“تدمير اقتصاد لبنان وتفكيك مؤسساته”… مرض مزمن يحمله بعض الأفرقاء
كتب نيكولا صبيح لـ“Ici Beyrouth”:
قد لا تكون من أتباع “نظرية المؤامرة”، أو من أنصار تطوير نزعة ذهنية كالرهاب وجنون العظمة، إلا أنك قد تجد نفسك في مواجهة بعض الظواهر المتكررة التي تثير الارتياب، كالهوس بفراغ السلطة، أو الشلل الحكومي أو حكومة معطلة في إطار تصريف الأعمال، وأحيانًا شغور رئاسي، أو حتى تعطيل العمل البرلماني.
وسيكون الأمر منطقياً ومقبولاً لو أن مسبباته تحدث بصورة استثنائية ومن وقت لآخر، ولكن عندما تكون تلك الأزمات متواصلةً على فترات متقاربة وممتدةً لسنوات فلا يمكن تفسير إلا أن كل تلك الأحداث تحصل بإرادة متعمدة.
وخصوصاً أن نفس الجهة التي أطلقت العنان للأزمات وتسببت بهذا الإرباك هي حزب الله، بمساعدة حركة أمل، ويرافقهم العونيون، هم المسؤولون دائماً عن النهايات التراجيدية. وكان هناك أدلة كافية تظهر دافعًا اقتصاديًا في ذلك، أبعد من الدافع السياسي لهذا التشرذم الذي لم نكن مسؤولين عنه.
ساد اعتقاد في بادئ الأمر أن حزب الله وحلفاءه ينتهجون سياسة تقول: “إما نحن من نبني الدولة ونسيطر عليها، أو لا أحد”. إلا أن هذا السيناريو ليس صحيحاً، إذ لم يكن هناك من يحاول بناء أي شيء. والدليل أن تشبث ميشال عون بكرسي بعبدا وفترة ولايته تلك، كانت فرصة مثالية لحزب الله لبناء دولة واقتصاد كما يحلو له. لكن ما حدث كان العكس.
فخلال هذا العهد، شهدت البلاد أكبر عملية تفكيك وتدمير لجميع مؤسسات الدولة الاقتصادية، وانهارت العملة الوطنية. وترك عون الأزمات تتوالى دون أن يعيرها اهتماماً، لصالح من أوصلوه إلى هذا المنصب، كما بذل صهره قصارى جهده لتعطيل قطاع الطاقة.
لكن لم يتم الاكتفاء والتوقف عند هذا الحد، إذ أن القطاع الخاص يشكل 80٪ من اقتصاد البلاد، ومن هنا تأتي أهمية تفكيكه أيضًا. بداية من البنوك الخاصة مروراً بالبنك المركزي وصولاً إلى القطاع المالي كله.
ويشكك البعض في سياسة القطاع المصرفي معتبرين أن خياراته الاستثمارية أسهمت بتعميق أزماته. ولو أن هذا ما حصل فعلاً، لا بد من الإشارة إلى أن عملية الإنقاذ كانت ممكنة منذ بداية الأزمة عبر الطلب منذ البداية من ممثلي القطاع تطبيق التدابير القانونية المرتبطة بالقطاع التي تتضمن في المقام الأول قانون مراقبة رأس المال، إلا أن حقيقة ما حصل أدى إلى انزلاق القطاع أكثر، وزاد الطين بلة قرار التخلف عن سداد الدين العام.
وفي ما خص البنك المركزي، تم وضع نظام دعم كارثي للسلع والقطاعات تسبب بهدر جميع احتياطاته أي نحو 20 مليار دولار في ثلاث سنوات، الخطوة التالية كانت عبر السماح للفراغ الدستوري بالاستمرار الأمر الذي يعيق تعيين خليفة لرياض سلامة الذي تنتهي ولايته في غضون أشهر قليلة… وإذا نجح ذلك، فسيكون النائب الأول للحاكم، الشيعي والمقرب من الثنائي هو المتحكم بدفة القيادة، وإلا فسيتم العثور على بديل موالٍ للحزب.
في الوقت نفسه، شهدنا تفكيك أجزاء أخرى من الاقتصاد اللبناني، من خلال تقويض القطاع التجاري بفعل عمليات التهريب التي اتسعت بشكل غير مسبوق، في حين تعاني الصناعة الأزمات ذاتها.
وكرت سبحة تفكيك القطاعات وصولاً إلى السياحة، وهو قطاع خارج عن سيطرتهم، ويتعارض مع إيدلوجيتهم وقيمهم. إلا أنهم تمكنوا من إحداث أزمة تسببت بتعليق دخول الخليجيين إلى البلاد، والسواح الخليجيون كانوا دوماً مصدراً رئيسياً للدخل في هذا القطاع، كما تم خلق أزمات أمنية أسهمت بترهيب السواح وتراجع القطاع.
ولكن كيف يمكن ملء الفراغ الذي خلفه التدمير والتفكيك المنهجيين؟
بالنسبة للقطاع المصرفي، فإن الحل بالنسبة لهم هو باستبداله بـ “صناديق” من نوع القرض الحسن، أو ربما بمصارف جديدة خاضعة لسيطرتهم.
ثمّ سيسود الاقتصاد الموازي في جميع المجالات والقطاعات الأخرى، حيث ستفلت المؤسسات والكيانات غير الرسمية من أي رقابة مالية أو قانونية أو أخلاقية، وستصبح السوق السوداء المتحكمة على الارض.
مواضيع ذات صلة :
القيمة السوقية لـ”تسلا” تسجل تريليون دولار | الذهب ينخفض | الذهب يصعد لأعلى مستوياته |