حرائق غابات لبنان عنوان يتكرر كل صيف.. “البيئة” تطلق استراتيجية جديدة للحد من الحرائق فهل تنجح في ذلك؟
كتبت رانيا حمزة لـ “هنا لبنان”:
ها قد أقبل فصل الصيف، وعلى الرغم من أن اللبنانيين ينتظرون هذا الفصل بلهفة أملاً بأن يأتيهم السياح من دول العالم لإنعاش ما يمكن إنعاشه من اقتصاد البلد المتهالك منذ بدء الأزمة الاقتصادية، إلّا أن “الخوف” بات رفيقهم الدائم مع تكرر مشاهد حريق الغابات في كل عام وما ينتج عنها من كوارث تضرب البيئة والاقتصاد في آن.
لا تزال ذاكرة اللبنانيين تحفظ بوجعٍ كبير، مشاهد النيران التي التهمت غابات لبنان من الشمال إلى الجنوب عشية 13 تشرين من العام 2019. كانت شيئاً من كابوسٍ حقيقي، هروب من لقطات حيّة لفيلم Only The Brave وأخطبوطٌ أحمر هائجٌ، يقبض على كل ما تطاله أذرعه من مساحات خضراء، فيما أظهرت هذه الكارثة حينها، عجز الدولة اللبنانية التام عن المواجهة حيث لم يكن من حلّ إلا بالاستعانة بطوّافات قبرصية للسيطرة على النيران. وتكرر المشهد عينه في صيف العام 2021 حيث اندلعت الحرائق أواخر شهر تموز، و ضربت غابات عكار شمال لبنان، واستمرت لأيام بعد خروجها عن السيطرة، إضافةً إلى حرائق طالت مرج بسري في جزين، دير القمر في الشوف، منطقة بكفيا وعدداً من المناطق الأخرى وأحدثت دماراً هائلاً في بيئة لبنان وغطى الرماد ثروته الحرجية فيما لم تظهر أي مبادرة أو خطة جدية من قبل الوزارات والإدارات المعنية لوضع حدٍ لنيران تستلذ في تدمير البيئة وتلحق أضراراً اقتصادية هائلة .
الأسبوع الوطني للوقاية من الحرائق يشهد أكبر حريق
في الثاني من حزيران الحالي، أطلقت وزارة البيئة، بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، بالتّعاون والتّنسيق مع الوزارات والإدارات الرّسميّة الشّريكة في تنفيذ الاستراتيجيّة الوطنيّة للوقاية والحدّ من حرائق الغابات، وبمشاركة المنظّمات غير الحكوميّة والهيئات الأهليّة، “الأسبوع الوطني للوقاية من حرائق الغابات من الفترة الممتدّة من 5 وحتى 11 حزيران 2022، وذلك بهدف رفع الوعي على المستوى الوطني حول أهميّة الوقاية من حرائق الغابات، وخفض المساحات المحروقة هذا العام بنسبة 25% على الأقلّ من معدّلاتها السنويّة”.
وفي هذا الإطار، دعا وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين، الشّركاء في هذه الحملة إلى “جولة في منطقة عكار يوم الأحد 5 حزيران 2022″، تمّ خلالها إطلاق الأسبوع الوطني للوقاية من حرائق الغابات، بدايةً من موقع غابات القبيات التي احترقت منذ حوالي سنة، وبعدها إلى نواحٍ أخرى من عكار. ولم يكن “الأسبوع الوطني للوقاية من حرائق الغابات” قد انتهى بعد، حين اندلعت الحرائق في غابات بطرماز- الضنية وهي واحدة من أكبر غابات الصنوبر البري في البلاد والمنطقة، وقد عمل متطوعون وعناصر من الدفاع المدني والهيئات المدنية بمؤازرة مروحيات تابعة للجيش اللبناني على إخماد الحريق والحد من الخسائر الناجمة من جراء ذلك.
استراتيجية متجددة لوزارة البيئة
بالطبع، لا يستبعد أحد أن تكون الحرائق مفتعلة، كما هي التكهنات لكل عام، ولكن ما يتكرر في المشهدية أيضاً، عجز الدولة وضعف إمكانية المواجهة لديها في إخماد النيران قبل وقوع أضرارٍ جسيمة، ما زال الصيف في بدايته، ما يعني أن غابات لبنان لا تزال تحت دائرة الخطر فهل من إجراءات ناجزة لمنع نشوب الحرائق أو الحد منها على الأقل، سؤال حمله موقع “هنا لبنان” إلى وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين الذي تحدث عن دور وزارة البيئة في هذا المجال قائلاً: “إن دورنا في وزارة البيئة في ما يخص عملية إخماد الحرائق يقوم على خمس نقاط رئيسية ألا وهي: الوقاية، الإنذار المبكر، تعزيز الاستجابة من خلال الاعتماد على المستجيب الأول، الاستعانة بطوّافات الجيش فضلاً عن التعاون الدولي”.
وبالنسبة للشق المتعلق بالوقاية، لفت الوزير ياسين إلى أن “الوزارة عملت على تجديد “الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات في لبنان” والتي ستعمد إلى إطلاقها مباشرة بعد عيد الأضحى المبارك. كما قامت بتوزيع الكتيبات التوعوية على المدارس والتلاميذ. كما تعمل وزارة البيئة بالتعاون مع البلديات والجمعيات والهيئات الناشطة على توعية الأهالي في القرى والمناطق المعرضة لخطر الحرائق”.
أما في ما يتعلق بمسألة بالإنذار المبكر فإنه يتم من خلال “دعم و تجهيز البلديات واللجان المحلية الناشطة ليكون لديها إنذار مبكر وذلك من خلال تعميق فكرة أن يكون هناك حراس أحراش ونواطير لمراقبة الأحراش والغابات بالتعاون مع وزارة الزراعة. لافتاً إلى وجود حراس للمحميات البيئة في لبنان أسهم بشكل كبير في حمايتها من خطر اندلاع الحرائق.
أما عن مسألة تعزيز الاستجابة فأشار إلى أنها تتم بالتعاون مع الدفاع المدني والجمعيات الأهلية. ولفت إلى أن الوزارة تسعى لتأمين صندوق دعم للدفاع المدني وقال: “تواصلت مع رئيس الحكومة من أجل العمل مع المنظمات الدولية والجهات المانحة على تمويل طرق الاستجابة من خلال تخصيص سيارات التدخل السريع التي تعمل على مساندة سيارات الدفاع المدني. هناك نحو 13 منطقة معرضة أكثر من غيرها لخطر الحرائق وبالتالي بحاجة لوجود فرق الاستجابة أو المستجيب الأول”.
تابع: “بالإضافة إلى ذلك يتم إخماد الحرائق بمعاونة الجيش اللبناني الذي يملك طائرات هليكوبتر مخصصة لذلك. وهناك أيضاً معاهدة تعاون مع قبرص وأخرى بين لبنان والاتحاد الاوروبي من أجل المساعدة في حال نشوب حريق يصعب إخماده”.
وبسؤاله عن الطائرات التي يملكها لبنان لإخماد الحرائق والتي لم تستخدم مطلقاً في هذا المجال أجاب: “أن الطائرات بها معطلة وتكلفة إصلاحها باهظة جداً ولا إمكانية في الظروف الحالية لإصلاحها وبالتالي فإن الاعتماد هو على طوافات الجيش فضلاً عن برك المياه التي يملكها الدفاع المدني التي يتم استخدامها في حال الحرائق”.
يشار إلى أنه تم إعداد “الاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات في لبنان” في العام 2009، من قبل وزارة البيئة وجمعية الثروة الحرجية والتنمية بتمويل من الاتحاد الأوروبي في إطار مشروع حمل عنوان “نحو تطوير وتنفيذ استراتيجية وطنية لإدارة الحرائق والغابات في لبنان”.
وهي تتألف من نحو 65 صفحة أما أبرز محاور هذه الاستراتيجية فهي:
المعلومات والأبحاث والتحاليل.
تقليص الخطر بما في ذلك الحد من إمكانية اندلاع الحرائق وإجراءات الوقاية من الحرائق المدمرة.
الجهوزية بما فيها تأمين المستلزمات المطلوبة لتفعيل التدخل ومكافحة ومعايير السلامة والأمان.
الاستجابة وما تحتاجه من وسائل ضرورية أثناء إخماد الحرائق.
النهوض في مرحلة ما بعد الحرائق وما يتطلبه من إجراءات تأهيل المساحات المتضررة وإعادة هيكلة النظام البيئي والطبيعي للغابة فضلاً عن إجراءات الدعم للأفراد والمجتمعات المتضررة ومساعدتها على المديين القريب والمتوسط خلال مرحلة ما بعد الحريق.
وبالنظر إلى أبرز نقاط هذه الاستراتيجية ومقارنتها مع الواقع على الأرض وكيفية التعامل مع الحرائق والكوارث الناجمة عنها، يبدو جلياً أنها بقيت طوال السنوات المنصرمة حبراً على ورق، على أمل أن يحصل تبديل مع عملية التجديد.