طهران تقتص من ليبرالية الكاظمي
كتب أسعد بشارة لـ “هنا لبنان”:
لم تكن حملة التطهير التي بدأت حكومة السوداني بتنفيذها في العراق فور توليها الحكم سوى البداية لانتقام طال انتظاره. لقد انتظرت إيران طويلاً وصبرت على مصطفى الكاظمي، وهو يحاول أن يعيد بناء دولة في العراق، ما يعنيه هذا البناء من تقويض لدويلة الحشد والفصائل التي كان الهدف من إنشائها تحويل العراق إلى دولة فاشلة يتحول نفطها إلى صندوق لتمويل الميليشيات التابعة لإيران في كل المنطقة.
لم يكن صبر إيران وفصائلها العراقية على الكاظمي كاملاً، فقد استهدف الرجل في عقر داره بمسيرة اغتيال أخطأت هدفها لكنها أوصلت رسالة نفاد الصبر من نموذج الكاظمي، الذي قاد العراق باسم التيار الليبرالي، في مواجهة عمائم إيران، فاستطاع أن يسلم دولة أفضل، وخزينة لم يتم نهبها، وقوى عسكرية وأمنية شعرت باعتزاز للمرة الأولى منذ العام 2003، بأنها تمثل العراق الموحد، وبأن مرجعيتها الدولة الوطنية، لا المرجعيات الطائفية.
إنها ليبرالية تدعو طهران إلى القلق، فهي تريد العراق تابعاً ضعيفاً، والكاظمي خلق من الصفر دوراً إقليمياً للعراق. إيران تريد العراق جاراً ضعيفاً مسحوقاً بالصراع المذهبي، والكاظمي ببروفيله العابر للمذاهب كسب ثقة كل المكونات العراقية، فهو شيعي على الهوية وعراقي بالممارسة، وهذا أخطر نموذج يمكن أن تخشى منه طهران التي تريد تعميم نموذج نوري المالكي، الذي أراد في أحد تصاريحه أن يعيد نبش تاريخ الصراع المذهبي من 1400 عام، وهو نفسه الذي أمر بإخراج مقاتلي داعش من سجن أبو غريب كي يؤسسوا دولة داعش ويبرروا له ولطهران حملة التسعير المذهبي.
إنها ليبرالية تدعو طهران إلى القلق لأنها تقفل دكانة المذهبية، وتفتح الباب لعراق يحتضن جميع أبنائه على قاعدة المواطنة، فكيف لطهران أن تقبل إذاً بأن يكون العراق دولة منيعة، فيما المطلوب أن يبقى ساحة أمامية لتنفيذ سياسات التوسع والسيطرة، ولترجمة ما قاله المرشد الخامنئي بأن العراق ولبنان وسوريا ساحات كسبت فيها إيران المعركة ضد الولايات المتحدة الأميركية، بمعنى أن العراق هو ساحة نفوذ، وجبهة أمامية لإيران.
لم تكن فترة حكم الكاظمي سهلة. الانتفاضة العراقية اندلعت وقد استماتت القوى الحليفة لطهران لخنق هذه الانتفاضة، ونجحت إلى حين، في وقت جهدت حكومة الكاظمي لحماية التظاهرات السلمية، فكانت تلك الحكومة توأماً للانتفاضة الشعبية وخير معبر عنها، وهذا ما جعل الكيد الإيراني يتعاظم، ويترجم على شكل حملة تطهير لكل إرث الكاظمي في الإدارة العراقية.
تتّبع إيران في العراق ما اتّبعته في لبنان وسوريا واليمن وما تتبعه في طهران وباقي المدن الإيرانية. عندما تثور الشعوب طلباً للحرية والتغيير، تكمن إيران وحلفاؤها، فتضع خطط الاحتواء بما تتضمن من أساليب عنف وتصفية وتخوين. هذا السيناريو نفذ بحذافيره في سوريا والعراق ولبنان واليمن، بدرجات متفاوتة من العنف، لكن القاسم المشترك أنه نفذ لخنق أي توجه ليبرالي قادر على تشكيل البديل عن منظومات الحكم التي ترعاها طهران في هذه البلدان.
لم يشذ مصطفى الكاظمي عن هذه القاعدة فهو أثبت خلال توليه رئاسة الحكومة، أن التيار الديني الاوتوقراطي المدعوم من طهران فاقد للقدرة على إدارة البلد، وأثبت أيضاً أن هذا التيار بات خارج حسابات العراقيين. اليوم يحاول هذا التيار أن يثأر من مرحلة الكاظمي، وبغض النظر عن إمكانية نجاحه من عدمها، فهو دخل عملياً في مرحلة الموت السريري، ولن ينجده استعمال البطش والعنف، فالتغيير سلك طريق اللاعودة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة | ترامب اللبناني |