لبنان عالق بين “نجوم الظهر” و”نجوم الصهر”!
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
كما يحصل في عالم الكومبيوتر والذي تطلق عليه كلمة “تحديث”، الأمر ذاته يجب اعتماده عند الحديث عن العلاقات بين طرفي “تفاهم مار مخايل” وهما “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”. وهذه العلاقات التي شهدت تدهوراً في الأسابيع الأخيرة، بدأت تستعيد حالياً شيئاً من حرارتها السابقة تمثلت بمعايدة مسؤول الاتصالات في الحزب الحاج وفيق صفا رئيس “التيار” النائب جبران باسيل. فكيف رد الأخير التحية؟
ما هو شائع أن يكون رد التحية بمثلها، وهكذا فعل رئيس “التيار” عندما لاقى “الحزب” في منتصف الطريق عندما جاهر في حديثه الإعلامي الأخير بمعارضة وصول قائد الجيش العماد جوزف عون إلى رئاسة الجمهورية، وهذه المعارضة موجودة لدى “حزب الله” ولو في صورة مضمرة، لكنه يبتعد عن إعلانها كي لا ينغمس في تناقض مع المؤسسة العسكرية التي ما زالت إحدى ثالوث معادلة “الحزب” ألا وهي “جيش وشعب ومقاومة”. لذلك، ليس هناك من طرف داخلي، سوى “التيار” قادر على إسداء هذه “الخدمة”.
رب قائل، إن باسيل لم يجاهر بمعارضته لقائد الجيش فحسب، بل شمل بها أيضًا، زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية. علماً، وكما قالت أوساط إعلامية ذات صلة بـ “حزب الله” أن الأخير ما زال متمسكاً بترشيح فرنجية، لكنه في الوقت نفسه، يحرص على أن تكون موافقة باسيل على هذا الترشيح “طوعية”. وهنا يتساءل المراقبون كيف يتعامل “الحزب” مع كلمة “طوعية” التي على ما يبدو لا تشمل كل القضايا المشتركة بين الحليفين، وهو الأمر الذي ظهر عندما مارس الحزب نفوذه كي تعقد الجلسة الأخيرة لحكومة تصريف الأعمال خلافاً لموقف “التيار”، حارماً الأخير من سلاح “الثلث المعطّل” الذي تبيّن أنه لم يعد موجوداً في ميرنا الشالوحي خلافاً للحسابات السابقة، بل هو فعلياً بيد حارة حريك التي كانت وراء حجم الفوز الذي أحرزه العونيون في الانتخابات النيابية الأخيرة، إذ لولا مساندة “الحزب” في كل الدوائر تقريباً لكانت النتائج مريعة على حساب “التيار” البرلماني.
ربما من الضروري، طرح السؤال الآتي: هل يتمسك “حزب الله” فعلاً بترشيح زعيم “المردة؟”
في اعتقاد الأوساط الإعلامية المشار إليها سابقاً، أنّ “الحزب” لا يبدو مستعجلاً في فرض ترشيح فرنجية على باسيل الذي يبدو مطواعاً في تلبية الكثير من “رغبات” حليفه في “التفاهم” مثلما فعل خلال أزمة عقد جلسة حكومة تصريف الأعمال، وهي أزمة بدا معها أن طرفي “التفاهم” قد افترقا نهائياً. لكن هذا الافتراق لم يتحقق بعد سلسلة مواقف اعتذارية من رئيس “التيار” تراجع فيها عن عبارات حادة تلفّظ بها وصلت إلى حد اتهام السيد حسن نصر الله بأنه لم يعد صاحب “الوعد الصادق”.
إذاً، هناك “عدم إستعجال” في حارة حريك كي يلزم “الحزب” حليفه “التيار” بخيار فرنجية. وليس من مبالغة في القول أنّ الملف الرئاسي في لبنان هو بيد طهران، كما كانت الحال عام 2016 عندما وصل العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا. وإذا كان هذا الملف من الأوراق الضرورية التي يعتمدها النظام الإيراني كي يسوّي أزماته مع الغرب، وهي أزمات مستعصية، كما هي حال الاتفاق حول الملف النووي، فمعنى ذلك، أنّ هذا النظام لن يمنح “بركاته” قريباً عبر “حزب الله” كي تجري الانتخابات الرئاسية وتكون مثمرة خلافاً لما انتهت إليه المحاولات العشر العام الماضي.
ووفق معلومات أوساط سياسية على علاقات وطيدة مع أوساط فرنجية، فإن الأخيرة بدأت تفقد الأمل في إمكان الوصول إلى نتائج إيجابية قريبة لمصلحة بنشعي. وقالت إنها ترجح التشاؤم على التفاؤل على رغم استمرار الضخ الإعلامي من بيئة “الحزب” التي تؤكد تمسكه بخيار ترشيح زعيم “المردة”.
المعادلة إذاً في علاقات طرفي “تفاهم مار مخايل”، تقوم على التلاقي عملياً على رفض وصول قائد الجيش إلى قصر بعبدا، والتناقض ظاهرياً حيال ترشيح فرنجية. ما يعني أن نصاب جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لن يكون متاحاً في أي مدى منظور أو غير منظور حتى تتمكن طهران من تحقيق مصالحها مع الغرب.
بالعودة إلى السجال الذي نشب في الأيام الأخيرة من العام الماضي بين الرئيس السابق ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ما يكشف أنّ الاتجاه هو نحو تأجيج المعارك الجانبية التي تجعل معركة رئاسة الجمهورية ثانوية. فقد شنّ عون حملة مباشرة على رئيس البرلمان محمّلاً إيّاه “مسؤولية جزء كبير من العرقلة عبر تجميد القوانين في الجارور، ووضع اليد على مختلف السلطات خلافاً للدستور، سائلاً حزب الله عن سبب سكوته على سلوك بري في السنوات الستّ سنوات الأخيرة”…
فردّ رئيس مجلس النواب على الرئيس قائلاً: “لم تكن في حاجة لمن يعرقلك فقد وعدتنا بجهنم ووفيت وكفيت. للذكرى وليس للحنين 74 قانوناً صدرت، ولم تنفّذ وليست في الجوارير، أولها وليس آخرها الكهرباء. حرمتنا رؤية النجوم ليلاً وشوفتنا نجوم الظهر”!
هناك “نجوم الظهر” كما قال الرئيس بري. لكن هناك “نجوم الصهر” التي يرينا إيّاها “حزب الله” كي لا تكون هناك انتخابات رئاسية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |