أزمة غاز تلوح في الأفق: سوق سوداء ومطالب بالتسعير بالدولار وإلّا…
بعد الدولرة في المطاعم والسوبرماركت، يطالب موزّعو المحروقات ومنها الغاز بالتسعير بالدولار إذ أنّ التقلّبات المستمرة في سعر الصرف تعود عليهم بالخسارة..
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
وسط الانهيار الدراماتيكي للعملة اللبنانيّة مقابل الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي كاد يلامس حافّة الـ 150 ألف ليرة قبل انخفاضه بعد بيان حاكم مصرف لبنان، قد تنتظر اللبنانيين أزمة شحّ بمادّة الغاز في الأسواق اللبنانيّة. حيث علت صرخة نقابة موزّعي المحروقات، التي طالب أصحابها وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض، بإصدار جدول تركيب الأسعار بالدولار الأميركيّ، مهددين بتوقّف هذا القطاع عن العمل في حال عدم التجاوب مع مطالبهم.
40% من أصحاب المتاجر يرفضون الدفع بالدولار
وفي هذا الإطار، يشرح رئيس نقابة موزعي الغاز في لبنان، فريد زينون، في حديث خاص لموقع “هنا لبنان”، “أننا أوّل من طالب المعنيين بدولرة أسعار الغاز، منذ أن لامس سعر صرف الدولار في السوق السوداء حدود الـ 30 ألف ليرة، لأنّنا كنا مدركين إلى أين سنصل”، موضحاً “إننا كموزّعين نشتري القوارير من الشركات بالدولار، ونبيعها للمحلات بالليرة اللبنانيّة. حيث يرفض 40% من أصحاب المتاجر الدفع بالدولار، فيما نواجه كموزعين مشكلة في تأمين الدولار من السوق السوداء. لأنّ الصرافين يتوقفون عن بيع الدولار كلّما بدأ بالارتفاع، ما يسبب أزمة سيولة. فمن أين سنأتي بالدولارات للشركات، إذا ما أصرّ أصحاب المتاجر على الدفع بالليرة اللبنانيّة؟”
سوق سوداء لقوارير الغاز
ويضيف زينون، “المحلات التجاريّة أصبحت سوقاً سوداء، حيث يشتري أصحابها قارورة الغاز بالليرة اللبنانيّة، ويبيعونها إمّا بالدولار، أو وفق تسعيرتهم الخاصّة، غير ملتزمين بتسعيرة وزارة الطاقة، والتي تفرض بدورها بيع القارورة بالليرة اللبنانية حصراً”. ويفسّر أنّ “صاحب المتجر إذا اشترى يومياً 10 قوارير غاز، بمليون و534 ألف ليرة للقارورة الواحدة، ستكلّف صاحب المتجر حوالي الـ 15 مليون و340 ألف ليرة يومياً، ليحقق ربح 50 ألف ليرة على مجمل الـ 10 قوارير (لأنّ ربحه المحدد وفق الوزارة هو 5000 ليرة في القارورة الواحدة) وبالتالي ستكون التجارة خاسرة. وهو ما يدفع بأصحاب المتاجر إلى وضع تسعيرة أعلى من تسعيرة الوزارة لتحقيق المزيد من الأرباح وحماية أنفسهم من الخسارة”، سائلاً: “فلماذا علينا نحن الموزعون الالتزام بجدول وزارة الطاقة إذا ما كانت الشركات والمتاجر تبيع السلعة بالدولار؟”
واستشهد زينون بخطوة وزيري السياحة والاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال، وليد نصّار، وأمين سلام، بدولرة أسعار الموادّ الغذائيّة في المتاجر، والسماح للمطاعم بالتسعير بالدولار، مستغرباً “رفض وزير الطاقة الدولرة بحجّة عدم موافقة الهيئات الاستشاريّة على هذه الخطوة”، ومعتبراً أنّ “الدولة تدفع مواطنيها إلى السرقة”، مبرّراً مطالبه “بحجم التكاليف التي يتكبّدها الموزّعون بالدولار، من تصليح الشاحنات وقطع الغيار التي أصبحت أسعارها بالدولار، والارتفاع بأسعار المحروقات، وحتى مطالبة سائقي الشاحنات ومعاونيهم بتقاضي رواتبهم بالدولار، وهذه جميعها أكلاف يتكبدها الموزعون” بحسب زينون.
لذلك، يتابع، “نطالب كنقابة وزير الطاقة بوضع سعر ثابت لقارورة الغاز بالدولار، وهو قابل للارتفاع أو الانخفاض في حال ارتفعت الأسعار العالميّة للغاز أو انخفضت، في المقابل تترك حريّة الدفع للمستهلك بالدولار أو بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق السوداء”.
قارورة الغاز تلامس المليوني ليرة!
وللتأكّد من صحّة كلام زينون، جال “هنا لبنان” على بعض متاجر السمانة اللبنانيّة في كلّ من منطقة بيروت وجبل لبنان ليتبيّن لنا أنّ أصحاب المحلات التجاريّة، يبيعون قارورة الغاز بـ13$ أيّ بمليون و846 ألف ليرة، (عندما لامس سعر الصرف 142 ألف ليرة للدولار الواحد)، في حين أنّ سعر القارورة وفق جدول الوزارة الذي صدر بتاريخ 21-3-2023 هو مليون و538 ألف ليرة. فيما وصلت القارورة الواحدة في محلات أخرى إلى الـ 14$ ملامسة بذلك حاجز المليوني ليرة. بحجّة أنّ صاحب المتجر يريد حماية نفسه من الخسارة في حال انخفض السعر أو ارتفع.
التسعير بالليرة vs الدولار: ما الأفضل؟
وفي السياق ذاته، ينضمّ الخبير الاقتصادي باتريك مارديني إلى زينون، مشيراً في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” إلى أنّه “يجب دولرة أسعار الغاز في لبنان، لكوننا نستورد هذه السلعة بالدولار من الخارج، فيما التقلبات بسعر الصرف تؤدّي إلى عدم وضوح في الرؤية لجانب المستهلك وموزّعي الغاز حول آليّة وكيفيّة التسعير”، معللاً أنّ “المستهلك أصبح يشتري القارورة بمليوني ليرة، وهو أغلى بكثير من سعر تسعيرة الوزارة بسبب تقلبّات سعر الصرف، أمّا في حال تمّ تسعير القارورة بالدولار فبإمكان المستهلك شراء الدولار من السوق السوداء فرضاً بـ133 ألف ليرة ودفع ثمن القارورة بالدولار، وبالتالي يكون المستهلك قد دفع ثمن القارورة أقلّ بالليرة اللبنانيّة”.
وتابع مارديني “مشكلة التسعير بالليرة اللبنانيّة تؤدّي إلى اعتماد سعر مجحف بالعملة الوطنيّة وإلى آلية تسعير غير واضحة، فيما دولرة السعر ستضمن لنا سعراً مستقرّاً نوعاً ما، وبالتالي التسعير بالدولار سيعطي رؤية أفضل وقدرة للمستهلك على المقارنة في الأسعار بين متجر وآخر ما يفعّل المنافسة”.
وعن القطاعات الأكثر تأثرّاً بهذه الخطوة يقول مارديني “في الدرجة الأولى سيتأثّر المواطنون الذين يستخدمون الغاز بشكل رئيسي للطبخ، ومن ثمّ للتدفئة. ويأتي القطاع الصناعي بالدرجة الثانية حيث تعتمد بعض الصناعات على الغاز، وفي الدرجة الثالثة تأتي بعض الأعمال الحرّة، كالحلاقين الذين يعتمدون على الغاز لتسخين المياه مثلاً، لكونه أرخص من فاتورة المولدّات والأمر مماثل بالمنازل”.
المطلوب معالجة للنقد ولجم انهيار سعر الصرف
وفي حديث مع عضو لجنة الإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط، النائب رازي الحاج، طلب أوّلاً “تصحيح تعبير “الدولرة” المستخدم، معتبراً أنّ ما يحصل لا يعتبر دولرة، فهذه الأخيرة تكون عندما يتمّ فرض استعمال عملة الدولار كوسيلة للدفع، فيما ما يطالب به الناس هو إمكانية التسعير بالدولار، أيّ أن يتم اعتماد مؤشر حقيقي لسعر السلعة على ألّا يتقلب وتقلبات سعر الصرف في السوق الموازية”.
والنقطة الثانية التي أشار إليها الحاج، هي أنّه “في الأزمات النقدية يكون الاستقرار منعدماً، والركود والانكماش الاقتصادي في أوجّه والدولة تسجّل نموًّا سلبياً، لذلك كل ما يتمّ اقتراحه من حلول لن يحقق اختلافاً ملموساً”.
فما يجب فعله بحسب الحاج هو “معالجة حقيقيّة للنقد وانهيار سعر الصرف وذلك يتحقق بأمرين:
أوّلاً، عدم ربط إيرادات الدولة بالسياسة النقدية.
وثانياً، تكوين احتياطي بالعملة الصعبة مع إعادة إحياء للنظام المصرفي واسترجاع الثقة والعمل على دورة اقتصادية طبيعية، وكلّ ما عدا ذلك ليس سوى ترقيع للأزمة، وحلول مؤقتة”.