الحكومة الإلكترونية دواءٌ للحدّ من الفساد… فهل يفرج المسؤولون عنها يوماً ما؟
أوّل ما قد يوفّره التّحوّل الرقمي هو إتاحة إنجاز معاملات المواطن إلكترونياً من المنزل، فيصبح بإمكانه تقديم المعاملة والدفع إلكترونياً خصوصاً في ظل ما يعانيه اليوم من صعوبات مادية تعيق تحركاته. فأين نحن من مسار التقدم نحو الحكومة الإلكترونية؟
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
“الحكومة الإلكترونية” مصطلحٌ لطالما وعدت به الحكومات اللبنانية المتعاقبة “الحريصة” في بياناتها واستراتيجياتها الموضوعة – وما أكثرها في لبنان على الورق فقط – لتحسين أداء القطاع العام وتخفيف عناء إجراء المعاملات عن المواطن.
وقد سُجلت محاولات عديدة لوضع خطط للتحول الرقمي، من هذه المحاولات ما وضعته وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية عام 2008 خلال تولي الوزير جان أوغاسبيان الوزارة تحت عنوان”استراتيجية الحكومة الإلكترونية”، ثم تم تطوير هذه الخطة في عهد الوزيرة عناية عز الدين في العام 2018 ليصبح اسمها “استراتيجية التحول الرقمي للحكومة”. في العام 2019 أجريت بعض التعديلات على الاستراتيجية خلال تولي الوزيرة مي شدياق الوزارة. وفي الحكومة الحالية أطلقت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية في حكومة تصريف الأعمال نجلا الرياشي “إستراتيجية التحول الرقمي في لبنان 2020 – 2030″، وهي الاستراتيجية الوحيدة التي تمت مناقشتها في مجلس الوزراء وإقرارها.
كل هذه المحاولات والاستراتيجيات “المعدّلة” مع كل وزير لم تلقَ أي تنفيذ. فيما هناك العديد من الانعكاسات الإيجابية للتحوّل الرقمي، وأوّل ما قد يوفّره هو إتاحة إنجاز معاملات المواطن إلكترونياً من المنزل، فيصبح بإمكانه تقديم المعاملة والدفع إلكترونياً خصوصاً في ظل ما يعانيه اليوم من صعوبات مادية تعيق تحركاته.
ولا شك أنه لم يعد بإمكان مؤسسات الدولة اليوم الاستمرار بإدارة أعمالها وإجراءاتها وتقديم خدماتها للمواطنين أو المقيمين بشكل يدوي أو ورقي كما جرت العادة في العقود السابقة، بسبب الحاجة لأن تكون أكثر فعالية وكفاءة بتأدية خدماتها على نحو يواكب متطلبات المرحلة.
وخلال أزمة جائحة كورونا العالمية وإجراءات التعبئة العامة التي فرضت الإقفال التام أو الجزئي لمعظم المؤسسات الخاصة والعامة، تحولت معظم الأنشطة والفعاليات الاعتيادية إلى الفضاء السيبراني للالتزام بشروط التباعد والحدّ من انتشار الجائحة بهدف تحسين أداء الإدارة أو خدمة المواطنين وتسيير الشؤون الأساسية للمواطن والدولة وذلك ضمن الحفاظ على الصحة العامة.
أين نحن من مسار التقدم نحو الحكومة الإلكترونية؟ وإذا كنا في لبنان نشتهر بوضع الاستراتيجيات والخطط ولكن ماذا عن التطبيق على أرض الواقع؟ وما أهمية التحول الرقمي في لبنان اليوم، وتحديداً في ظل الانهيار الكامل للبلد على الأصعدة كافة؟
الرياشي: التحول الرقمي مستقبل البلد
وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلا الرياشي أكدت في حديث لـ “هنا لبنان” أن استراتيجية التحول الرقمي التي أطلقتها هي الأولى في لبنان، إذ أنّ ما سبقها من وضع خطط واستراتيجيات لم يصل إلى خواتيم البت بها في مجلس الوزراء بخلاف الاستراتيجية الحالية التي استفادت من مسودات الاستراتيجيات التي وضعت سابقاً وتم تطويرها والبناء عليها لتتلاءم مع الوضع الحالي واستندت أيضاً إلى آراء خبراء دوليين ومحليين في مجال المكننة.
وأكدت الرياشي أن هذه الاستراتيجية وضعت في ظل التأكيد المستمر على أهمية تطبيق الإصلاحات في لبنان ومكافحة الفساد.
وعن البدء بالتنفيذ، لفتت الرياشي إلى أنه حالياً يتم التواصل مع صندوق النقد الدولي ومع البنك الدولي ومع بعثات أجنبية للاطلاع على تجربتهم في تطبيق الحكومة الإلكترونية وعن نقطة الانطلاق التي بنوا عليها.
ولفتت الرياشي إلى أنّ الوزارة في طور إعداد الأولويات والمشاريع. والبداية يجب أن تكون بمكننة كل الأمور الإدارية إذ أنّ مستقبل وخلاص البلد هو بالمكننة التي تبدأ بمأمور النفوس والمختار أو الموظف في البلدية الذي يجب تدريبه.
هي ورشة كبيرة تطال الجميع في البلد. لذلك ستعمل الوزارة على توعية المواطنين على أهمية التحول الرقمي كما تدريب الموظفين في القطاع العام على المكننة.
وأكدت الرياشي أن مسار تنفيذ التحول الرقمي طويل ويحتاج إلى تمويل غير متوفر حالياً. وما يتم اليوم هو وضع الأساس لمن سيأتي من بعدنا ليبدأ بالبناء.
وختمت الرياشي بالتأكيد أن التحول الرقمي هو مستقبل البلد ولا نملك بعد اليوم ترف الوقت لتطبيق المكننة. إذ أنّ كلّ البلدان سبقتنا ولنأخذ القطاع الخاص مثالاً على كيفية تطبيقه للمكننة.
مراد: خطابات رنانة والتنفيذ معدوم
أما عن الأسباب التي أدت إلى التأخر بتطبيق التحول الرقمي بعد أن سبقتنا دول عربية عديدة، فأكد أستاذ اللسانيات الحاسوبية والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانية غسان مراد في حديث لـ “هنا لبنان” أن السبب الأساسي الذي يمنع تنفيذ حكومة إلكترونية هو عدم رغبة المسؤولين بالقيام في المبادرة، وغياب الإرادة للحفاظ على مؤسسات الدولة. لافتاً إلى أنه في لبنان تكثر الخطابات الرنانة وتطلق الوعود فيما التنفيذ معدوم. خصوصاً أن الحكومة الإلكترونية تحدّ من الفساد لأن مكننة الإجراءات الإدارية في الوزارات والإدارات تزيد من الشفافية وتصبح عملية الرقابة ومتابعة حركة الموظفين أفعل وأسهل. كما وتزداد الفعالية في أرشفة كل المعلومات وتكون بذلك عملية الإحصاء أدقّ لناحية الفئات العمرية والجنسيات… والأهم هو تأمين حق المواطن بالوصول إلى المعلومات، والحد من الفساد.
ومن الأمور التي تعيق أيضاً قيام الحكومة الإلكترونية هو عدم وجود الكفاءات اللازمة لتنفيذها.
وشدد مراد على أن الحكومة الإلكترونية تعني أن تصبح التكنولوجيا جزءاً من ثقافة الحياة بشكل شامل وبالتالي يجب أن يكون هناك إمكانيات حتى تستخدم هذه التكنولوجيا لتسيير أمور الحياة.
ومن مستلزمات الحكومة الإلكترونية وجود استراتيجية وتعاضد بين كل الناس إن كان من الناحية التربوية أو من ناحية الإدارة السياسية أو من ناحية نشر ثقافة التكنولوجيا. وأن يصبح كل ما يحصل في المجتمع مرتبطاً بالتكنولوجيا إن كان في ما يتعلق بتخليص المعاملات أو حق الوصول إلى المعلومات أو لكل الأمور الإدارية.
وإذ أشار مراد إلى ما نعيشه في لبنان من مشاكل وانقسام، لفت إلى أن أي انقسام يحصل في مجتمع معين من دون وجود تضافر للجهود الموجودة لا يمكن أن يؤدي إلى استخدام التكنولوجيا بشكلها الصحيح. وشدد على أن ليس في لبنان من سياسة واستراتيجيات للتنمية على الثقافة التكنولوجية في المجتمع اللبناني ما يؤدي إلى عدم سهولة تطبيق الحكومة الإلكترونية.
أما عن المدة التي يتطلبها تنفيذ الحكومة الإلكترونية أكد مراد أن تطبيق الحكومة الإلكترونية يحصل على مراحل وبالتدرج، ففي الأمور الإدارية من المفترض تحويل كل الوثائق الورقية إلى وثائق رقمية فمثلاً هناك دفاتر مكدسة من عشرات السنين لدى مأمور النفوس ويحتاج تحويلها من شكلها الورقي إلى شكلها الإلكتروني لأشخاص مدربين وهي مشكلة من المشاكل التي تعاني منها الإدارات في لبنان في عدم التدريب المستمر للموظف حتى يكون على اطلاع على كل التطورات.
وأكد مراد في هذا الإطار أن لا وجود للرقمنة في الإدارات اللبنانية حتى أن المنصات الموجودة حالياً في بعض الدوائر والوزارات لا تتيح للمواطن إجراء كل المعاملة بكل مراحلها إلكترونياً.
مراد لفت إلى أن التحول الرقمي ليس خطاباً، هم يطلقون الخطابات وينظمون المؤتمرات حول الحكومة الإلكترونية ويدفعون مبالغ هائلة لتنظيمها. فلمَ لا يتم توفير هذه التكاليف التي تدفع لتنظيم المؤتمرات من أجل تحويل الوثائق الورقية إلى وثائق إلكترونية ولبناء منصات إلكترونية تستخدم بالوزارات بشكلها الصحيح؟
كل هذه الأمور لا تحتاج وقتا أكثر من سنتين او ثلاثة إذا وجدت الاستراتيجيات والادارة التي تعمل بشكل جيد للانتقال إلى مرحلة الحوكمة الإلكترونية في لبنان.
“نحن بعيدون جداً عن تطبيق الحكومة الإلكترونية”، هذا ما أكده مراد الذي شدد على أن قيامها يحتاج إلى وجود حكومة بكل ما للكلمة من معنى، حكومة تهتم بأمور كل الناس وتعالج أمورهم. إذ أن المصطلح يتألف من كلمتين هو الانتقال من الحوكمة بشكل عام كحكومة بكل الإدارات الموجودة فيها الى استخدام التكنولوجيا التي نسميها الادوات الالكترونية، وبالتالي إنّ الجزء الأول غير موجود فكيف يمكن الوصول إلى الجزء الثاني من هذا المصطلح.؟
إذاً، من دون شفافية لا يمكن الحد من الفساد. والدواء الوحيد يكون عن طريق مكننة الإجراءات الإدارية في الوزارات الإدارات العامة وتطبيقها بالكامل، فإلى متى ستبقى المماطلة في البدء بتنفيذ الحكومة الإلكترونية؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |