الذهب الأحمر اللبناني ثروة ضائعة تنتظر الإهتمام والتمويل لتتحول باباً للعملة الخضراء
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
تزايد الطلب على شراء بصل الزعفران دفع بميشال ك. (43 عاماً) إلى التمسك بزراعة هذه النبتة في أرضه في بلدة القاع في البقاع الشمالي، على الرغم من مساحتها الصغيرة التي لا تعتبر كافية لإنتاج كميات مربحة من هذه النبتة، في بلدة تعد تجربتها مميزة من حيث ضخامتها على مستوى لبنان.
ويعد الزعفران أغلى بهار فى العالم، هو “الذهب الأحمر”، أو “نبتة الملوك”، أو “الزهرة النبيلة”، يتميز بلونه الأحمر ورائحته النفاذة وطعمه المميز، وبعد أن كان إستخدامه يقتصر على الطبخ أثبتت العديد من الأبحاث والدراسات السريرية فوائده العلاجية والطبية، ليبقى في لبنان ضمن لائحة الزراعات البديلة “المجمدة” على الرغم من أن 30 بلدة بقاعية تزهو به على مساحات صغيرة.
ويعلق رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم ترشيشي في حديث لـ “هنا لبنان”: “هو من الزراعات البديلة التي تلقت الدعم من الأمم المتحدة قبل حوالي 30 عاماً، ومعها الكستناء والقطن، وقد خصصت برنامجاً كاملاً بإدارة مهندس جزائري يدعى الفرجاني، وقدمت المساعدات للمزارعين، لكن اليوم وللأسف هذا الدعم غائب كليا”، لافتاً إلى أن الإمكانيات المادية التي تتطلبها هذه الزراعة تشكل التحدي الأول أمام كل مزارع يرغب في إعتمادها.
ويوضح بأن المبادرات الحاصلة في البقاع فردية ومن باب التجربة، مؤكداً أنه غالي الثمن والسبب هو أن طريقة الحصاد كثيفة العمالة وشرط الخبرة ضروري جداً ومعه العناية الكبيرة، مما يجعل الإنتاج مكلفاً للغاية، مستبعداً أن يكون لها مستقبل واعد في لبنان، إن لم يتوفر الدعم المطلوب لها والرعاية من جهات كالأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي أو منظمة الفاو.
وإذا كانت زراعة الدونم تحتاج إلى 5000$ كتكلفة بصلات زعفران، فإن أسعاره كشعيرات تختلف عمّا كانت عليه قبل ثورة 17 تشرين، حيث تراجع سعر الغرام من 10 دولار آنذاك إلى ما بين 3 إلى 6 دولارات اليوم يشير ميشال.
بدوره يعرب ترشيشي عن أمله بتحقيق المساعدة والدعم من الجهات المشار إليها، كي يباشر المزارع بالزراعة بشكل جدي وعلى مساحات أوسع مما هي عليه اليوم، ما سيسمح له بإستعادة قيمة التكاليف وتحقيق الأرباح، وبتجاوز الأسعار المرتفعة للمازوت والبنزين والسماد والمياه وكل المواد الأولية المطلوبة، ومعها تكاليف اليد العاملة المرتفعة.
أما الواقع فيبين أن الزعفران لا يلقى سوقاً محلياً وعالمياً لتسويقه، في ظل غياب واضح للدولة، مشكلة تضاف إلى أخرى يعانيها مزارعو هذه النبتة وهي تزوير بعض التجار الزعفران وتوزيعه في السوق، إذ يستخدمون أوراق الذرة أو أوراق الورد والزهر، يصبغونها باللون الأحمر وبيعونها بدولار للغرام الواحد. فيما لا يسلط الضوء على هذه النبتة كمورد زراعي، ولا تحظى بدراسات أكاديمية توثيقية رغم جدواها الإقتصادية الكبيرة (قبل ثورة 17 تشرين).
ويشدد ميشال في حديثه لـ “هنا لبنان” أنّ الزعفران اللبناني يضاهي بجودته الأصناف العالمية لكنه لا يزال قطاعاً مهملاً خصوصاً في ظل الأزمة الإقتصادية والمعيشية والمالية التي تعصف بالبلاد، كما أن عملية الحصاد عندنا تتم يدوياً من زهرة الزعفران السوسني Crocus sativus.
ويكفي العودة إلى تصريح لوزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عباس الحاج حسن بأن الزعفران من الزراعات الرديفة في لبنان، وأن “الزعفران اللبناني يضاهي بجودته دول الإنتاج العالمي”، واصفاً زراعته بالزراعات الواعدة لأنها تدخل العملة الصعبة إلى لبنان وخصوصاً في منطقة بعلبك الهرمل.
ووفق تصريحه في 19 كانون الثاني 2022 فإن أهم التحديات التي تواجه هذه الزراعة تتمثل بحاجتها إلى الإضاءة عليها بشكل إرشادي توعوي ومساعدة المزارعين من كافة النواحي، مشيراً إلى أن البصيلات التي يحتاجها المزارع غالية في السوق العالمية، مبدياً تفاؤله حيال نتائج المفاوضات التي يخوضها مع أكثر من جانب، واعداً بزراعة مساحات لابأس بها من الزعفران.
كلام الحاج حسن ينسجم مع ما ذكره ترشيشي من حاجة لبنان إلى دعم من بعض الجهات الأجنبية المانحة، متحدثاً عن خلية نحل في الوزارة لمتابعة هذا الملف.
وفي الختام يكفي الإشارة إلى ما توصلت إليه أحدث الدراسات العالمية والتي وجدت أن تناول 30 مليغرام، من الزعفران يومياً كان بنفس فعالية العلاجات التقليدية للاكتئاب، وأن الزعفران ومركباته تقتل بشكل إنتقائي خلايا سرطان القولون أو تثبط نموها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |