هكذا ستحمل بكركي صليب الرئاسة
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
من عادة التاريخ أن يعبر إلى المرحلة الأصعب التي تعقب الانهيار، ومن مفارقات القدر أن غالباً ما يتنكب من صلبوا على خشبة الانهيار، أن يصلبوا على صليب ثقيل مرة ثانية، في مهمة مسح آثار العدوان، وبلسمة الجراح.
قد لا تكون الكنيسة المارونية بمنأى عن تحمل جزء من مسؤولية الصمت على وهم نظرية الرئيس القوي، لكنها بالتأكيد قبل انتخاب هذه النظرية رئيساً، وبعدها، كانت تتألم لما أنتجته من عجائب، يعجز الوصف عن وصفها.
يتحضر البطريرك الراعي لحمل صليب الانتخابات الرئاسية، فبكركي هي الآن معبر إجباري لاختيار المواصفات قبل شخص الرئيس، ويتسلح البطريرك الراعي بالتحفظ فلا أسماء ولا تفاصيل، بل تشديد كنسي وفاتيكاني، على منع الفراغ الرئاسي، وعلى تجريم كل من يساهم بهذا الفراغ طمعاً بالموقع، وعلى تحريم سلوكه أياً كان، لأن العبث بالرئاسة إذا حصل مجدداً، لن يكون إلّا تعبيراً عن نية بتدمير دورها لأسباب تختلط فيها الأنانية بالانتهازية.
لا يفصح البطريرك الراعي عن الأسماء التي يمكن أن تنطبق عليها المواصفات، لكنه يسهب في تكرار المواصفات، التي تبدأ بالتمسك بالسيادة والاعتدال والحرص على سلامة لبنان وحدوده ودستوره وجيشه وحيداً على الأرض، وعلاقاته العربية والدولية وحياده عن الصراعات، والكثير من هذه المواصفات التي تتصل بهذه الثوابت.
خلافاً لكل التسريبات والتأويلات، والأسماء التي تطرح هنا وهناك على أنها متبناة من الكنيسة، لم ولن يصدر عن البطريرك الراعي أي موقف بخصوص الأسماء، وهو يستمزج عن رجال المرحلة الذين يمكن أن تنطبق عليهم المواصفات، وإلى اليوم لم يعط الراعي سره الرئاسي لأحد لا في الداخل ولا في الخارج، فلا أفضلية إلا للمعايير على الأشخاص، ولا حصرية لمواصفات القوة التي حصر بها أقوياء الموارنة الاستحقاق الرئاسي. لن يكون البطريرك الراعي ضد أحد منهم، لكنه سيشدد على مواصفات رجل المرحلة التي تتطلب الإنقاذ، والتي تعني عدم الموافقة على توريث النهج القديم لرئيس جديد قديم.
في التحفظ الكنسي على الأسماء، ما يطبق على الداخل والخارج، ومن هؤلاء سفراء كبار استمزجوا رأي البطريرك الراعي بمن يريد، وطرحوا أسماء محددة، فكان جوابه طلب المساعدة على إتمام الاستحقاق في أوانه ومنع حصول الفراغ الرئاسي بأي ثمن. أما الأسماء المدنية منهم وغير المدنية، فلكل منها تقييمه، بما له وما عليه، وللفئة الثانية احترامها وتقديرها نظراً للدور الذي لعبته في حفظ الاستقرار بحكمة وبعد نظر.
عندما يحين أوان التأكد من حصول جلسة الانتخاب، قد يكون للكنيسة موقفها ممن سيطرح للرئاسة سلباً أو إيجاباً، وسيكون البطريرك الراعي مستعداً لقول الـ “لا” بوضوح إذا ما تم فرض استمرار النهج نفسه منذ العام 2016 وإلى اليوم، أو إذا ما تمّ فرض نهج مستنسخ عنه بمرشح من الخط.
قول الـ “نعم” الكنسية قد يبقى مغلفاً باعتبارات معينة، قد لا تؤدي إلى المجاهرة، أما إذا اضطرت الكنيسة لقول الـ “لا”(الفيتو) لمنع استمرار النهج القديم، فستتحمل المسؤولية دون تردد، لأن استمرار النهج القديم، سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى ضياع الرئاسة والجمهورية، هذه الجمهورية التي هي ابنة لبنان الكبير الذي اؤتُمِنَت عليه الكنيسة، منذ العام 1920 مروراً بكل العواصف والمحطات الصعبة، فكيف اليوم بالمحطة الوجودية الأكثر خطورة، التي يعبث فيها بعض الموارنة بلعبة الكراسي الفارغة من السلطة والهيبة، كعبث الأطفال.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |