الصندوق السيادي لحفظ عائدات النفط على طاولة مجلس النواب: من يدير الثروة النفطية؟
كتبت ريمان ضو لـ “هنا لبنان”:
على مدى جلسات عديدة للجان النيابية المشتركة، وبين اقتراحات قوانين عديدة، استمر النقاش حول دراسة اقتراحات قوانين لإنشاء صندوق سيادي لحفظ عائدات النفط والغاز، لينتهي المسار عام 2019 بتشكيل لجنة فرعية، كان من المفترض أن تدرس مجموعة من مسودّات اقتراحات القوانين المقدّمة، بغية دمجها في مسودّة واحدة تصادق عليها لجنة المال والموازنة، إلا أنه سرعان ما جمّد عملها في ظلّ اندلاع ثورة 17 تشرين وتفشي كورونا والتحضير للانتخابات النيابية.
اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، أعاد ضرورة إقرار هذا القانون إلى الواجهة، وعليه من المفترض أن يُعاد الأسبوع المقبل إحياء عمل اللجنة الفرعيّة.
يشير الخبير الدستوري عادل يمين في حديث إلى موقع “هنا لبنان” إلى وجود حاجة لوضع قانون لإنشاء صندوق سيادي لإدارة العائدات المرتقبة من النفط والغاز في لبنان، موضحاً أن هذا الصندوق يفترض أن يدار بطريقة مستقلة عن الإدارة العادية للأموال العمومية وأن يحفظ المدخرات والعائدات من النفط والغاز، ولا يتم إنفاقها من ضمن الإنفاق الاعتيادي في الموازنة العامة بل يُحفظ قسمٌ منها للأجيال المقبلة، وقسم آخر يتم استثماره في مشاريع منتجة ومفيدة، وقسم قليل يتم إنفاقه لتأهيل البنى التحتية والاحتياجات العادية.
ويشير يمين إلى أن الهدف من إنشاء هذا الصندوق هو إبعاده كلياً عن الصفقات وشبهات الفساد من خلال آليات حوكمة رشيدة، من خلال استقلاليته المالية والإدارية وعدم تضييع المدخرات في إنفاق استهلاكي وعلى نفقات مرصودة بالموازنة العامة أو فوائد الدين العام، والهدف الثالث حفظ القسم الأكبر من هذه العائدات إلى الأجيال القادمة لأنها ثروة وطنية قومية.
تشير مصادر نيابية لموقع “هنا لبنان” إلى أن النقاش الأسبوع المقبل سيتركز على إقرار قانون عصري وعلمي يركز على كيفية إدارة واردات النفط والغاز وتنظيمها ضمن مرجعية مستقلة وحوكمة سليمة ومن خلال قواعد لا ترتكز على إطفاء دين وتغطية هدر وعجز، بل بالذهاب إلى الادخار والحفاظ على الأصول والمساهمة في الإنماء الاقتصادي.
ويكشف المصدر أن الخلاف الأساسي داخل اللجنة الفرعية سيكون حول من سيتولى إدارة هذا الصندوق وآلية تعيين هذه الإدارة، فخلال مناقشة الاقتراحات في العام 2019، شهد المجلس النيابي خلافات حول الجهة المخوّلة إدارة الصندوق، فمنهم من اقترح فتح حساب في المصرف المركزي، أو إشراف مجلس الوزراء على الصندوق، أو إدارة مستقلّة تحتَ وصاية وزير المال.
وذكّر المصدر أن النقاش توقف بسبب الخلاف الذي حصل بين نواب التيار الوطني الحر وحركة أمل، إذ أن كتلة التنمية والتحرير قدمت اقتراحاً بربط الصندوق السيادي بوزارة المال، وهو أمر رفضه نواب التيار الوطني الحر فقدم النائب سيزار أبي خليل حينها اقتراح قانون بإنشاء حساب مصرفي في مصرف لبنان.
ويدعو المصدر النيابي إلى الإستفادة من تجربة دولة النرويج، صاحبة أكبر صندوق سيادي في العالم، الذي يملك أصولاً تقدر بـ 1340 مليار. وذكّر المصدر أن وفداً نيابياً كان سبق وزار هذه الدولة للاطلاع على تجربتها والاستفادة منها، ويشرح المصدر أن هذا الصندوق على سبيل المثال ينفق فقط 3% من عائداته لتأهيل البنى التحتية في البلاد، فيما يقوم باستثمارات وشراء أسهم شركات محلية وعالمية لزيادة إيراداته.
مقدم أحد هذه الاقتراحات النائب سيزار أبي خليل، وزير الطاقة السابق، أوضح في حديث إلى موقع “هنا لبنان” أنه لا يمكن إدخال موارد النفط والغاز ضمن الموازنة العامة فيتم صرفها لسد العجز السنوي، لذلك كان لا بد من إبعاد إدارتها الاستراتيجية عن وزارة المال، واقترحنا إبقاء وحدة داخل الوزارة لإدارة العمليات اليومية بالتعاون مع مصرف لبنان تبعاً لاستراتيحية يضعها مجلس الصندوق السيادي على مستوى المعنيين، يكون على مستوى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إضافة إلى الوزارء المعنيين، وأشار إلى أن كل الأمور خاضعة للنقاش داخل اللجنة الفرعية.
ورغم كل الآمال المعقودة على إنشاء هذا الصندوق لإدارة هذه الثروة، إلا أن محاذير عدة تفرض نفسها، ويحذر رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني من سوء استعمال هذا الصندوق، ويقول لموقع “هنا لبنان” إنه من خلال التجارب اللبنانية السابقة القائمة على الصرف من دون وجود موارد حقيقية، فيمكن للحكومة الاستحواذ على الدولارات “الفريش” بشكل مباشر من هذا الصندوق، ويشرح في تقرير أعده المعهد “أن إدارة الصندوق ستعينها الحكومة، وعائداته ستمول النفقات الحكومية بحجة تقليص مستوى الدين العام، أو تضييق الفجوة أو تأمين حماية اجتماعية أو تحقيق تنمية اقتصادية عبر مشاريع الكهرباء والمياه وغيرها. وقد جرت العادة أن تشوب جميع هذه النفقات شبهات فساد وصفقات بالتراضي، وهو ما يكرر احتمال حصول فجوة مالية في الصندوق السيادي”.
قد تبدو الاستفادة من عائدات النفط للبعض، هدفاً بعيد المنال، إذ أن استخراج الغاز من المياه اللبنانية والاستفادة الاقتصادية منها، قد لا يبدأ قبل العام 2030، لكن الغموض الحاصل في معايير تشكيل الصندوق وتعيين أعضائه، القائمة على المحاصصة والمحسوبيات؛ يخيف اللبنانيين من إمكان وضع هذه السلطة يدها على أموال الثروة النفطية مستقبلاً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
المحكمة العسكرية ضحية “الكيدية” | مسؤولون لبنانيون للوفود الديبلوماسية: الأولوية للترسيم البري بدل الالتهاء بالقرار 1701 | أونصات مزورة في السوق اللبناني… والقضاء يتحرك |