لكنّ ضبابيّة الموقف اللّبناني والتردّد، سمحا للإسرائيليّين أن يفهموا أنّ لبنان يتنازل عن الخطّ 29، ويكتفي بالخطّ 23، وبما أنّ حقل كاريش كلّه بجنوب الخطّ 23، فذهبوا ليستخرجوا الغاز منه”.
ولفت إلى أنّ “نصرالله ذكّر في خطابه برسالة الدّولة اللّبنانيّة، الّتي تَعتبر حقل كاريش منطقة متنازَع عليها، وبذلك قطعت الطّريق على إسرائيل بأن تنتج الغاز”، ووجد أنّ “المَخرج الآنّ إمّا التّجميد أو المفاوضات غير المباشرة الجادّة”. وعمّا إذا كانت هذه المفاوضات ستسمح أن يثبّت لبنان حدوده البحريّة تبعًا للخطّ 29، أفاد حطيط بأنّ “ذلك يتوقّف على همّة الجانب اللّبناني، والمراهَنة الآن على قوّة الموقف وصلابته”.
علامات استفهام كثيرة رُسمت حول موقف رئيس الجمهوريّة ميشال عون، الّذي أكّد مرارًا حرصه على حماية حدود لبنان وحقوقه النّفطيّة والغازيّة، إلّا أنّه في المقابل لم يوقّع تعديل المرسوم 6433، الّذي يصحّح حدود لبنان البحريّة جنوبًا من الخطّ 23 إلى الخطّ 29، ويعدّل مساحة حدوده البحريّة مع إسرائيل. في هذا السّياق، أشار حطيط إلى أنّ “الرّئيس عون حفظ حقّ لبنان بالمنطقة المتنازَع عليها، وهو لم يوقّع تعديل المرسوم حتّى لا يقطع الطّريق أمام المفاوضات”.
وأوضح أنّه “إذا وجد عون أنّ المفاوضات لم تنطلق، فأعتقد أنّه قد يتّجه إلى توقيع المرسوم”، مستبعدًا الفرضيّة الّتي تربط عدم التّوقيع، برفع العقوبات الأميركية عن رئيس “التيّار الوطني الحر” النّائب جبران باسيل.
بين الخطّ 23 والخطّ 29 وخطّ هوف، تعدّدت التّسميات لكنّ المؤكّد أنّ ثروة لبنان من النّفط والغاز هي حبل النّجاة الأخير، لإنقاذ اللّبنانيّين من دوّامة الانهيار الكاسرة، الّتي تشتدّ قوّةً يومًا تلو الآخر. فهل يكون خطاب نصرالله نقطة التحوّل الإيجابي بمسار ترسيم الحدود البحريّة، أم الشّرارة الأولى لحرب مقبلة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |