استحقاق البلديات على المحك…و”أهون الشّرَّين” تصريف الأعمال
العقبات التي تعترض إجراء الانتخابات البلدية كثيرة ولا تتوقف عند القرار السياسي بالتنظيم أو التأجيل، أو تأمين التمويل اللازم لتنظيمها وإنما تتجاوزها إلى أمور لوجستية وإدارية القرار فيها ليس فقط بيد المسؤولين.. وفي حال عدم إجراء الانتخابات، فكيف سيكون مصير البلديات والمجالس الاختيارية إن لم تنعقد جلسة تشريعية؟
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
تجاهر كل القوى السياسية بوجوب إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، إلّا أنّ ما يُقال علناً معاكس لما هو مُضمر. لا أحد يريد أن يتبنّى تطيير هذا الاستحقاق، وبين التجاذبات السياسية وتشابك المصالح عوامل عديدة قد تكون ذريعة يستند عليها المعطلون لعدم إجراء الانتخابات.
1057 بلدية أمام مصير مجهول في ظل وجود 115 بلدية منحلة. ففي 31 أيار، تنتهي الولاية الممدّدة لتلك المجالس. وبالتالي يجب إجراء هذا الاستحقاق قبل هذا التاريخ. فيما أكّد وزير الداخلية بسام مولوي أكثر من مرة استعداد الوزارة لإجراء هذا الاستحقاق في مواعيده على أربع مراحل، حيث يشهد كل يوم أحد على العملية الانتخابية في واحدة من المحافظات. ولكن العقبات كثيرة ولا تتوقف عند القرار السياسي بالتنظيم أو التأجيل، أو تأمين التمويل اللازم لتنظيم الانتخابات في مختلف المناطق اللبنانية، وإنما تتجاوزها إلى أمور لوجستية وإدارية القرار فيها ليس فقط بيد المسؤولين.
أمّا الأخطر فهو في عدم إجراء الانتخابات، فما هو مصير البلديات والمجالس الاختيارية إن لم تنعقد جلسة تشريعية؟
الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك أكد لموقع “هنا لبنان” أنّ الانتخابات البلدية والاختيارية تخضع لقانون البلديات الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 77/ 118 تاريخ 1977/6/30 وقد نصت المادة 14 منه صراحة على أنّ الهيئات الناخبة تُدعى بقرار من وزير الداخلية أي أنّها ليست بحاجة إلى مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء وذلك خلال الشهرين السابقين لنهاية ولاية المجالس البلدية، ما يفيد بأنّ الولاية تنتهي في أواخر أيّار وبالتالي إنّ مهلة الدعوة تبدأ من آخر آذار أي بدءاً من مطلع نيسان ولكن اشترطت الفقرة الثانية من المادة 14 أن تكون المهلة الفاصلة بين تاريخ نشر قرار دعوة الهيئات الناخبة واجتماع الهيئات الناخبة ثلاثين يوماً على الأقلّ. ولأنّ الانتخابات البلدية ستجري على مدى 4 أسابيع (محافظة كلّ أسبوع)، من المرجح أنّه إذا كان هناك من دعوة للهيئات الناخبة فإنّها ستتمّ حكماً قبل 6 نيسان لأنّ الانتخابات إذا حصلت فإنّ الجولة الأولى ستجري في 7 أيّار على أن يليها في 14 و21 و28، وبالتالي لا نزال ضمن المهل.
التمويل واردٌ إن وُجِدت النية
مالك لفت إلى عقدة تمويل هذه الانتخابات إذ أنّه من الثابت أنّ موازنة عام 2022 قد فرغت فيما موازنة 2023 لم تقرّ بعد. ويتعذّر صدور قانون فتح اعتماد عن مجلس النواب نظراً للكباش السياسي الحاصل حول ما إذا كانت اليوم الهيئة العامة لمجلس النواب هي هيئة ناخبة أم اشتراعية، بالتالي لا يمكن على الإطلاق التعويل على صدور قانون بهذا الخصوص وهنا يأتي دور الحكومة في تأمين الاعتمادات إمّا عن طريق قبول هبات بمراسيم تصدر عن مجلس الوزراء وإمّا عبر استعمال حقوق السحب الخاصة SDR التي هي بتصرف الحكومة كما فعلت بالنسبة إلى القمح والفيول وجوازات السفر حيث سحب لجوازات السفر 13 مليون دولار من هذه الأموال. وبالتالي اليوم ما الأهم تأمين جوازات سفر أو إجراء انتخابات بلدية واختيارية بمبلغ 8 مليون دولار؟ إذا كان هناك من نية فتأمين الاعتمادات وارد.
وماذا عن الجهاز البشري؟
العقبة اللوجستية هي العقبة الثانية والأهم، إذ أنّه من جهة الجهاز البشري هل القضاة جاهزون من أجل مواكبة هذه الانتخابات؟ وهل المعلمون وأساتذة المدارس والموظفون في القطاع العام على استعداد لمواكبة هذا الاستحقاق؟ وهم لا يتقاضون رواتبهم ومنقطعون عن عملهم ضمن إطار إعلان إضراب عام مفتوح. هي قضايا يتوجب النظر إليها ومواجهتها.
أمّا السؤال الآخر فهل هناك إمكانية لتأمين إخراجات قيد وسجلات عدلية وأوراق ومستندات لما يقارب 100 ألف مرشح فيما الدولة مفلسة وليس باستطاعة المواطن الاستحصال على أيّ مستند من أيّ دائرة؟ فعن أيّ انتخابات نتكلّم؟
وهنا يشرح مالك: “عدد البلديات راهناً 1057 وإذا سلّمنا جدلاً أنّ قطار الانتخابات قد انطلق ومعدل كلّ بلدية لا يقل عن 10 أعضاء اليوم نتكلم عن 10 آلاف موقع يجب أن يُنتخب يقابله مئة ألف طلب ترشيح وبالتالي هل يعقل أن تتمّ تلبية 100 ألف مواطن بأيّام معدودة لأنّ هناك مهل الترشيح ونحن على قاب قوسين أو أدنى من انقضاء هذه المهل”.
عقبة قانونية
إجراء الانتخابات واجبٌ يفترض أن يحصل ولكن نحن أمام رزمة كبيرة من المصاعب من الاستحالة مواجهتها.
وهنا تبرز إشكالية أساسية في حال عدم إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية فهل يمكن أن يلتئم مجلس النواب ليمدّد للمجالس البلدية والاختيارية لعام إضافي أو هل تنتهي المهلة دون قانون للتمديد ونقع بالمحظور؟
الإجابة على هذا السؤال تقودنا إلى التمييز بين المجالس البلدية والمجالس الاختيارية والمخاتير في هذه الحالة.
بالنسبة إلى المجالس البلدية وإذا سلّمنا جدلاً في أنّ الانتخابات لم تجر ومجلس النواب لم يصدر قانوناً بالتمديد فتصبح عندها مجالس البلدية منتهية الولاية. وفي هذه الحالة توجد سوابق قد عالجت الموضوع في عام 1969 حتى 1971 وعام 1989 حتى 1991 حين استمرت المجالس البلدية بعملها من دون قانون لفترة عامين ومن ثم صدر قانون بمفعول رجعي غطى هذه الأعمال بشكل قانوني.
واليوم إذا أصبحت البلديات منحلة وبعهدة القائمقام أو المحافظين يعني هناك البكاء والعويل وصرير الأسنان لأن ليس باستطاعة أي قائمقام القيام بمهام 1057 بلدية بالتالي لا نكون أمام حلٍّ مثاليٍّ بل أمام كارثة ممكن أن تحلّ بالبلديات والبلدات.
ويرجح مالك أنّه بحال وصلنا إلى هذا الاستحقاق من دون أن تجرى الانتخابات خيار أن تصدر وزارة الداخلية تعميماً أو قراراً عن مجلس الوزراء -أو أيًّا كان الإخراج- بالطلب من البلديات الاستمرار بعملها عملاً بمبدأ استمرارية المؤسسات وذلك من أجل الحفاظ على مصالح البلاد والعباد على أن يُصار إلى استصدار قانون مستقبلاً من أجل تغطية هذه الحقبة التي تبدأ من أوّل حزيران حتى صدور القانون حينما يصدر. وذلك ضمن إطار الحدّ الأدنى أو المفهوم الضيّق لتصريف الأعمال إلى حين إجراء الانتخابات.
ولكن هذا الحل لا ينطبق على المخاتير. ويؤكّد مالك أنّه من المؤسف أن لا وجود لأي إمكانية أن يحلّ أيّ مرجع مكان المخاتير. إذ لا يمكن تكليف المختار ضمن إطار تصريف الأعمال فهو منتخب ضمن ولاية محددة. فإذا رفضت بلدية ما الامتثال إلى قرار تصريف الأعمال عندها يتسلّم المهام القائمقام ولكن من ينوب عن المختار في حال رفض استكمال أعماله؟ فلا يمكن إلزام المختار بالقيام بمهام وهو مبدئياً منتهي الولاية والمدة التي انتخب من أجلها قد انقضت. فحتى لو صدر قرار طلب من المخاتير تصريف الأعمال، يعتقد مالك أنّ المخاتير سيسلّمون أختامهم إلى القائمقام لأنّ ذلك يعتبر انتحالاً للصفة ويرتّب عليهم مسؤوليات وبالتالي نحن أمام مأزق كبير في ما خصّ المخاتير.
وعلى ما يبدو أنّه إذا لم تبذل الجهود لإتمام هذا الاستحقاق، فسيكون المواطن اللبناني أمام أزمة أخرى وشلل إضافي خصوصاً انّ جوانب عدة من حياته ترتبط بإجراءات بلدية واختيارية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |