“الكابيتال كونترول” من وجهة نظر اقتصاديين: “مفصّل على قياس الدولة”
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
منذ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، والحديث عن الكابيتال كونترول في لبنان لم ينتهِ، وحتى الآن لم يُحسم الجدل حول أي من مشاريع القوانين التي قدمت إلى المجلس النيابي وأثارت لغطاً حول بنودها، ذلك أنها لم تطرح حلولًا عملية لأهم قضية في الأزمة، أي تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
وعلى الرغم من أن الكابيتال كونترول أحد أبرز مطالب صندوق النقد الدولي، ضمن خطة التعافي الاقتصادي إلا أن الحكومة تحاول في كل مرة تفصيله لضرب المودع. إنطلاقاً من هنا يقدّم خبراء ومحللون اقتصاديون مواقفهم من قانون “الكابيتال كونترول”.
د.طالب سعد: إنه أمر قمعي
الخبير الاقتصادي د. طالب سعد يقول لـ “هنا لبنان” أن مشروع الضوابط على حركة رؤوس الأموال هو بالأصل أمر قمعي وليس علاجياً وبالتالي حماية رؤوس الأموال تأتي باستعادة الثقة بلبنان وقطاعاته الاقتصادية والحديث عن كابيتال كونترول لم يعد إلا مادة غير مجدية لنقاش أتى متأخراً، كما وأن إقراره في بلد مثل لبنان لن يؤمّن الغاية منه حالياً وسيكون بلا جدوى، خصوصاً وأنه لم يترافق مع أي إجراءات اقتصادية إصلاحية.
ويتابع: “إذا ما أردنا مقارنة تجارب الدول الأخرى مع قانون الكابيتال كونترول فسنرى عدم فعاليته بمثل الأداء السياسي والإداري اللّبناني، خصوصاً وأن حظوظ ضبط حركة الأموال باتت شبه معدومة، كما وأن من شأن هذا القانون أن يزيد من انهيار الاقتصاد لأنه سيضر أولاً وأخيراً بالمؤسسات الإنتاجية التي تعتمد الاستيراد والتصدير، كما وأن عمليات تحويل الدولارات إلى الخارج لن تتوقف عند أي فرصة لأصحابها بسبب غياب الثقة والإصلاحات الفعلية والملموسة، مشدداً على أن ضبط العملة بعقلانية ومرونة أمر أساسي لإعادة إطلاق عجلة النموّ”.
ويضيف سعد: “الكابيتال كونترول أصبح مجرد مادة دسمة لإلهاء الناس ولو طبق قبل 3 سنوات مع وجود خطة إصلاحية لكان الحديث مختلفاً. الكابيتال كونترول بوضعه الحالي ما هو إلا نوع من الاستفحال بقتل المواطنين المنتجين الذين ما زالوا صامدين بقدراتهم الفردية فقط”.
د.محمد أبو الحسن: الدولة احتجزت ودائعكم
رأي المحلل الاقتصادي د. محمد أبو الحسن ليس مختلفاً، وهو أيضاً يرى أن تطبيق قانون الكابيتال كونترول بعد ثلاث سنوات على الأزمة بلا جدوى، رافضاً تحميل مسؤولية الأزمة المالية للمصارف فالمصارف تخضع لهيئات ولجان عدة يتم تعيينها من خلال مجلس الوزراء، وبما أن سير العمل في المصارف يتم مراقبته من خلال هذه اللجان، فإذاً جميع القرارات التي تتخذها المصارف لا تكون صادرة مباشرة عنها بل بعلم وإدارة هذه اللجان المعينة سياسياً”.
ويلفت أبو الحسن إلى أنه “في العمل المصرفي في لبنان معروف أن التوظيف الآمن يكون عبر التوظيف مع الدولة التي تصدر سندات الدين بالعملة الوطنية، أما بالنسبة للعملات الأجنبية فتتحمل الدولة أفضل تصنيف ائتماني في أي بلد ولو كان هناك شركات تعمل بطرق أفضل”.
ويشير أيضاً إلى أن عمل المصارف وخصوصاً المؤسسات المالية بحسب القانون 161 خاضع لهيئة الأسواق المالية التي يرأسها حاكم مصرف لبنان وأعضاء تابعون لوزارة الاقتصاد والمالية والعدل، ما يعني أن الرقابة على الاستثمارات للمستثمرين وطريقة حمايتها عبر هيئة الأسواق المالية التي تنظم عمليات بورصة بيروت خاضعة لإشراف الحكومة مباشرة، وبالتالي فإن كل القرارت الصادرة عن المصارف لا تكون إلا بموافقة الحكومة المنبثقة عن المجلس النيابي.
ويقول أبو الحسن للمودعين الذين يتهمون المصارف بنهب أموالهم: “المصارف وضعت أموالكم مع الدولة باعتبارها ملاذاً آمناً، لكن الأخيرة احتجزتها بعد أن أعلنت إفلاسها، وحتى اليوم لا تريد إيجاد الحلول ووضع خطط تعافٍ اقتصادية لتحسين وضعية البلد. لذلك لا خيار أمام المصرف المركزي إلا أن يتماشى مع القوانين الصادرة عن الدولة لكنه ليس مسؤولاً عنها”.
ويضيف: “ليست المصارف هي من أساءت التصرف مع المودعين، بل الدولة الغائبة عن تأدية واجباتها، فالمصارف تعمل ضمن الأطر التي شُرعت لها والنظام السياسي الذي يدير عمل الهيئات الرقابية والتشريعية للمصارف”.
إذاً، وجود الكابيتال كونترول بعد هذه السنوات ليس الحل، بل المطلوب قيام الدولة بواجباتها ومسؤولياتها عبر وضع خطط إصلاحية شاملة لإنقاذ ما تبقى من اقتصاد”.
نديم السبع: “قانون مفخّخ”
أما المحلل الاقتصادي نديم السبع فيقول إن ” مشروع قانون الكابيتال كونترول يتضمّن كمية من الأفخاخ التي جعلت أشدّ المتحمسين له عاجزاً عن الدفاع عنه، خصوصاً في ظلّ تنامي الحراك العام ضدّه، فهذا القانون كان لا بد من أن يبصر النور فور اندلاع الأزمة وليس بعد ثلاث سنوات عليها، والقيود لا يجب أن تكون فقط على الدولار بل على الليرة اللبنانية أيضاً لحمايتها من تقلبات سعر الصرف”.
وعن تحميل المصارف مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي يجيب: “المصارف ليست مسؤولة عن الأزمتين المالية والاقتصادية، فجزء كبير من الفساد المستشري سببه تثبيت سعر الصرف، وهو قرار سياسي أتى ضمن سياسة الدولة المالية والنقدية ولا علاقة للمصارف به”.
وبحسب السبع إن “الحكومات المتعاقبة فشلت على مدار السنوات الثلات الماضية في إقرار قانون الكابيتال كونترول بسبب التجاذبات السياسية وهو ما أعاق عمل القطاع المصرفي وتسبب له بالكثير من الأضرار”.
ويلفت إلى أن “سُرعة الحكومة اللبنانية لإقرار قانون الكابيتال كونترول يدل على أنها تريد أن تثبت لصندوق النقد الدولي حسن نيتها وأن “تبيض” صفحتها أمام الرأي العام، وهذه البروباغندا الإعلامية للدولة لم تتوقف عند الاتفاق المبدئي الموقع مع صندوق النقد فهي تحاول أن تبرئ نفسها بشتى الطرق”.
ويتساءل: “كيف يريدون إخضاع المصارف لهذا القانون؟”
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |