“الحزب” يقرّر وميقاتي ينفّذ وباسيل يتفرّج
يمسك الحزب عملياً بالعصا من المنتصف، إذ يؤمّن لميقاتي إمكانية عقد مجلس الوزراء واتخاذ بعض القرارات الحيوية والملحّة، وفي الوقت عينه يلوّح له بتطيير النصاب مبقياً رئيس الحكومة تحت رحمته ورهينة خياراته وحساباته.
كتب سعد كيوان لـ “هنا لبنان”:
تصريحات ومواقف وعنتريات، مرشحون معلنون وغير معلنون وآخرون مستورون، ولقاءات ودعوات للحوار والتشاور… كل ذلك بخصوص الانتخابات الرئاسية التي يستعجلها الكل. ولكن لا انتخابات ولا رئيس، والفراغ المستمر منذ ثلاثة أشهر ونصف مرشح لأن يستمر أشهراً أخرى وربما سنوات، من يدري! كما حصل عام 2016 عندما فرض “حزب الله” انتخاب ميشال عون رئيساً بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ! المايسترو واحد، وما يجري اليوم يشبه ما سبقه، بيد أن “حزب الله” استعاض هذه المرة عن الأكثرية غير المتوفرة لانتخاب مرشحه الموعود سليمان فرنجية، والتي من الصعب توفرها بأن ضمن الإمساك بناصية الحكم والعمل الحكومي والقرار لأن الظروف الحالية، وتحديداً الاقتصادية والمعيشية لا تتيح ترف الوقت. وهو بالتالي، بمؤازرة رئيس حركة أمل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، يجمع بين المراهنة على نَفَسه الطويل في استنزاف الآخرين بمرور الأيام والأشهر، وقدرته على تسيير حاجيات الناس الملحة، ولو بالحد الأدنى، من خلال تشغيل حكومة نجيب ميقاتي الذي يحتاج إلى دعم وتغطية الثنائي، وبالأخص حسن نصرالله الوحيد القادر على ترويض واحتواء غضب التيار العوني.
ففي البداية، وخلال الأشهر الأخيرة التي سبقت انتهاء ولاية عون، استعمل نصرالله سلاح فرنجية “عينه الثانية” الذي التزم بترشيحه، على أمل أن يصطف خلفه الفريق الممانع، مستفيداً من المأزق الكبير الذي يتخبط فيه جبران باسيل جراء العقوبات الأميركية عليه. غير أن هذا الأخير تمرد لاعتبارات مختلفة، أولها وأهمها زعاماتية في الشمال، الذي يشكل أيضاً ساحة نفوذ هامة لـ “قوات” سمير جعجع، وثانيها لأن فرنجية هو صديق بشار الأسد كما يعلن ويؤكد، وثالثاً لأن ليس من كيمياء بين الرجلين اللذين تباعد بينهما طباع مختلفة ومتناقضة تماماً. لذلك خاض باسيل معركة معارضة ترشيح فرنجية بقوة وحزم لم يتمكن نصرالله على احتوائها، والأرجح أنه لن ينجح في ذلك. فانتقل إلى السلاح الآخر أي تشغيل الحكومة في هذا الظرف الصعب والحرج الذي يحتاج له الجميع من أجل احتواء ما أمكن من غضب الناس وحاجتها لكل شيء. لذلك تصبح معارضتها أو معارضة انعقادها مسألة شديدة الدقة والحساسية من شأنها أن تثير الرأي العام ضد باسيل الذي يثير شعبوياً اعتبارات دستورية وميثاقية غير صحيحة تمنع انعقادها. عندها يلوح بترشيحه فيتجاهله نصرالله. وهكذا يمسك “حزب الله” عملياً بالعصا من المنتصف، إذ يؤمن لميقاتي إمكانية عقد مجلس الوزراء واتخاذ بعض القرارات الحيوية والملحة كالكهرباء وفي قطاع الصحة والأدوية والاستشفاء، وفي الوقت عينه يلوح له بتطيير النصاب مبقياً رئيس الحكومة (السني) تحت رحمته ورهينة خياراته وحساباته. وفور وقوع كارثة الزلزال يسارع ميقاتي إلى تلبية إرادة نصرالله بإرسال وفد حكومي إلى دمشق للتطبيع مع بشار الأسد. في المقابل، يتفق الاثنان على ابتزاز باسيل وحشره بعد أن فشل للمرة الثالثة في منع انعقاد جلسة مجلس الوزراء. فيما يتكفل بري بالدعوة لعقد جلسة اشتراعية، هذه المرة غير دستورية، بحجة إقرار قانون الكابيتال كونترول من أجل تمرير التمديد للواء عباس ابراهيم. ويجد باسيل نفسه عاجزاً في الملف الحكومي، وكذلك في الملف الرئاسي الذي سعى إلى نقله إلى حضن بكركي ودفعها إلى تصدر المواجهة مع “حزب الله”، وفي الوقت عينه إلى إحراج جعجع. فيما نصرالله يرسل موفديه إلى المرجعيات المسيحية معبراً لها عن استعداده للحوار والتفاهم والتوافق على مرشح تختاره المرجعيات نفسها، تاركاً لفرنجية أن يتدبر هو أمره ويعلن ترشحه متى رأى ذلك مناسباً…
ومن سخرية القدر أن ينبري القطبان المسيحيان إلى استغلال مأساة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا معاً لكي يعربا عن تضامنهما مع النظام السوري بطبيعة الحال، ويسارع باسيل إلى المزايدة على فرنجية مطالباً بفك الحصار ورفع العقوبات عن سوريا، ويأخذ على فرنجية أنه لم يسم في تغريدته سوريا بالاسم!
مواضيع مماثلة للكاتب:
برّي يفاوض.. أين المعارضون؟! | “الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع |