من تفجير مرفأ بيروت إلى تفجير أهالي الضحايا
“معرفة المجرم والاقتصاص منه لا تشعل حرباً أهلية… إلّا بين لصوص ومجرمين” وفق رأي أحد الدبلوماسيين..
كتب محمد سلام لـ “هنا لبنان”:
يختلف أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت عن أهالي جميع ضحايا التفجيرات والإغتيالات في لبنان بأن ليس لديهم ولي دم واحد يمكن محاصرته بتسوية الأمر الواقع لدفن التحقيق، بالتي هي أحسن أو بالتي هي أسوأ، تحت العنوان الفولكلوري اللبناني الممجوج: كشف الحقيقة يشعل حرباً أهلية، لذلك يفضّل أن ندفنها كي لا تتحمل وزر الحرب الأهلية….
واستعاضت “عصابة النيترات” عن عدم توفر ولي دم واحد بجريمة قتل استهدفت من يمكن أن يكونوا وكلاء حقيقة جريمة تفجير مرفأ بيروت، وتحت هذا العنوان قتل في كانون الأول 2020 بعد أربعة أشهر من تفجير المرفأ العقيد المتقاعد من الجمارك منير أبو رجيلي البالغ من العمر 58 عاماً والذي تقاعد قبل سنتين من مقتله بعدما شغل منصب رئيس مكافحة التهريب في مرفأ بيروت.
ولم تستبعد مصادر أمنية أن يكون أبو رجيلي ضمن قائمة المسؤولين الذين استدعاهم المحقق العدلي القاضي فادي صوان، الذي كان أوّل من تابع التحقيقات المتعلقة بتفجير مرفأ بيروت، مع جميع من تولّى مسؤولية في المرفأ والجمارك منذ وصول شحنة نيترات الأمونيوم عام 2012.
وقبل مقتل أبو رجيلي بثلاث سنوات، وتحديداً في العام 2017، عثر على العقيد المتقاعد من الجمارك، جوزيف سكاف قتيلاً مصاباً بكدمات على رأسه أمام منزله، وهو كان رئيساً لشعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال في الجمارك وسجّل له أنه كان أول من حذر سلطات مرفأ بيروت بعد أربعة أشهر على وصول الباخرة المحملة بالأمونيوم في العام 2012 أن حمولتها “شديدة الخطورة وتشكل خطراً على السلامة العامة”.
وبعد مقتل سكاف، صدر تقريران متناقضان عن طبيبين شرعيّين كلفتهما النيابة العامة الكشف على الجثة حيث أشار أحد التقريرين إلى أنّ ما حصل هو قضاء وقدر وبأن قدمه زلّت عن مرتفع فيما اعتبر التقرير الثاني أنّ أبو رجيلي “رُمِي به من على إرتفاع ثلاثة أمتار”….
وكان سكاف قد وجه برقية في 21 شباط 2014 لمصلحة التدقيق والبحث عن التهريب أوصت بإبعاد الباخرة المحملة بنيترات الأمونيوم إلى خارج المرفأ لأنّ حمولتها تشكل خطراً على السلامة العامة.
آخر وكلاء حقيقة تفجير مرفأ بيروت المصوّر جوزيف بجاني إبن الـ 36 عاماً الذي قتله مسلحون مجهولون بمسدس مزود بكاتم للصوت أمام منزله في بلدة الكحالة شرقي بيروت في كانون الأول 2020 بعد أربعة أشهر على تفجير المرفأ.
كان الراحل جوزيف، الذي قيل أنه كان يعمل مصوراً لصالح الجيش، أوّل الواصلين إلى المرفأ بعد أقل من نصف ساعة من الإنفجار، أو الانفجارين، وقيل أنّه التقط صوراً لسيارات إسعاف تابعة لجمعية صحية تنقل جثثاً ومصابين تابعين لها من موقع الإنفجار….
وعلى الرّغم من مقتل عقيدَي جمارك المرفأ والمصور العسكري بقي أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت كابوساً يقلق نوم رعاة منظومة النيترات خصوصاً أنه لا يمكن قتل أهالي 6715 شهيدا وجريحاً، فكان لا بدّ، برأي من ارتأى، من شقّهم وتحويلهم إلى بذرة حرب أهلية يمكن لنيرانها أن تطفئ حقيقة ما حصل في مرفأ بيروت…
تحت هذا العنوان يقرأ البعض القمع الشديد الذي عومل به في جبيل وبيروت نهاية الأسبوع الماضي أهالي الضحايا المعترضين على توقيف الناشط في صفوفهم وليام نون وهو شقيق أحد شهداء المرفأ.
وبدا لافتاً أنّ الصحف اللبنانية لم تنشر صور الهراوات المنهمرة كالمطر على رؤوس المعتصمين في جبيل وبينهم كاهن مسيحي أصيب في رأسه. وكانت المشاهد قد توفرت في النقل المباشر لمحطات التلفزة لمن توفرت عنده الكهرباء، لكنها غابت عن نشرات الأخبار… وما زال هناك من يطلب بأن تبقى بيروت “عاصمة الإعلام العربي”.
ولكن، ما ليس في حسبان عصابة النيترات أن سقوط شهيدين اثنين و90 جريحا “فرنسياً” في تفجير المرفأ يلزم الدولة الفرنسية بإطلاق تحقيقها العدلي المستقل في الجريمة لتحديد المسؤول عن مقتل رعاياها، إضافة إلى مشاركة القضاء اللبناني في تحقيقاته، علماً بأنّ فرنسا هي الدولة الوحيدة التي لم تسلّم السلطات اللبنانية صور قمرها الصناعي زاعمةً أنه لم يكن موجّهاً على لبنان عند حصول الإنفجار.
مشكلة فرنسا في التحقيق أنّها قدمت للبنان استنابات قضائية تطرح أسئلة وتطالب بإجابات عنها، إلّا أنّ لبنان لم يردّ على التساؤلات الفرنسية لأنّ تحقيقه في إنفجار المرفأ معلّق كون المحقق طارق بيطار “مجمّداً” بانتظار بتّ النزاعات حول بقائه أو استبداله أو… اقتلاعه…
عُلّق تحقيق البيطار بعد خطاب لحسن نصر الله، أمين عام حزب السلاح الفارسي، يتّهمه بتسييس التحقيق إثر إصداره مذكرة توقيف بحق وزير المال السابق علي حسن خليل العضو في حركة (أمل) ومذكرة توقيف بحق وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس المنتمي إلى تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية ومذكرة إحضار بحق رئيس الحكومة السابق حسان دياب لأنه ألغى زيارة كان من المقرر أن يقوم بها لتفقّد العنبر رقم 12 قبل انفجاره بأيام.
القاضي الفرنسي نيقولا أوبيرتان وصل إلى بيروت وزار قصر العدل، حيث اجتمع مع المحامي العام التمييزي صبوح سليمان، الذي يتولى متابعة التحقيقات كممثل عن النيابة العامة التمييزية.
وذكر مصدر دبلوماسي غير فرنسي أن باريس تمثل كل الدول الغربية والعربية المعنية بمعرفة حقيقة ما جرى في مرفأ بيروت والتأكد من أنّ أيّ مذنب لن يفلت من العقاب، وإن بغطاء سخيف من مستوى الترهيب بأنّ الحقيقة ستتسبّب بحرب أهلية.
“معرفة المجرم والإقتصاص منه لا تشعل حرباً أهلية… إلّا بين لصوص ومجرمين” وفق رأي الدبلوماسي الذي تحدّث في إحاطة شرط عدم كشف هويته.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم | فوز ترامب أسقط مهمة هوكشتاين في لبنان |