الدولار الجمركيّ ارتفع والرقابة غائبة.. عبّاس لـ “هنا لبنان”: “دائرة البحث عن التهريب معطّلة”!
كتب أنطوني الغبيرة لـ “هنا لبنان”:
يرتبط الإصلاح الإداريّ في لبنان بالإرادة، إرادةٌ أبى حاكموها إنتشالنا من فسادهم، فغابت وغيّبت معها دور مؤسّسات وإدارات ودوائر الدولة. فجلس الشعب ينظر إلى الإنهيار، تارةً من عين الحسرة على وطننا وتارةً أخرى من منطق تقاذف المسؤوليّة بين الأفرقاء السياسيين.
عشيّة إنتقالنا إلى دولارٍ جمركيّ ارتفعت قيمته إلى 15000 ليرة، هل تفعيل دائرة البحث عن التهريب حلّ لزيادة عائدات الدولة من جهة وضبط التهريب من جهة أخرى؟
للإحاطة أكثر بمعلومات حول هذا الموضوع، تواصل “هنا لبنان” مع المحامي والعضو المؤسس في المرصد الشعبي لمكافحة الفساد “علي عبّاس”، الّذي أكّد أنّه من واجب دائرة البحث عن التهريب إرسال مراقبين لضبط عمليّة الإستيراد. المراقب الجمركيّ عادةً يخضع لإمتحانات ودورات خاصة لكي يصبح مراقباً، وعليه دراسة قانون الجمارك الذي يحتوي على البنود التعريفيّة لكل سلعة من السلع. وبالتالي هو المخوّل تحديد السلعة وفق البند التعريفيّ وإخضاعها للرسم الجمركي المناسب وفق ميزاتها، كون الرسوم تختلف وفق صفات السلعة نفسها.
وأضاف، لدى المستوردين ثلاث خيارات لإستيراد السلع سواء برّاً، بحراً أو جواً. الخيار الأوّل يكمن بإدخال السلع مباشرةً وفق قانون الجمارك “دعه يعمل دعه يمرّ” لتسريع العمل؛ فيتمّ تفتيش بعض الحاويات بالكامل والكشف عليها، وإذا ما كانت مطابقة للبيانات الجمركيّة تدفع الرسوم المفروضة ويتمّ إدخالها إلى لبنان وهذا ما يسمّى بالخط الأحمر.
نوعٌ آخر لإدخال السلع عن طريق التدقيق فقط بالبيانات الجمركيّة، أمّا النوع الثالث فهو تمرير البضائع وإخضاعها للرقابة اللاّحقة، -ما يعرف بالخطّ الأخضر- وهنا دور دائرة البحث عن التهريب الجمركيّ؛ فيذهب المراقبون الجمركيون ويفتّشون الحاويات أجمع بشكلٍ دقيق وتجري مقارنتها مع البيانات، بعدها تدخل البضائع إلى لبنان.
وأشار عبّاس، إلى أنّ هذه الدائرة معطّلة وغائبة اليوم كونه لم يتمّ تشكيل مراقبين، وفي الفترة السابقة لم يتم تعيينهم بالأساس. البضائع المستوردة التي تمرّ في جميع المعابر من الخطّ الأخضر تدخل لبنان دون تفتيش كونه لا يوجد مراقبة فعّالة؛ وتدقيق ما إذا كان الرسم المدفوع وفق البيانات الجمركيّة هو فعلاً مُطابق للبضائع وفق البيانات نفسها.
من هنا بحسب عبّاس يبدأ الهدر بالإرادات الجمركيّة الّذي يقدّر بحوالى 70% ، مع الإشارة إلى أنّ إيرادات الجمارك اللّبنانيّة تشكّل ثلث إيرادات الدولة، وهذا الهدر بحدّ ذاته ويجب مكافحته!
مُردفاً، تفعيل دائرة البحث عن التهريب، يؤدي إلى رفع إيرادات الرسوم الجمركية من 30% إلى 70%، وبسبب زيادة الأسعار سنواجه اليوم مشكلة تهريب البضائع بطرق غير شرعية، لذا لا تقع المسؤولية فقط على عاتق دائرة البحث عن التهريب، بل أيضاً على خفراء الجمارك والأجهزة الأمنية.
وأوضح عبّاس، إلى أنّه لدينا دوائر داخل الجمارك تتألف من خفراء الجمارك الذين من المفترض بهم أن يتواجدوا على المعابر، من خلال دوريات على الحدود اللبنانيّة ورصد التهريب عبر المعابر غير الشرعية بمؤازرة الجيش والقوى الأمنية، ناهيك عن إقامة حواجز على الطرقات والمدن الرئيسية التي تربط المدن ببعضها لرصد البضائع ما إذا كانت مهرّبة أو مستوفية الشروط الجمركية بشكل قانوني.
بينما من الناحية القانونيّة، دائرة البحث عن التهريب مرتبطة بشكل كلّي بنصّ المادة 361 من قانون الجمارك، والتي تتضمّن عبارة “مرور زمن، أربع سنوات”، بما معناه مع قدوم سنة جديدة نخسر سنة من السنوات السابقة، عندها لا نستطيع ضبط الهدر في السنوات السابقة ومراقبتها. نحن خسرنا موارد السنوات الذهبية التي مرّت مع الإستيراد الكبير بسبب التهرّب الجمركيّ.
وأضاف عبّاس أنّ اليوم وتزامناً مع إرتفاع الدولار الجمركيّ، استورد عدد كبير من التجار سلعهم وفق دولار 1500 ليرة وسيتمّ بيعها على الدولار الجديد 15000، “هذه عمليّة نصب جديدة للشعب اللّبنانيّ، ممّا سيزيد التهريب الشرعيّ وغير الشرعيّ وبدل إستفادة الدولة من الدولار الجمركيّ الجديد، سيتمّ استيراد بضائع مهرّبة تضرب جيبة الدولة ولا تفيد إيرادات الدولة”.
أردف عبّاس، أن دائرة البحث عن التهريب دورها يتجلّى أيضاً، بالكشف عن الأسواق من خلال الخفراء والمراقبين. والمشكلة الأساسيّة في قانون الجمارك تكمن بالعقوبات التي هي فقط غرامات، لذا من المفترض تحديثه وتطويره إلى عقوبات جزائية متشددة، كختم المتجر الذي تتواجد فيه بضائع مهرّبة بالشمع الأحمر، وعقوبات على المخلّصين الجمركيين الذين يغشون وعلى الموظفين الذين يأخذون رشوة، إلخ.
خاتماً، علينا تعديل قانون الجمارك كمنع الضبّاط وموظّفي الفئة الثانية من أن يصبحوا مخلّصي معاملات كون نفوذهم قد يؤثر على قرارات الموظّفين العاديين، وذلك بهدف المحافظة على شفافيّة العمل… ويمكن أيضاً زيادة المعابر الشرعية وتفعيل مراقبة الدولة اللّبنانيّة من خلال وضع كاميرات وحواجز أكثر على الحدود، والإستعانة بسكانر على المعابر للكشف عن البضائع المهرّبة.
قد لا تكون دائرة البحث عن التهريب الجهة الوحيدة لضبط المعابر الشرعيّة، غير أنّ تفعيلها يساهم بشكلٍ أساسيّ بالحدّ من الإنهيار والفساد، وينعش إقتصادنا الوطنيّ!