ضمان الشيخوخة: حقٌّ ضائع لكبار السن في لبنان… فهل من أمل في إقراره قريباً؟
كتبت ريتا عبدو لـ “هنا لبنان”:
عملوا طيلة حياتهم، عاشوا الحرب ومآسيها، تعبوا لكن لم يستسلموا.. ثابروا مُعتقدين أنّهم سيُكافؤون على سنين العمل وعمر الإنتاج… ها هم اليوم قد كبروا، ودخلوا في عمر الشيخوخة من دون “ضمان”! نعم أتحدّث عن حقّ مسلوب وضائع من أهلنا وأجدادنا! أتحدّث عن ضمان الشيخوخة الغائب في لبنان. من زمن والطبقات السياسية المتتالية تعد وتتوعّد بإنشاء ضمان الشيخوخة، لكن ككلّ مرّة يضيع الكلام في مهبّ أكاذيبهم!
“سبعيني” غارق في حاوية النفايات!
طريقي إلى العمل يوميّاً هو نفسه، وذات يوم التقيت برجل سبعيني، لكن التعب والشيب يزيدان عمره ١٠ أعوام أكثر على الأقلّ! ثيابه بالية، لكن ما هو أفظع من ذلك ما كان يقوم به! في الواقع، كان واقفاً أمام حاويات النفايات على جانب الطريق، يحاول التفتيش عن أي شيء يأكله! لم أستوعب في البداية، فتابعت القيادة بضعة أمتار حتى أجد فسحة أستطيع فيها العودة إلى الوراء لأتوقف بقربه… بسرعة تناولت ما كان في حقيبة الطعام من “ترويقة” وناديته، فاقترب ولا من كلمات تستطيع تفسير ملامح وجهه حينها.. وقلت له “عمو في إلك هلّأ ترويقة كتير طيبة” وأعطيته ما كان بيدي… فرحت فرحاً عظيماً لأنني تشاركت لقمتي مع من يحتاجها ويشتهيها… لكن الأسى غلب فرحتي، لأن في بلدي لا دولة تسأل عن هؤلاء الناس، إن عاشوا إن جاعوا، إن فتّشوا في النفايات أو ماتوا جوعاً، لا من يبالي لأن لا ضمان لهم ولا مدخول من الدولة يؤمّن لهم حاجاتهم البسيطة من مأكل وطبابة… منذ ذلك اليوم وأنا ألتقي بهذا العمّ من حين لآخر، وأتقاسم معه “الترويقة”… أمثال هذا العجوز كثر، فمنهم من نراهم على الطرقات يتسوّلون، أو يبيعون مثلاً أوراق اللوتو. أمر مُعيب ومُخزٍ فعلاً!
أين لبنان من الدول التي تحترم نفسها وتحمي مواطنيها في شيخوختهم؟
في كندا مثلاً، ضمان الشيخوخة، أو ما يُعرف بـ OAS هو عبارة عن برنامج حكومي، متاح لأي كندي بلغ الـ 65 من عمره، أو لأي مقيم في كندا أقلّه 10 سنوات.
وفي تركيا، التي تمرّ حالياً بأزمة اقتصادية بعد هبوط عملتها بشكل كبير أمام الدولار، فقد أقرّت من قبل تطبيق قانون جديد، يحصل خلاله كبار السنّ الأتراك، الذين تجاوزت أعمارهم الـ 65 عام، على راتب شهريّ، شرط ألا يمتلك المسنّ أيّ ضمان اجتماعيّ آخر!
أما في إسبانيا، فيعتبر معاش الشيخوخة التقاعدي، بمثابة منحة شهرية يستفيد منها المؤمّن له مدى الحياة، إذا بلغ السن القانوني للإحالة على التقاعد.
وفي سويسرا، وتحديداً في 25 سبتمبر 2022، صوّت الناخبون والناخبات على إجراء إصلاح جديد على ضمان الشيخوخة يشمل رفع سن التقاعد للمرأة من 64 إلى 65 سنة، ليصبح بذلك مساوياً لسن تقاعد الرجل. وبذلك يكون هذا الاقتراع الفدرالي الـ 24 المتعلّق بضمان الشيخوخة منذ أن دخل حيّز التنفيذ أي قبل أكثر من 70 عام!
قانونياً: أين ضمان الشيخوخة في لبنان؟
في مقابلة خاصة مع المحامي جهاد عبدالله، أكّد أن إقرار ضمان الشيخوخة هو موضوع مطروح منذ فترة طويلة، لكن لم يتم إقراره بصيغته النهائية على الرغم من وجوده في مجلس النواب. وعن سبب عدم إقرار ضمان الشيخوخة حتى الآن، أوضح عبدالله أن غياب السعي الفعلي والدائم، وعدم الضغط على مجلس النواب لإقرار هذا القانون من الأسباب الأساسية وراء غياب هذا الحق عن المسنين، على الرغم من وجود حالات فعلاً تستوجب إقرار هذا القانون بشكل معجّل وطارئ خاصة في ظلّ الأوضاع التي يمر فيها البلد.
تجدر الإشارة إلى أن آخر مشروع مرتبط بضمان الشيخوخة أُحيل على مجلس النواب عام 2004، ووُضع على جدول أعمال الهيئة العامة، سنة 2008 وحتى الآن لا يزال يتنقل بين اللجان النيابية والبعثات الاستشارية والخبراء… واضعين عليه تعديلات تهدف إلى تقليص أثره التوزيعي، ورمي كلفته على عائق المستفيدين وحدهم.
وبالتالي، كان الخلاف الأساسي لعدم إقراره هو مدى وجوب أن يكون نظام الشيخوخة خاضعاً لرعاية صندوق الضمان الاجتماعي. إذ أصرّت الهيئات الاقتصادية على عدم إيلاء مسؤولية ضمان الشيخوخة، لإدارة صندوق الضمان الاجتماعي، تحت حجّة أنّ هذا الأخير لم ينجح في حسن إدارة شؤونه… وفي ظلّ الأزمة الاقتصادية الصعبة التي نعيشها، سيلاقي مشروع ضمان الشيخوخة مزيداً من المماطلة والألاعيب!
مواضيع مماثلة للكاتب:
مساحات البناء المرخّصة تراجعت.. فهل يعاود القطاع نشاطه؟ | هاجس انقطاع الأدوية يرافق اللبنانيين… فهل من أزمة جديدة؟ | أشجار زيتون الجنوب من عمر لبنان… “قلوبنا احترقت عليها!” |