الأولوية في لقاء باريس.. الرغيف قبل الرئيس
مع الانهيار غير المسبوق في سعر صرف العملة اللبنانية، لم يعد خافياً أنّ الأكثرية من الساحقة من اللبنانيين انتقلوا إلى مربع العوز وفق مرتبات، أعلاها فئة بالكاد تستطيع توفير الحاجات الأساسية، وأدناها فئة انحدرت إلى ما دون خط الفقر الذي يبدأ من دولارين أميركيين يومياً.
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
من بين الذين سيضمهم اللقاء الخماسي في باريس اليوم، والمخصص للبنان، مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف. وهي استبَقت اللقاء، الذي سيتناول انتخاب رئيس جديد للجمهورية، بعرض موقف بلدها بوضوح عندما قالت: “نصيحتي إلى اللبنانيين أن يبادروا بأنفسهم إلى حل عقدة انتخاب رئيس جديد للبلاد”. فهل ما زال هناك من يراهن على تدخل خارجي في هذا الاستحقاق؟
ماذا يبقى بعد هذا الموقف الأميركي من مهمة على عاتق اللقاء المهم الذي سيضم إلى الدولة المضيفة فرنسا، السعودية ومصر وقطر؟
الجواب الذي لا لبس فيه، وفي ظل انسداد الأفق في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية، هو دعوة هذه الدول مباشرة أو بما لديها من نفوذ للتفكير في سبل تقديم مزيد من العون للبنان لمواجهة أزمته المعيشية التي تنذر بأخطار فادحة والتي قد تكون الشرارة التي قد تشعل الانفجار الشامل في هذا الكيان المتداعي والذي بدأ يسقط منذ الرابع من آب 2020 في الانفجار الهائل في مرفأ بيروت. وقد أضاف رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع إلى قائمة الدول التي ستجتمع في باريس الفاتيكان عندما التقى السفير البابوي لدى لبنان المونسنيور باولو بورجيا، فتمنى أن “يتمكن قداسة البابا من حشد أكبر دعم اقتصادي وإنساني للبنان بما له من تأثير معنوي، لا سيما لدى الدول الصديقة والقريبة من الفاتيكان”.
إذا كان من تشبيه يمكن اللجوء إليه لتوضيح الموقف في لبنان راهناً، فهو الزلزال الذي يجعل أولوية الأولويات هو الإنقاذ، وقد خبر لبنان ذلك في زلزال طبيعي في خمسينيات القرن الماضي. وها هو اليوم ما زال تحت وطأة زلزال إنفجار المرفأ، وهو فعلاً كان بقوة زلزال مدمّر، إضافة إلى الزلزال السياسي الذي أحدثته السيطرة الإيرانية على لبنان من خلال “حزب الله” مباشرة، ومن خلال أعوان الأخير وفي مقدمهم “التيار الوطني الحر” الذي لم يكتفِ بأن عهده أوصل لبنان إلى جهنم، بل ما زال وبتعاون سافر مع الوكيل الإيراني، يبحث عن قعر جديد في جهنم كي يتم دفع لبنان إليه.
بحسب ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي هناك 750 ألف حصة غذائية توزع شهرياً على اللبنانيين، وسيرتفع العدد إلى مليون ومئة حصة في الشهرين القادمين. كما يتم البحث حالياً في إمكانية تأمين أدوية السرطان. إذاً، هناك نحو ربع الشعب اللبناني تقريباً سيتحول إلى متلقٍّ للحصص الغذائية وأدوية السرطان من هذا البرنامج الدولي الذي يذكّر بوكالة الأونروا، وهي إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وهي مسؤولة عن إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، فهي تقدم الدعم والحماية لحوالي 4.7 مليون لاجئ فلسطيني في الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة. كما يذكّر بتعامل المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة مع النازحين السوريين في لبنان والتي صارت مكلفة بإغاثة ما يعادل ربع عدد السكان اللبنانيين.
مع الانهيار غير المسبوق في سعر صرف العملة اللبنانية، لم يعد خافياً أنّ الأكثرية الساحقة من اللبنانيين انتقلوا إلى مربع العوز وفق مرتبات، أعلاها فئة بالكاد تستطيع توفير الحاجات الأساسية، وأدناها فئة انحدرت إلى ما دون خط الفقر الذي يبدأ من دولارين أميركيين يومياً.
بالعودة إلى لقاء باريس الخماسي اليوم، برز مسبقاً إنقسام بين موقفين :الأول، موقف الدولة المضيفة، أي فرنسا، التي تدفع نحو استعجال انتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون الدخول في تسمية الشخصية التي ستصبح رئيساً للبنان. والموقف الثاني، تتبناه الولايات المتحدة والسعودية وينطلق من مبدأ عدم التدخل في الاستحقاق الرئاسي في ظل تناقضات لبنانية حادة تنتهي، نتيجة ميزان قوى يمنح الفريق الذي يقوده “حزب الله” قدرة تعطيل على إنجاز انتخاب الرئيس المقبل إذا لم يكن مضموناً وصول رئيس على شاكلة الرئيس السابق ميشال عون.
في لقاء إعلامي لمرجع حكومي عشية لقاء باريس بقيَ بعيداً عن الأضواء، أعرب المرجع عن عدم تفاؤله بأن يؤدي هذا اللقاء إلى إحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية في لبنان. ورجح أن يبقى الاهتمام الدولي والعربي منصباً على مساعدة لبنان على المستوى المعيشي المباشر، كما تفعل حالياً الولايات المتحدة والسعودية. فهل ستعيد باريس النظر في موقفها؟ ليس مستبعداً أن تفعل الحكومة الفرنسية ذلك. فقد مهدت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا للقاء اليوم بالقول “إن الفراغ الرئاسي أدخل لبنان في أزمة منقطعة النظير، وتتعدد أوجه هذه الأزمة، فالنظام المالي ينهار في البلد واقتصاده يعاني أشد المعاناة وأواصر المجتمع تتفكك والوضع السياسي في طريق مسدود”. ودعت “المسؤولين إلى الكفّ عن تعطيل الإصلاحات ومنع استنباط حلول تمهد لانتخاب رئيس للجمهورية.”
من هم هؤلاء “المسؤولون” الذين تتحدث عنهم الوزيرة الفرنسية؟ إذا أرادت التعميم، فمعنى ذلك الدوران في الحلقة المفرغة. أما إذا ما ذهبت إلى التخصيص، ولدى سفارتها في لبنان معطيات كافية، فستجد أن هناك من قرر أن لا يترك إنتخاب رئيس للجمهورية يتقرر في البرلمان من خلال جلسة مفتوحة، كما هو حال كل الأنظمة البرلمانية في العالم. فهل سألت الوزيرة كولونا ديبلوماسييها في لبنان من يمنع البرلمان اللبناني من القيام بهذه المهمة؟
ما أن يمضي هذا اليوم ستتضح الصورة على أنّ الأولوية هي للرغيف، لا لرئيس ما زال أسير تعطيل تملك أسراره الدولة الغائبة عن لقاء باريس، أي إيران.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |