فوق الـ 18


أخبار بارزة, خاص 17 آذار, 2023

مضى على خروج الجيش السوري من لبنان 18 عاماً، وبعدما كان جماعة 8 آذار يتلطون مخافة الاحتكاك بجمهور 14 آذار صاروا يتحكّمون في مفاصل الحياة العامة، بلا أيّ وازع، بتحوير الوقائع وإنكار الالتزامات الدستورية، والموجبات القانونية، فإذا ضعف الخصم استقووا، وإن قوي لانوا..


كتب راشد فايد لـ “هنا لبنان”:

يلوّح الرئيس نبيه بري بالدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، كعقوبة مؤكدة للقوى السياسية السيادية، على عدم رضوخها للتوافق على مرشح الحزب المسلح، ومحور إيران، ما يوحي، بالإستنتاج، أنه سيخرجها من الحياة السياسية، بينما تشي الوقائع، والمعطيات، بأن من يحتاج إلى هذا التوافق هو فريق رئيس مجلس النواب، خصوصاً إذا استرجعت ذاكرة “14 آذار” تضحياتها، من “الحلف الرباعي” الانتخابي المشؤوم (2005) إلى “معادلة” سعد الحريري، رئيساً للحكومة، مقابل ميشال عون، رئيساً للجمهورية،(2016) إضافة إلى تفاهم “معراب” ووِدّ بيت الوسط.

كان كل ذلك تحت عنوان “الوحدة الوطنية” التي أعمت قيادات “14 آذار” عن وقائع الغدر السياسي، الذي ترجم اغتيالات لخيرة وجوهها، وخروقات دموية للسلم الأهلي، وعزز انتساب البعض إلى محور إقليمي، ضد الهوية العربية للمنطقة، وأنعش النعرات المذهبية والطائفية، تحت شعارات “شيعة…شيعة”، وجر البلاد إلى تقسيم ديموغرافي، وأقام شبكات أمن واتصالات، ووزع العسس في كل منقلب.

لا يبرّئ كل ذلك، قيادات 14 آذار من مسؤوليتها عن نحر آمال جمهورها، في خضم ولادة انتفاضة الاستقلال، حين غلّبوا الآني على الآتي، وشغلهم تحاصص المقاعد النيابية، عن استراتيجية ترسم آفاق المستقبل وتنقل لبنان من أرض ائتلاف جماعات، إلى وطن انصهار إرادات، كما كان الحال في “عاميات جبل لبنان” سنوات 1820(انطلياس) و1821 (لحفد) ثم 1840(انطلياس مجدّدا).

ساهم خوف العرب والغرب، وبعض القوى، من اندلاع حرب أهلية، في تثبيط عزم قيادات 14 آذار، والحيلولة دون إسقاط رئيس الجمهورية، عنوان الهيمنة الأسدية، لكن تحقق أمر موازٍ هو خروج الجيش السوري من لبنان، في 26 نيسان 2005 إلى أكثر مما طُلب منه، فأعاد تموضعه في الأراضي السورية، متخلياً عن البقاء في البقاع، وهو ما طلبه مجلس الأمن الدولي في قراره الرقم 1559.

مضى على ذلك، إلى اليوم 18 عاماً، أو يكاد، وبعدما كان جماعة 8 آذار يتلطون مخافة الاحتكاك بجمهور 14 آذار، كما قال الوزير السابق وئام وهاب، في مقابلة متلفزة، صاروا يتحكّمون في مفاصل الحياة العامة، بلا أيّ وازع، بتحوير الوقائع وإنكار الالتزامات الدستورية، والموجبات القانونية، فإذا ضعف الخصم استقووا، وإن قوي لانوا. مثال ذلك، إقفال مجلس النواب، وتعطيل جلساته، واحتلال قلب العاصمة، حتى بات شبه مهجور، كأن في ذلك جزءاً من خطة لضرب خصوصية العاصمة. واليوم، بعدما كان تعطيل 12 جلسة انتخاب رئيس للجمهورية صناعتهم الثابتة، صار العكس أمنيتهم، ولو كانوا على ثقة مما يزعمونه قدرة لهم على توفير النصاب، لما كانوا انتظروا إلى اليوم لينتخبوا رئيساً. لكنهم يعرفون أن الأكثرية ليست متاحة لهم، وأنهم أعجز من أن يُخرجوا البلاد من أتون الأزمات التي أوصلت إليها سياساتهم لتخريب البنى السياسية والاقتصادية، وحجر لبنان عن علاقاته العربية والدولية التي ساعدته باستمرار في الملمات والأزمات.

اليوم، بعد 5 أشهر من تعطيل انتخاب رئيس للبلاد بات أهل الممايعة متحمسين للخروج من الفخ الذي نصبوه للآخرين، لكن بشروطهم، فهم لا يرون للمنصب غير سليمان فرنجية، ويرفضون وصفه بمرشح تحدّ، أو مرشح المحور الايراني، برغم أنه، شخصياً، يتباهى بعلاقته، سياسياً، وعائلياً، بالنظام السوري، وحجة الرئيس بري في هذا الدعم، أنه يريد رئيساً للبنان “يتحدث مع سوريا”، وأنّ الموارنة بدأوا من الشمال وتناموا، وتمددوا من هناك إلى كل لبنان، وفرنجية ابن هذا الشمال”.

حجة لا يمكن القول سوى أنها مهضومة، لكنها غير مقنعة لمن هم فوق الـ 18. فالرهان على مرشح الممايعة لترسيم الحدود وإعادة السوريين النازحين إلى بلادهم، ولمقاربة الاستراتيجية الدفاعية، لن يسهلها أن يكون الرئيس العتيد ابن الشمال، بل أن يكون سياديا صلباً. فمنذ 18 عاماً الى اليوم لم يصدف أن أحداً ممن كانوا المفاتيح المحلية للوصاية الأسدية “إلتمس” الرضا من الباب العالي لتحصيل إقرار سوري بلبنانية مزارع شبعا والغجر، وأحيا بيان بعبدا الذي انقلب عليه الحزب قبل أن يجف حبره، فيما الاستراتيجية الدفاعية رهن “التطنيش”، وهدنتا “ترسيم الحدود” البحرية، و”قواعد الإشتباك” البرية، لا يدري بفحواهما سوى الراسخون في العلم.

سؤال استطرادي مستحق يطرح: بادر رئيس مجلس النواب إلى احتضان مفاوضات الترسيم البحري الذي يفترض أنه من عمل الحكومة، فلماذا لا يبادر إلى رعاية ترسيم الحدود مع سوريا، وهو (كان) حارس العلاقات معها، وحليفها الأوثق، على الأقل حتى اندلاع ثورة شعبها على النظام؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us