لبنان يستغلّ طبيعته لينشّط سياحته البيئيّة نصار لـ “هنا لبنان”: “خصّصت وزارة السياحة ضمن أدواتها الترويجية مساحةً للسياحة الريفيّة”
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
مع بداية فصل الصيف يشهد لبنان حركة طيران كبيرة رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها. لكن المفارقة هذا العام مع استعادة الموسم السياحيّ ألقه، أن اللّبنانيّ سيوسّع نشاطاته المحليّة ليكون ضيفاً في دياره ويشارك بالنشاطات الثقافيّة والسياحيّة الّتي تخلّى عنها سابقاً واستبدلها بتذكرة سفر إلى بلدٍ آخر.
ها هو اليوم ذاك اللّبنانيّ نفسه يضع رزنامة نشاطاته الصيفيّة ويتنقّل بين مهرجانات ومواقع أثريّة ومحميّات طبيعيّة، غير أنّ هذه الأخيرة أصبحت في الآونة الأخيرة محطّ أنظار الكثيرين. فما أثر السياحة البيئيّة على سياحة صيف 2022 في لبنان؟
وللحصول على معلوماتٍ إضافيّة تواصل “هنا لبنان” مع وزير السياحة وليد نصار، الّذي اعتبر أنّ الإستراتيجية الوطنية للسياحة الجبلية المستدامة، لها رؤية طموحة لجعل وجهة السياحيّة الجبلية اللّبنانيّة أكثر استدامةً في الشرق الأوسط.
وعن التعاون بين الدولة والجمعيات لإنجاح الإستراتيجيّة أوضح نصّار، أنّ السياحة هي صناعة تتداخل فيها عدة قطاعات وأطراف وأصحاب مصلحة. بالتالي تحتاج وزارة السياحة لتظافر جهود كل هؤلاء الشركاء من أجل إنجاح الإستراتيجية. وتلعب الجهات المانحة كالمنظمات الدولية مثلاً دوراً أساسياً في مساندة وزارة السياحة بتأمين التمويل اللازم، أما السلطات المحلية فهي شريك أساسي في تطبيق إستراتيجية اللامركزية السياحية.
ويعتبر الوزير أنّ السياحة البيئية حالياً من أكثر أنواع السياحة رواجاً، ليس في لبنان وحسب وإنما العالم أجمع وخاصةً بعد جائحة كورونا. وتابع وزارة السياحة اليوم تواكب بيوت الضيافة وهو يسعى شخصيّاً لتأسيس تجمّع أو نقابة تختص بهذه البيوت وبشؤونهم، مع إنشاء صندوق سياحي يتم تمويله من رجال الأعمال. ومع انضمام لبنان رسمياً إلى المسارات الثقافية لمجلس أوروبا سيتمّ تفعيل مسارات الزيتون والنبيذ مما يساهم في تفعيل وترويج السياحة الزراعية.
في الختام اعتبر وزير السياحة أنّ الصيف واعد، إذ نتوقع أكثر من مليون وافد، 75% منهم من اللبنانيين المغتربين و25 % من الأجانب، بالدرجة الأولى من مصر والأردن والعراق ثم الدول الخليجية. وقد بلغ مجموع الوافدين إلى لبنان خلال الفصل الأول من العام الحالي ما يعادل 212,950 وافداً مسجلين تقدم بنسبة 155.77% مقارنة مع نفس الفترة من العام 2021 حيث بلغ عدد الوافدين 83,260 وافداً.
وتقوم الوزارة بالترويج للقطاع السياحي إعلامياً وإعلانياً. وكانت قد أخذت قرارات إستثنائية بالسماح للمؤسسات السياحيّة بالتسعير بالدولار وهذا يظهر للسائح مدى الأسعار المتدنّية في لبنان.
وقد خصّصت الوزارة ضمن أدواتها الترويجية مساحةً للسياحة الريفيّة، إذ يستطيع السائح أن يتعرّف عن بيوت الضيافة من خلال كتيّب بالإضافة إلى كتيبات تعرّف عن المحميات الطبيعية والنشاطات السياحية في الهواء الطلق. وجميع هذه الكتيّبات موجودة على الصفحة الإلكترونية للوزارة.
وللاطّلاع أكثر عن واقع السياحة البيئيّة في لبنان تواصلنا مع المسؤولين في “محميّة أرز الشوف”، فأوضحت مسؤولة التواصل في المحميّة سارة نصرالله أّنّ قبل جائحة كورونا كان في المحميّة نشاطات بيئية مرتبطة بالموسيقى، لكن خلال السنتين الفائتتين تمّ الإحتفال بعيد الموسيقى ضمن نشاطات أصغر. في هذا العام استرجِعَت النشاطات القديمة وتمّ الإحتفال بعيد الموسيقى بغابة أرز المعاصر. العلاقة والتناغم بين الطبيعة والموسيقى موجودة منذ القدم فالتفاعل بينهما كبير والرسالة التي أردنا إيصالها، أنه يمكننا القيام بنشاطات صديقة للبيئة تدلّ على سلام دون تشويه الطبيعة.
بينما اعتبر منسّق السياحة البيئيّة في المحميّة عمر أبي علي أنّه زار المحميّة في العام 2019 وقبل كورونا المحمية حوالي ١٢٠ ألف زائر، وقد غيّر الوباء مجرى حياة الناس بعد انتشاره. لكن عدد الزوار عند مقدمي الخدمات كبيوت الضيافة، ارتفع بفترة كورونا من ١٠٨٣٠ إلى ٣٣٠٠٠ أي نحو ٣ أضعاف.
هذه الأرقام تؤكّد لجوء الأفراد بشكل أكبر للطبيعة وشعورهم أنّها المكان الآمن للسياحة. ومحمية أرز الشوف، لا يعنيها عدد الزوار الكثير لأنّ دخول مئات آلاف الزوار على مواقع طبيعية قد يؤثر على الطبيعة. وأكمل أبي علي، “الهدف الأساسي من زيارة الضيف هو ممارسة السياحة المسؤولة وتعريفه على قواعد السياحة لنقلها إلى منطقته وبلده، عندها يسير السائح قدماً بالدرب الرئيسي للسياحة المستدامة؛ أي ترك الطبيعة والموارد الطبيعة للأجيال القادمة.
الوضع الاقتصادي في لبنان بحسب أبي علي جعل السياحة الداخلية تنشط، فتعرّف اللّبنانيّ على المواقع الأثريّة والطبيعيّة في لبنان بدل السفر، ساهم بتنمية السياحة الداخليّة وأصبح المواطن أقرب من أرضه وجذوره.
منذ العام 2006 أقرّت محمية أرز الشوف كمحمية محيط حيوي، أي تعنى بالإنسان والطبيعة على السواء، وإدارة المحمية تشرك المجتمع المحلي كالبلديات بإدارتها. وإذا كانت رياضة المشي أو زرع أرزة نشاطات داخل المحميّة، فإنّ استخراج العسل والتعرّف على طرق تربية النحل بالإضافة إلى قطف الفاكهة والخضار من الأرض وأكلها لدى المزارع من النشاطات الموجودة ضمن المدى الحيويّ. وتعزيز بيوت الضيافة بعادات وتقاليد اللّبنانيّ وبمنتوجات المزارعين يساهم بتنشيط العجلة الإقتصاديّة. وختم أبي علي، من المتوقع أن يزيد عدد السواح كون المحميات ملجأ غر مُكلِف.
في النهاية ها نحن نُثبت مرّة جديدة أنّ رغم المصائب نستطيع البحث عن فسحة أملٍ للصمود، وتطوّر السياحة البيئيّة في لبنان يعيدنا إلى جذورنا، إلى الإستفادة من طبيعة لبنان الّتي نَسيَها الكثيرون في ظلّ التطوّر التكنولوجيّ.