رغم الصعوبات.. نساء في “شرطة البلدية”!
لم تقف الصعوبات عائقاً أمام جنان كرباج وراميا الخوري، اللتين تقفان لتنظيم السير في الأيام (العادية) وفي المناسبات الاجتماعية والدينية في بلدتيهما الباروك – الفريديس، وكفرنبرخ دون أن تأبها لأيّ تعليقات تسمعانها، لتثبتا لنفسيهما أن السلام الداخلي والتصالح مع الذات هو الأهم والأساس في التعامل مع الناس، مع ما يتطلّبه من سمات شخصية تجعلهما تتخطيان التحديات بكل روح رياضية.
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
في لبنان الّذي يغلب مجتمعه الطابع الذكوري، التعليقات تلاحق النساء عادةً أينما كنّ، فكيف إذا كانت المرأة شرطية تفرض القوانين والأنظمة وتحرص على تطبيقها في تقاطعات الشوارع الرئيسية في بلدتها؟
لم تقف الصعوبات عائقاً أمام جنان كرباج وراميا الخوري، اللتين تقفان لتنظيم السير في الأيام (العادية) وفي المناسبات الاجتماعية والدينية في بلدتيهما الباروك – الفريديس، وكفرنبرخ دون أن تأبها لأيّ تعليقات تسمعانها، لتثبتا لنفسيهما أن السلام الداخلي والتصالح مع الذات هو الأهم والأساس في التعامل مع الناس، مع ما يتطلّبه من سمات شخصية تجعلهما تتخطيان التحديات بكل روح رياضية.
ولم لا؟ فلكل واحدة منهما هوايتها ومميزاتها، إذ أن جنان كرباج ابنة بلدة الباروك – الفريديس الشوفية كانت مدربة kickboxing وتحمل الحزام الأسود، ومعروفة بلياقتها البدنية ونشاطها في العمل، فيما رامية الخوري معلمة موسيقى، لحنت ومثّلت في مسرح جيزيل هاشم زرد وكان عملها كله مع الأطفال، وتعتبر الإرادة مفتاح النجاح في الحياة .
وتؤكد كرباج في حديث لـ “هنا لبنان”: رغم كل الظروف العصيبة والموجعة للبنانيين، أندفع أكثر للاستمرار في عملي في خدمة بلدتي وأبنائها لأن محبتي لهم لا تقاس، ولا أنسى التشجيع الذي لقيته منهم عند استلامي مهامي في البلدية من الصغير والكبير، الباروك جنة الله على الأرض”، لافتة إلى أنها تتواجد في شوارع بلدتي الباروك والفريديس (نظراً لدمجهما في بلدية واحدة) الرئيسية منذ 6 سنوات، و “أحياناً لا يخلو الأمر من عدم تجاوب بعض الأشخاص مع طلباتي وإرشاداتي لهم، لكن بوجود الأهالي وزملائي ورئيس البلدية ودعمهم الدائم لي تصبح الأمور سهلة، وبذلك أتخطى هذه الإشكالات الصغيرة”.
أما الخوري فقد تعينت كشرطية بلدية في 4 شباط 2017، لتكون أول شرطية بلدية في الشوف “كان الأمر صعبًا جدًّا على الناس وليس عليّ، صعب لناحية تقبلهم الفكرة، وقد تقدّمت لهذه الوظيفة بعدما سُدّت الأبواب في وجهي لناحية غياب دعم الدولة للنشاطات الفنية والموسيقى والمسرح”.
وتبدي الأم لولدين رفضها للتفكير السائد بأن هذا العمل للشباب وليس للشابات، “حتى أنّني سمعت من بعضهم “أنت فتاة ولا يمكنك أن تقومي بعمل كهذا”، و “لا يمكنك الوقوف على الطريق لأن الطريق ليس للشابات”، ومنهم من قال “هذا العمل يقتل أنوثتك ويقتل نعومتك”، لتعلق “هذه ليست أكثر من أفكار مغلوطة يزرعونها في رؤوسنا منذ الطفولة من خلال التربية”.
في المقابل تُعدّ كرباج الشرطية الوحيدة في بلدية الباروك – الفريديس مقابل 6 عناصر شباب في الشرطة، والشابة الوحيدة في البلدية كلها، حيث كان لهذا العامل أثره في شخصيتها وعملها “هذا العمل عزز لي ثقتي بنفسي أينما ذهبت وفي كل الأوقات”.
القوة والليونة ميزتان تجتمعان لدى الشرطيّتين في الوقت نفسه انطلاقا من متطلبات هذا العمل الميداني بطبيعته، القوة لناحية واجبهما بفرض القوانين والنظام العام في بلدتيهما والليونة لناحية الأسلوب المعتمد في تطبيق ذلك، لتثبتا من خلال شغفهما بعملهما الحرص على ترك بصمة لهما في قلوب الناس وجميع العاملين في مركزي بلديّتيهما من رئيس البلدية إلى أصغر موظف.
وبالعودة إلى الخوري، تبدي إيمانها بأن الإنسان قادر بإرادته على تغيير الكون، متطرقة إلى بعض التحديات التي تواجهها “مجتمعنا الذكوري لا يتقبّل تلقّي الأوامر من فتاة: من أنتِ لكي تقولي لي لا تركن سيارتك هنا أو لا تمر من هذا الطريق، خصوصاً إذا كان للشخص مركز مرموق في المجتمع، لكن المرأة قادرة بابتسامتها أن تقتل كبرياء أي رجل”.
وتشرح بأنّ “التي تقنع الطفل بأن يتناول الدواء المر وهو سعيد، بإمكانها أن تلين أقسى رجل”، مشيرة إلى أنها بأسلوبها السّلس تمكّنت من تخطّي صعوبة التعامل مع الناس، على الرغم من معاناتها معهم في الفترة الأولى، وأضافت “أشجّع أيّ شابة بأن تخوض التجربة وألّا تخاف لا من المجتمع ولا من أهلها ولا من أصدقائها، فليس هناك من عمل خاص بالشباب وآخر خاص بالشابات”، مقدمة النصيحة لشابات اليوم “أنتِ قادرة على فعل أي شيء ترغبين به، الأمر لا يتطلّب سوى القليل من الإرادة وأنتِ قدها ما تخافي”.
في المقابل تشير كرباج بأن واقع بلدية الباروك – الفريديس السياحي يفرض نفسه على عملها لناحية التواجد أكثر على الأرض والتعاطي المباشر مع الناس، من التواجد في مبنى البلدية، كاشفة عن الدرس الأهم الذي تعلمته في مسيرتها كشرطية بلدية وهو “الأسلوب السلس في التعاطي مع الناس، والصبر في كل الظروف والاحترام المتبادل، فهذه العوامل تشكل مفاتيح نجاح التعامل مع الناس”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |