التسوية المطلوبة في لحظات الضباب الإقليمي
كتب رامي الريّس لـ “هنا لبنان”:
لا يمكن الإستمرار في سياسة إسترهان لبنان إلى قرارات الخارج وحساباته ومصالحه. يكفي هذا البلد الصغير والمنكوب الأثمان السياسيّة والعسكريّة والإقتصاديّة الباهظة التي دفعها على مدى عقود ودائماً على حساب مصلحته الوطنيّة العليا.
يحق للبنانيين أن يشعروا، ولو لمرة واحدة وإستثنائيّة، بأهميّة إمتلاكهم لقرارهم السيادي دون أن يكون مرتبطاً بالأهداف الإمبراطوريّة الكبرى للمحاور المتقابلة والمتضادة، وذلك بهدف الحيلولة دون تحوّله مجدداً إلى ساحة لتصفية الصراعات الدوليّة أو الإقليميّة، وهي تفوق قدرته على الإحتمال والصمود.
سواء تعثرت المفاوضات السياسيّة المتصلة بالملف النووي الإيراني أم انفرجت، لا مناص من أن يبني لبنان هامشاً لنفسه بعيداً عن تلك الحسابات، فلا يقحم نفسه في حربٍ هو حتماً بغنى عنها، ولا يتراجع في الوقت ذاته عن حقوقه ودوره ورسالته.
الهامش السياسي إيّاه لا يمكن تحديده إلا من خلال سياسة خارجيّة ودفاعيّة موحدة من الضروري فتح النقاش الوطني حولهما، لا سيّما في لحظات الإحتدام الإقليمي بحيث يسعى اللبنانيون إلى بناء قواسم مشتركة تحفظ للدولة سيادتها وحقوقها في إحتكار هاتين الوظيفتين، إذ من دونهما لا تقوم الدولة المرتجاة، ولا يمكن عندئذٍ فصل لبنان عن مسارات التصعيد أو التسوية في المنطقة.
إن حالة الإنكشاف السياسي شبه التام في السياسة الخارجيّة اللبنانيّة أدّت في الماضي، وسوف تؤدي في المستقبل، إلى انزلاق لبنان إلى حيث لا يريد من الأفخاخ الإقليميّة المتعددة التي قد تُنصب له. هل نسي اللبنانيون تلك الحقبة السوداء التي أتاحت الدخول السوري إلى لبنان سنة 1976 بغطاء إقليمي ودولي وكان تحت شعار إعادة الإستقرار ووقف الإقتتال، وإذ به يتحوّل إلى وصاية مقنعة ثم وصاية مباشرة لم تنتهِ إلا بعد مرور ثلاثة عقود، أي مع الخروج العسكري في نيسان 2005؟
من هنا، فإن أية محاولات لتعطيل المؤسسات وإفراغ الرئاسة مجدداً ستؤدي إلى المزيد من الانكشاف السياسي، وربما الأمني على وقع الإضطراب الإقتصادي والإجتماعي الذي تعيشه البلاد. إنه لعب بالنار دون طائل. إن مسؤوليّة كل الكتل النيابيّة، من مختلف الإتجاهات، ألا تتخاذل في السعي لبناء تفاهم وطني عريض على شخصيّة الرئيس المقبل بعيداً عن لغة التحدي والإستفزاز والإقصاء.
بقدر ما يتأمن للرئيس الجديد التأييد الواسع من الكتل البرلمانيّة المختلفة، بقدر ما تتوفر فرص نجاح عهده في المستقبل القريب. تذكروا أن لبنان بلد التسويات، حتى ولو لا تُعجب هذه القاعدة البعض!
مواضيع مماثلة للكاتب:
7 أكتوبر: منعطف جديد في الشرق الأوسط! | لبنان يُهمَّشُ أكثر فأكثر! | إلى متى انتظار تطورات المشهد الإقليمي؟ |