قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي يمهّد لكارثة تقنيّة وفوضى في جميع القطاعات
غاب عن بال المعنيين أنّ التخفيف على الصائم لا يكون بإطالة أو تقصير ساعات الصوم، بل بمساعدة الصائم على تأمين ثمن إفطاره والذي تتخطى كلفته ليوم واحد فقط الحدّ الأدنى للأجور الذي يتقاضى وفقه الموظّف راتبه لشهر كامل!
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
في سابقة تاريخيّة، قرّر كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي استثنائياً هذا العام إلى منتصف ليل 20 ــــ 21 نيسان 2023، بذريعة التخفيف على الصائم في شهر رمضان المبارك ساعة واحدة. وعلى ما يبدو غاب عن بال المعنيين أنّ التخفيف على الصائم لا يكون بإطالة أو تقصير ساعات الصوم، بل بمساعدة الصائم على تأمين ثمن إفطاره والذي تتخطى كلفته ليوم واحد فقط الحدّ الأدنى للأجور الذي يتقاضى وفقه الموظّف راتبه لشهر كامل!
إلاّ أنّ قرار تأجيل بدء العمل بالتوقيت الشتوي لم يكن “بلا طعمة” فقط! (حيث لن تتأثرّ به ساعات الصائم، التي ترتكز على شروق وغروب الشمس) بل سبّب حالة من الضياع والبلبلة، خصوصاً لدى المسافرين وشركات الطيران التي اضطرت إلى تعديل جميع تواقيت الحجوزات التي كانت قد احتسبت وفق التوقيت الصيفي المعتاد. حيث أعلنت شركة MEA عن تقديم مواعيد إقلاع جميع الرحلات المغادرة من مطار رفيق الحريري الدولي ساعة واحدة ابتداءً من منتصف ليل 25-26 آذار لغاية منتصف ليل 20-21 نيسان 2023.
وفي الإطار نفسه، كشفت مصادر مقرّبة من شركتي الخليوي “ألفا” و”تاتش” في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” أنّ “كلتا الشركتين عملتا على أن يتمّ تعديل وضبط الوقت بحسب التاريخ الجديد المعدّل، ما يعني أنّ الساعة على شاشة الهواتف الخليويةّ للبنانيين ستتغيّر تلقائياً في الليل الفاصل بين تاريخ 20 و21 نيسان المقبل، عند منتصف الليل”.
القرار كارثة تقنيّة
ومن جهته، يقول خبير التطور الرقمي والأمن السيبراني رولان أبي نجم في حديثه لموقع “هنا لبنان” إنّ “الموضوع كارثة تقنية على جميع الأصعدة للأفراد والشركات وشركات الطيران والاتصالات وغيرها”.
موضحاً أنّ “المسألة لا تتعلّق فقط بتغيير الساعة على الهاتف الخليوي بل هناك ما يعرف بالـ IoT Internet of Things أيّ كل الأجهزة في العالم من تلفاز وكاميرات مراقبة وغيرها مرتبط بالإنترنت بالإضافة إلى كل الـ Servers وأجهزة وبرامج حماية وغيرها أيضاً، وإذا لم تتراجع الحكومة عن هذا القرار سيؤدّي إلى كارثة تقنية ومشاكل لا تحصى”.
فالمشكل الرئيسي يتابع أبي نجم هو بأنّ “الخطّ الخليوي موصول على الإنترنت ويعتمد تلقائيا توقيت لبنان gmt+2 وفور وصولنا إلى أيّ دولة في العالم يقوم الهاتف بتحديث تلقائي للتوقيت، أمّا الآن فأصبح متوجّباً على كلّ صاحب هاتف الدخول إلى هاتفه وتوقيف الـautomatic adjust تعديل التوقيت manually”.
وأكثر المتضررين إلى جانب شركات الطيران، برأي أبي نجم، هم الأفراد الذين يستخدمون الإنترنت بشكل يومي في حياتهم، ومنهم الشركات اللبنانيّة التي تنظّم عملها وفق هذا التوقيت، وأصحاب المواقع الإخباريّة المتواجدة بالأساس على سيرفرات خارج لبنان، والتي قد تحجب عن الإنترنت، في حال أبقت الحكومة على قرارها، حيث ستتغيّر تواقيت جميع الدول ما عدا لبنان، الذي لن يبقى توقيته على الـ gmt+2″.
ويعتبر نجم أنّ “هذا القرار عبثيّ”، مستشهداً بالكويت التي “أخذت قراراً بعدم تقريب أو تأخير الوقت، والذي درسته الدولة جيداً وحضّرت شركاتها وأفرادها ومؤسساتها الرسميّة على مدى أكثر من شهر قبل البدء بتطبيق القرار”.
ما يحصل خرق لسيادة لبنان
بدوره، يشير رئيس نقابة المعلوماتية والتكنولوجيا في لبنان جورج خويري في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” إلى أنّ “كلّ ما نستخدمه في مجال التكنولوجيا من هواتف ذكيّة ولابتوب وكومبيوتر وحتى غوغل والواي فاي، سيتأثرّ بهذا القرار بشكل سلبي. ومن أبسط الأمثلة على مخاطر القرار نذكر: إذا أرسلت لنا دعوة لاجتماع على تطبيق “زوم” من خارج لبنان، أميركا أو فرنسا مثلاً، سيصبح هناك تضارب في التواقيت، ما قد يجعل الفرد يتأخّر حوالي الساعة والنصف تقريباً عن موعد الاجتماع والأمر نفسه سيتأثّر به الموظفون الذين يعملون عن بعد للخارج (remotely)”.
“حتى أن أغلب التطبيقات كالـ any desk (يسمح لصاحبه بالدخول إلى كومبيوتر آخر في بلد آخر للعمل عليه) لن يتمكّن من الاتصال بالجهاز الآخر بسبب فرق الوقت غير المعترف به عالمياً وفق الـntp ( network time protocole) فسيعتبره time stamp وسيقوم بـblock ، للمستخدم أي سيحجبه”، بحسب خويري.
والخطورة لا تقف هنا، يضيف خويري، فمسألة اللعب بالتواقيت تشكّل خطراً على التحويلات المصرفيّة، حيث ستسود حالة ضياع في تواقيت السحب والايداع ما يفسح المجال لعمليات غشّ. والخطورة أيضاً تطال الأمن الإلكتروني للأجهزة، فإذا حاولنا الدخول على الـ firewall) وهو نظام أمان للشبكة يراقب ويتحكم في حركة مرور الشبكة الواردة والصادرة بناءً على قواعد أمان محددة مسبقًا) من جهاز مربوط بالتوقيت الملتزم بقرار الحكومة، سيعتقد أنني هاكر، وسيوقفني. وحتى غوغل سيقوم بإغلاق جميع صفحاته بوجه المستخدم اللبناني، إذا لم يتمّ تعديل الوقت manually “.
ويختم بالإشارة إلى أنّ “هذا القرار كان يجب دراسته جيداً قبل إصداره، مع تجهيز المؤسسات الرسميّة والشركات الخاصّة مسبقاً، قبل يومين على الأقلّ، والتواصل مع هيئة “أوجيرو” في حال الإصرار على الإبقاء على هذا القرار للقيام بتحديث للتواقيت والتواصل مع الجهات الخارجيّة المتصلة بالسيرفرات والتي تورّد الإنترنت إلى لبنان”، مستشهداً بالأردن “التي تحضّرت لهذه الخطوة قبل شهر من تطبيقها وأخذ الانتقال من التوقيت السابق إلى الجديد فترة طويلة من العمل والتنظيم”.
ويشدد على أنّ “ما يحصل خرق لسيادة لبنان، حيث كافحنا أكثر من 20 سنة لوضع لبنان على التواقيت العالميّة، أمّا اليوم وبفضل هذا القرار سنضطر إلى العودة لاستخدام توقيت القاهرة”.
النائب أسمر: القرار عشوائي وعلى الدولة إلغاؤه
وينضمّ النائب سعيد أسمر إلى كلّ من الخبير أبي نجم، والنقيب خويري، كاشفاً عن مؤتمر صحفيّ سيعقده يوم غد في الضبية عند الساعة الـ 11 صباحاً، بحضور متخصصين في مجال البرمجة والعالم الرقمي، لتسليط الضوء على مخاطر قرار الحكومة بشأن تعديل التوقيت.
وفي حديث لـ “هنا لبنان” يؤكّد أنّ “لهذا القرار مخاطر عدّة تهدد عمل شركات البرمجة، واللبنانيين الذين يعملون لشركات في الخارج، وشركات “السوفتوير” وغيرها من المؤسسات المصرفية والاقتصادية والماليّة والإلكترونيّة. فالمواعيد والجداول اختلطت، وكبّدها القرار جهداً مضاعفاً لتطبيق التعديلات الجديدة وفق التواقيت الجديدة”، مؤكّدا أنّ “هذا القرار عشوائي، وعلى الدولة إمّا إلغاؤه نهائيًّا أو التحضير له منذ وقت”.