قعقور ومنيمنة يطعنان أمام شورى الدولة بتعميم ميقاتي حول تصريف الأعمال
كتبت رانيا حمزة لـ “هنا لبنان”:
منذ يومين أطل الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على اللبنانيين بفيديو طالباً منهم الدعاء وقال: “ادعوا معي إذا عم نضلّ ناخذ الأغاني شعار، إنو ما نوصل على جملة “عالعصفورية خدني يا بيي…”. وهنا لا بد من السؤال عن تعريف أو معنى كلمة “العصفورية” بحسب مفهوم السيد ميقاتي، فهل هي مأوى المجانين الذين لا يدركون ما يحصل معهم أو من حولهم أو هي حال من الفوضى غير المفهومة التي تبيح كل شيء دون ضوابط أو قيود؟ إذ إن الشعب اللبناني، وبالمَعْنَيَيْن بات بإمكانه أن يدندن هذه الأغنية ملء الحناجر.
فكلام ميقاتي الذي أراد منه ربما أن يبدو طريفاً، ينطبق فعلياً على واقع حياة الناس في البلد، الذين يعيشون منذ بدء الأزمة في تشرين الأول 2019 حالًا من الضياع التام لا يعرفون فيها من حاول قتلهم في تفجير 4 آب، من أخفى الدواء عن مرضاهم، ومن جعل الحصول على رغيف الخبز للمقتدرين ومن استطاعوا إليه سبيلاً!
أما الحديث عن حال الفوضى وانفلات القيود والضوابط واستنباط البدع، فحدث بلا حرج، ولعله في هذا السياق، بالإمكان التوقف، على سبيل المثال لا الحصر، عند التعميم رقم 17/2022 الذي أصدره الرئيس ميقاتي بشأن كيفية اتخاذ القرارات في فترة تصريف حكومته للأعمال. حيث أن التعميم شمل آليات موافقات استثنائية تعود الصلاحية باتخاذها إلى شخصَيْ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حصراً دون الحاجة إلى الرجوع إلى الحكومة المستقيلة ومع أو من دون الوزير المختص حسب الحالات، وبما أن الحكومة في الأصل مستقيلة وتقوم بتصريف الأعمال فهذا يعني أن ما يتخذه الرئيسان من موافقات استثنائية لا يخضع للمحاسبة أو المساءلة من قبل مجلس النواب.
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يعتمد الرئيس ميقاتي هذا النوع من التعاميم بل هو كان العراب لتعميم مماثل في نيسان 2013، وقد اعتمد الرؤساء السابقون تمام سلام، سعد الحريري وحسان دياب تعاميم مشابهة له.
وكي لا يصبح الاستثناء هو القاعدة الثابتة في كل مرة تكون فيها الحكومة اللبنانية في حال تصريف الأعمال، لا سيما أن الانقسامات الحاصلة في البلد، تجعل من أمد فترة تصريف الأعمال طويلاً نسبياً، تقدم كل من النائبين حليمة قعقور وإبراهيم منيمنة بالتعاون مع جمعية المفكرة القانونية بطعن أمام مجلس شورى الدولة ضد التعميم رقم 17/2022 وقد سجل هذا الطعن بتاريخ 19 تموز 2022 وحمل الرقم 2022/2025.
تم الإعلان عن الطعن نهار الخميس 21 تموز 2022، خلال مؤتمر صحافي عقد في مقر جمعية المفكرة القانونية في بدارو-بيروت بحضور النائبين قعقور ومنيمنة.
*صاغية: القرارات الاستثنائية بدعة لا سند دستوري لها*
وقد علّق المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية على التعميم قائلاً أنه يأتي في سياق آلية ابتدعها للمرة الأولى السيد نجيب ميقاتي في العام 2013 بعد استقالة حكومته الثانية آنذاك من دون أن يكون لها أي سند دستوري، بل بصورة منافية تماماً للدستور الذي ينيط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً بحسب المادة 65 من الدستور. ورأى صاغية أن الموافقات الاستثنائية التي يتضمنها هذا التعميم هي بمثابة “بدعة تُبنى على بدعة أخرى تتمثل في التوقف عن دعوة مجلس الوزراء للانعقاد، فيما يفترض أن ينعقد دورياً”.
واعتبر أن “هذه الآلية تفترض تعطيل مجلس الوزراء وتنويمه مقابل منح صلاحيات خارقة لشخصين هما رئيس الحكومة والجمهورية، وكل ذلك خلافاً لما يفرضه الدستور. وعليه، يتحول تصريف الأعمال إلى امتياز يتفرد رئيسا الجمهورية والحكومة في التمتع به وممارسته أو عدم ممارسته في الغرف المغلقة وبمعزل عن أي تداول داخل الحكومة وفي توجه يؤدي عملياً إلى تفاقم ظاهرة إدارة الشأن العام من خارج المؤسسات العامة بعد تحويل هذه الأخيرة إلى ما يشبه هيكل سفينة غارقة”.
ولفت صاغية إلى خطورة هذه المسألة لا سيما في ظل “امتداد حكومات تصريف الأعمال لفترات زمنية ما فتئت تتمدد منذ ابتداع آلية الموافقات المسبقة”.
وأكد أن خطوة الطعن هذه تدخل في سياق رؤية المفكرة القانونية “واجب أساسي يتمثل في التصدي لهذه الظاهرة في البحث والتوثيق ولكن الأهم في وضع الهيئات القضائية أمام مسؤولياتها في حماية الشرعية”.
وختم صاغية معتبراً أن مشاركة النائبين حليمة قعقور وإبراهيم منيمنة هي “للتأكيد على ارتباط هذا الطعن بأسس الديمقراطية وما تفرضه من توازن السلطات والرقابة والأهم احترام الضوابط القانونية والدستورية. فلا يحتكر الشأن العام عدد قليل من الناس بمعزل عن أي مشروعية أو مساءلة”.
*قعقور: إن وجود حكومة مسؤولة أمام المجلس النيابي بات استثناءً*
بدورها تحدثت النائب حليمة قعقور معتبرة أن: “تصريف الأعمال بات القاعدة في لبنان، أما الاستثناء فهو وجود حكومة مسؤولة أمام المجلس النيابي وتتم مراقبتها من قبل مجلس النواب. وبالتالي هذا الأمر، يضعنا أمام مسؤوليتنا في المساهمة بتنظيم هذه المرحلة من تصريف الأعمال، ووضعها ضمن إطارها الدستوري والسياسي الصحيح خدمة للمصلحة العامة. ومن أجل ذلك فان وقف الموافقات الاستثنائية غير الدستورية، هو أمر ضروري في حياتنا السياسية وهو ما سنحاول القيام به أنا وزميلي إبراهيم منيمنة بالتعاون مع المفكرة القانونية “.
تابعت: “سنعمل على تصحيح المعيار الذي يتم على أساسه تصريف الأعمال، كما يهمنا إيقاف الاستنسابية، الأمر الذي حصل مع الحكومات السابقة التي قامت باتخاذ القرارات وإصدار المراسيم وأبرمت الاتفاقيات الدولية خارج المعنى الضيق لتصريف الأعمال. وهذا الأمر، طبعاً لا يتماشى مع المصلحة العامة ولا الدستور ولا القانون وإنما المصلحة الضيقة للسلطة التي هي بنظري مجرمة بحق الحياة السياسية والدستورية وانتظام الحياة السياسية العامة”.
وأعطت قعقور، مثلاً حول خطورة القرارات التي اتخذتها حكومة تصريف الأعمال بصورة استثنائية وهو “إعطاء حركة الاتصالات كاملة للأجهزة الأمنية والعسكرية وتمديد المهلة الزمنية للعمل بهذا القرار أكثر من مرة، وإبرام الاتفاقيات الدولية في فترة تصريف الأعمال”.
ورأت قعقور أن “هذا الأمر يعبر عما تريده هذه السلطة أو المنظومة السياسية فهي ترتاح بالعمل في فترة تصريف الأعمال لأنه لا يمكن طرح الثقة بها”.
وختمت: “إن دورنا كنوّاب بات محدوداً جداً، وهذا الأمر، يدفعنا إلى التحرك بمختلف الوسائل. الآن نحن متجهون نحو مجلس شورى الدولة، وهناك آليات أخرى محتملة للتحرك في وقت لاحق، حتى نقوم بوقف هذا الخرق الكبير للدستور والقانون والاستنسابية من سلطة لا تعرف سوى عدم تحمل المسؤولية”.
*منيمنة: كثرة الاستثناءات ترسّخ الممارسات التي تمعن تشويهاً بالدستور والديمقراطية*
بدوره تحدث النائب إبراهيم منيمنة معتبراً أن: “الإستثناء هو عنوان تاريخ لبنان المعاصر. ومن الاستثناءات الفاقعة، فترات تصريف أعمال طويلة الأمد للحكومات، نتيجة هرطقات سياسية تعطيلية، نتج عنها بدعتان سياسيتان:
أولاً، عدم انعقاد حكومات تصريف الأعمال، مما يشكل استنكافاً لمجلس الوزراء عن أداء مهامه وتسيير شؤون البلاد والعباد في هذه الفترة، وفقاً لمقتضياتها القانونية والعملية.
ثانياً، بدعة الموافقات الاستثنائية وقوامها اختصار السلطة التنفيذية بشخصي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وتمرير قرارات سياسية أثبتت الممارسة بأنها استنسابية وظرفية، إذا أن بعضاً من القرارات كان استفادة من سهولة آلية اتخاذ القرار لتمرير مصالح ضيقة لا تمت للضرورة أو المصلحة العامة بصلة، وقرارات أخرى تم الاستنكاف عن اتخاذها لغايات في نفْسِ المناكفات”.
تابع: “الاستثناء يجر الاستثناء، وكثرة الاستثناءات ترسّخ الممارسات التي تمعن تشويهاً بالدستور والديمقراطية وآليات عمل المؤسسات الدستورية وفصل السلطات والمراقبة. وإن كان ما بني على باطل فهو باطل، فإن ما بني من خارج الدستور هو هادم للدولة ومؤسساتها وحكم القانون فيها، وهادم للبلاد”.
وختم قائلاً: “آن الأوان لوضع حد لاستثناء كاد أن يكون قاعدة والعودة إلى قواعد الدستور فهي وحدها ضمانة لنظامنا السياسي. نحن نعول أن يقوم مجلس شورى الدولة بدوره الدستوري والرقابي لجهة استقامة العمل الإداري ووضع حدّ للمخالفة الواردة في التعميم رقم 17/2022 الصادر بتاريخ 21/05/2022 عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. فوحدها السلطة تحدّ السلطة، والقضاء سلطة دستورية لا زلنا نعوّل عليها، وإن لم تزل سطوتها منقوصة بسبب عدم إقرار المنظومة قانون استقلالية القضاء، ولكن لا يحدّ ذلك من التعويل عليها كسلطة دستورية كاملة، وحجر الأساس في الإصلاح والمحاسبة في البلد”.
يذكر أن جمعية المفكرة القانونية قد أصدرت منتصف الشهر الحالي ورقة بحثية بعنوان: “تصريف الأعمال: من الموجب الدستوري إلى الاعتباطية السياسية” من إعداد الأستاذ الجامعي وسام لحام وهي تتناول “مفهوم تصريف الأعمال من الناحية الدستورية النظرية ومن ثم تتطرق بالتفصيل إلى ظاهرة الموافقات الاستثنائية التي نصّت عليها تعاميم رؤساء الحكومات المستقيلين المتعاقبين منذ 2013، ليس فقط في بعدها القانوني، لكن أيضاً في مدلولاتها السياسية، وما هي الخلاصات التي يمكن للمراقب استنتاجها حول طبيعة وآليات عمل النظام السياسي اللبناني. فضلاً عن دراسة مكمّلة للدراسة الأساسية بعنوان: “الموافقات الاستثنائية في ظل حكومة حسان دياب المستقيلة” ودراسة الخبيرة البلجيكية د أوبي ويرتغن بعنوان “تقرير عن حكومة تصريف الأعمال في بلجيكا”.