الرئيس الدجّال!


أخبار بارزة, خاص 30 تشرين الأول, 2022

كتب جوزف طوق لـ “هنا لبنان”:

تفوح من ميشال عون رائحة الطهارة، يشعّ نور ساطع كلما أطلّ من على منبر.. فتتعطّل التلفزيونات في منازلنا من كثرة الزيت السارح على شاشتنا، وتنفتح أبواب براداتنا من تخمة الخير الذي يجلبه، وبكلامه يحوّل الماء في حنفياتنا إلى غاز.
إنه رجل العجائب الأول، طرح نفسه منذ عام 1988 مخلّصاً لشعبه العظيم، وكاسر قيوده من الظلم، وفاتح جيوبه من الفساد، ومضيء بلكوناته من عيون الصهر. أفنى العمر يصارع “الفرّيسيين” في هيكل الوطن، حتى أنهى العمر صبيّاً في مزرعة “الفارسيين”.
إنه الرئيس الدجّال.. وعد الناس بالجنّة فأوصلهم إلى جهنم.
إنه الرئيس الدجّال.. تكلّم بلسان الملائكة وتحالف مع الشياطين.
إنه الرئيس الدجّال.. الساكت الدائم عن الحق: شيطان القصر!

قضى ميشال عون العمر يهاجمهم “كلّن يعني كلّن”، حتى إنفضح أمره في النهاية، ليتأكّد العالم أنه واحد منهم، لا بل حتى أسوأ. كثيرون صدقوه، وحتى الذين لم يصدقوه، كانوا يتمنّون في السرّ أن يفي بوعد واحد فقط، لكنه خذل القاصي والداني. وها هو يترك القصر الرئاسي ويترك خلفه بلداً على صورته ومثاله… بلد عجوز، ضعيف، مكسور، منبوذ، معزول، مهان، ومهزوم.
من كان يسمعه في الرابية لم يعرفه في بعبدا، ومن تابعه في منفاه الباريسي لم يصدق أنه الشخص نفسه. كان يهاجم بلا سقف، يهدّد بلا رحمة، وكان يبيع الأحلام لشعب فقير حتى من الأمل. وهو الذي زهّر “ليمونه” في المنفى وأثمر تسونامي عام 2005، ما لبثنا أن ذقنا حامضه في مار مخايل، لينطلق من بعده موسم عصير الجنرال الثائر. وها هو البحر البشري الذي استقبله وناصره وهتف له، تحوّل برك مياه آسنة، وزمامير سيارات قليلة تنازع من أسعار البنزين.
لا نتّهمه عندما نقول إن قصته لم تكن يوماً قصة إنقاذ بلد أو نصرة شعب منهك من الموت، هذا لأنه أكّد بالفعل والقول والنتائج أنها مجرّد شهوة جماع بينه وبين الكرسي، وبعد أن انتهى في اليوم الأخير، طالب بحضور بضع مئات من الليمونيين ليمسحوا هراء عهده على باب القصر بأغانٍ وهتافات.
ناضل ميشال عون كل حياته من أجل الوصول إلى بعبدا، وكان دوماً يعد بالمنّ والسلوى متى وطأت قدمه عتبة القصر.. وها هو، تيتي تيتي، متل ما رحتي متل ما جيتي. ويا ليته بقي في الرابية ثائراً، وجنّب نفسه كل هذه البهدلة بعد 6 سنوات من الصمت والخنوع.
من شبّ على شيء شاب عليه.. فالنكايات العمياء التي امتهنها هذا الرئيس مذ كان ضابطاً في الجيش، أشبعت لديه الأنا وقضت على الـ”نحن” تماماً، فاستطاع “شيطان القصر” بست سنوات فقط أن يضع لبنان في أسفل درك بين دول العالم، بالتعاسة والفقر والمرض والتضخّم والغلاء والفساد.
حارب القصر وقاطنيه من رينيه معوّض، والياس الهراوي، واميل لحود، إلى ميشال سليمان… ومعه، طالب بالتقديس والتبجيل.
حارب الجيش السوري ودمّر لبنان.. ليتحالف معه من بعبدا.
قاتل الميليشيات.. ليستقوي بالسلاح غير الشرعي من بعبدا.
حذّر من خطر حزب الله.. ليطلق شروره من بعبدا.
هاجم دولة إسرائيل وطالب بحلّها.. ليبيعها حقوق لبنان من بعبدا.
طالب بالكهرباء من الرابية.. ليقطعها نهائياً من بعبدا.
حارب الفساد.. ليصبح ربيبه من بعبدا.
ناصر القضاء النزيه.. ليمنع التشكيلات القضائية من بعبدا.
استبسل من أجل مصالحه المالية في مصرف.. ليحارب المصارف من بعبدا.
ترك جيشه يُقتل ويُخطف ويُسجن.. ليبارك اليد التي امتدت عليه من بعبدا.
طالب بالثورة والغضب في الشارع.. ليلعنهما في 17 تشرين من بعبدا.
إن الطقم السياسي في لبنان بأكمله ليس أفضل منه أبداً، فالجيد بينهم أمير حرب أو قاتل طائفي متسلسل، أو منتفع من سرقات على حساب حياة اللبنانيين. لكن أحداً منهم لم يهدّد كما هدّد، ولم يتوعّد كما توعّد، ولم يعطّل كما عطّل. وما من زعيم أو مسؤول أفنى مسيرته بوعود محاربة الفساد كما أفنى، ولا في استعادة الحقوق والكهرباء والمياه وهيبة الدولة. بحّ صوته في الرابية للوصول إلى قصر بعبدا من أجل تغيير المعادلات، وحتى “يفرجينا” كيف يكون الرئيس… دخل العهد القوي “بيّ الكلّ”، فلم نشعر بأي مرحلة من حياتنا بهذا الكمّ من اليتم والبئس والعزلة. احتجنا له كثيراً، ولم نجده يجفّف دمعة أم على المرفأ، أو يطبطب على كتف عائلات تهاجر، أو يدعم ناساً مذلولة في الطوابير، أو يدافع عن شعب مسروق، منهوب، موجوع، مريض، جائع، وبائس.
مباركة لك الرئاسة ومبارك لنا رحيلك… ولكن اذكر يا عون أنك من الفراغ وإلى الفراغ تعود.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us