المسرحيّة الرّئاسيّة مستمرّة والدّستور في مرمى تفسيرات برّي!
“الدستور اللبناني” في مرمى التفسيرات، ومسألة النصاب تخضع للكثير من التأويل، فمن على حق: برّي؟ أم نواب المعارضة؟
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
العرض الحادي عشر لمسرحيّة انتخاب رئيس الجمهوريّة الهزليّة، لم ينتهِ كغيره من العروض، بل مع جرعةٍ إضافيّةٍ من التّشويق والإثارة الّتي لا تخلو من الاستعراض في مكانٍ ما. فعلى وَقع انهيار اللّيرة اللّبنانيّة إلى ما دون الطّبقة الخمسين، وصرخات أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت المطالِبة بالحقيقة والعدالة، ولعبة الأوراق البيضاء والأسماء المحروقة؛ تَمرّد النّائبان ملحم خلف ونجاة صليبا وأعلنا العصيان النّيابي داخل قاعة المجلس المظلمة.
الملل المخزي الّذي ساد أجواء العروض السّابقة، كسَرته بعض النّكات السّمجة والمداخلات النّافعة والرّدود “الولّاديّة”. ومِن بين أبرز الأحداث الثّانويّة، كانت مداخلات رئيس حزب “الكتائب اللّبنانيّة” النّائب سامي الجميّل، الّذي سأل مرارًا رئيس المجلس النّيابي نبيه برّي، عن المادّة الّتي يستند إليها عند الإصرار على الحفاظ على نصاب الثّلثَين في دورتَي الانتخاب؛ ليأتيه الردّ المضحك المبكي “مادّة إجرها من الشّباك”.
في هذا الإطار، يوضح الخبير الدّستوري المحامي سعيد مالك، في حديثٍ لـ “هنا لبنان”، أنّ “الثّابت أنّ المادّة 49 من الدّستور اللّبناني جاءت ملتبسةً لناحية تحديد نصاب الحضور في جلسات الانتخاب، واقتصرت على نصاب فوز المرشّح بالرّئاسة”.
ويشرح أنّ “المادّة المذكورة نصّت على فوز مَن ينال ثلثَي عدد الأصوات في الدّورة الأولى، على أن يُكتفى بالأغلبيّة المطلقة في الدّورات الّتي تليها، من دون أن تذكر على الإطلاق نصاب الحضور؛ وما إذا كان يجب أن يكون الثّلثَين أو يقتصر على النّصف زائدًا واحدًا”.
ويلفت مالك إلى أنّ “اليوم، ما يُصار إلى العمل به هو عُرفٌ دستوريٌّ، يتمّ اتّباعه منذ عام 1976، ويقضي باعتماد نصاب الثّلثَين في دورات الاقتراع كافّة، حتّى انتخاب رئيسٍ للجمهوريّة”.
الأيّام الثّمانين الّتي تربّع فيها الفراغ على كرسيّ رئاسة الجمهوريّة، كانت كفيلةً لتظهير عجز البرلمان بتركيبته الحاليّة عن انتخاب رأسٍ للدّولة، كما كانت كافيةً ليقرّر خلف أن يضرب ضربته، لعلّه يُحدث ثغرةً إيجابيّةً في حائط الانسداد الرّئاسي. فأعلن الخميس الماضي، أنّ “التزامًا بالمواد الدّستوريّة وانتظامًا لها، ودَفعًا لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة بدوراتٍ متتاليةٍ مِن دون انقطاعٍ، اتّخذتُ القرار بعدم الخروج من قاعة المجلس النّيابي حتّى تحقيق هذه الغاية”. ومثله فعلت صليبا، قبل أن ينضمّ إليهما بعض النّواب “التّغييريّين” و”السّياديّين”.
وعمّا إذا كان الدّستور يُلزم النّواب أن يبقوا مجتمعين إلى حين انتخاب رئيسٍ، يشدّد مالك على أنّ “المادّة 74 من الدّستور، تنصّ على أنّه إذا خلت سدّة الرّئاسة بسبب وفاة الرّئیس أو استقالته أو بسببٍ آخر، يجب أن ينعقد مجلس النّواب حُكمًا وفورًا لانتخاب رئيس”، مركّزًا على أنّ “المجلس يبقى هيئةً ناخبةً، عملًا بأحكام المادّة 75 من الدّستور، حتّى انتخاب رئيس. بالتّالي، ليس باستطاعته القيام بأيّ عملٍ مهما كان، وينحصر دوره بانتخاب الرّئيس”.
ويؤكّد “أنّنا إذا أردنا عطف المواد 49 على المادّتَين 74 و75، فذلك يعني أنّ مجلس النّواب يجب أن يبقى في دوراتٍ متتاليةٍ ومنعقدًا إلى أن يُنتخب رئيسٌ، وليس باستطاعته أن ينعقد بدوراتٍ متقطّعةٍ كما يجري حاليًّا”.
ليس خافيًا أنّ مُخرج المسرحيّة الرّئاسيّة لم يكتفِ بدوره الأساسيّ، بل يشارك كذلك في الكتابة والبطولة والتّعطيل، مفصِّلًا الأحداث وفقًا لأهوائه، فيُحدّد النّصاب غير المحدَّد، يُصدِّق على المحاضر قبل قراءتها، ويعطّل عبر نوّابه الجلسات ليدعو بعدها إلى الحوار.
ويبدو أنّ الاعتصام في حرم المجلس أزعج برّي، الّذي رَفع جلسة الانتخاب الأخيرة من دون تحديد موعد الجلسة المقبلة، وبعدها دعا اللّجان النّيابيّة المشتركة إلى جلسةٍ غير بريئةٍ يوم الخميس المقبل، لدرس مشروع القانون الرّامي إلى تعديل بعض أحكام قانون الضّمان الاجتماعي وإنشاء نظام التّقاعد والحماية الاجتماعيّة.
تعليقًا على هذه التّجاوزات، يشير مالك إلى أنّ “برّي يفسّر الدّستور كما يرغب، في ظلّ المعلومات عن أنّه سيدعو المجلس إلى جلسةٍ تشريعيّةٍ، رغم أنّ البرلمان في الوقت الحالي هو هيئة ناخبة وليس هيئةً تشريعيّةً على الإطلاق”.
بين مَن يَعتبر أنّ اعتصام النّواب هو أوّل إجراءٍ عمليٍّ احتجاجًا على المماطلة والتّعطيل المسيطرَين على الاستحقاق الرّئاسي، ومَن يرى في تحرّكهم شعبويّةً ولزوم ما لا يلزم، الأكيد أنّ الجمود الحاصل يجب أن يُقتل، بظلّ الانهيار الّذي يُطلق رصاصاته من كلّ حدبٍ وصوب. فهل تصل قوى المعارضة والتّغيير إلى اسمٍ جدّيٍ يمكن أن يتبوّأ سدّة الرّئاسة، أم أنّ “أرانب” برّي ستسمرّ بالظّهور إلى حين وصول رئيسٍ يرضى عنه؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر! | في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط |