نسبة الهدر تصل إلى 60%… و”الفوترة” تكشف كميات الكهرباء الضائعة!
ما يجري في قطاع الكهرباء من “إصلاحات” لا يتعدى كونه مسرحية لإقناع البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية، بأن خطوة رفع التعرفة هي خطوة إصلاحية جدية ذات نتيجة، إنما العبرة في التنفيذ.
كتبت يارا الهندي لـ “هنا لبنان”:
لطالما تحدث اللبنانيون عن تفاوت نسب جباية فواتير الكهرباء بين مختلف المناطق اللبنانية… فالأرقام الآتية، صرّح عنها مدير عام كهرباء لبنان كمال حايك، ليتبين أن نسبة الجباية في كهرباء لبنان بحسب التسعيرة الجديدة:
جونية والبترون 75٪
بعلبك والهرمل 0٪
النبطية 12%
علامات استفهام عدة تطرح في هذا الصدد، نتيجة التفاوت القائم بين المناطق، إلا أنه من الضروري التمييز بين “الفوترة” والجباية، ليوضح مدير عام الاستثمار في وزارة الطاقة والمياه سابقاً غسان بيضون في حديث خاص لـ “هنا لبنان”، الفرق بين المصطلحين.
فالفوترة هي الكهرباء الموزعة من قبل المؤسسة على شبكتها، من المفترض أن تمرّ على عدادات المشتركين، ومن الممكن أن يستمدها المشتركون وغير المشتركين بطريقة غير شرعية. فإما أن يكون لديهم عدّاد ويسرقوا الكهرباء (يعلّق على الكهرباء)، إما أن لا يملكوا عدادًا، مثل النازحين في المخيمات، وعدد من المواطنين. هذه الفوترة، هي النسبة المهمة التي من خلالها نكتشف كميات الكهرباء الضائعة، والموزعة من دون استرداد قيمتها. فهذا ما يُسمى بالهدر غير الفني، بحسب بيضون. أما الهدر الفني، فهو نتيجة أعطال الشبكات والمسافات، كنقل كهرباء من محطة نقل إلى الأخرى فيضيع جزء من الحرارة.
فقبل الأزمة وتوقف قدرة الإنتاج، يشير بيضون إلى أن نوعي الهدر المذكورين، شكّلا مايقارب الـ٣٩%.
حاليًا، نسبة الهدر غير الفني أي التعليق والسرقة، تتجه نحو الارتفاع، نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبنانيين والفاتورة غير العادلة وعدم مراعاة حاجات الناس، مما يزيد التعديات على الشبكة. ويؤكد بيضون لـ”هنا لبنان” أن وعود المؤسسة بنزع التعديات، غير جدية لأنها عاجزة، وتقول إنها بحاجة لتضافر جهود وزارة الداخلية والدفاع والجيش والقوى الأمنية والقضاء. والتعدي لا يقتصر فقط على سرقة الكهرباء، بل سرقة الأسلاك النحاسية، ومثبتات أبراج النقل.
وبالتالي نسبة الهدر غير الفني، سترتفع إلى ما يقارب الـ٦٠٪، بحسب بيضون.
أما الجباية وهي تحصيل الفواتير، فبما أن نسبة الهدر تصل إلى ٦٠٪، من المهم التركيز على تحصيل الفواتير التي تصدر في الـ٤٠% المتبقية. فالجباية اليوم ليست المشكلة، لأن من لديه عداد، يسدد الفواتير إلا إذا كانت شقق غير مسكونة، الأمر الذي يؤثر سلبًا على نسب الجباية. ويلفت بيضون إلى أن المواطنين، سيمتنعون عن الدفع بسبب رسوم بدل التأهيل ورسم العداد، لأنه لو لم يتم استهلاك الطاقة، عليهم تسديد ما يقارب المليون والنصف مليون ليرة، لتتساوى تلك الرسوم، بحسب بيضون، مع “الخوّات”، والضريبة العثمانية.
إذاً بحسب بيضون الفوترة أهم من الجباية، لأن الأخيرة هي لعبة سياسية لتشتيت تركيز المواطن. ومن مظاهر الاستبداد وعدم جدية المؤسسة وسوء إدارتها، إنّ المدير العام لن يفوتر شهري كانون الثاني وشباط، قبل أن يعرف على أي سعر سيأخذ السلفة. ويسأل بيضون: هل يُعقل رفع التعرفة من دون تحديد هذه التعرفة؟ وهل يُعقل أن يشتري الكهرباء بسعر مجهول؟
إلى ذلك، يشكك بيضون في حديثه عن جمع ما يقارب الـ١٤ مليون دولار بعد رفع التعرفة، فكم سيبقى من هذا المبلغ لرد السّلفة، علماً أن لديه العقود، ومقدمي الخدمات، والتزاماته الذي طالب الدولة أن تساعده فيها، وديونه. وبحسب بيضون إن هذه المشاهد مسرحية لإقناع البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية، بأن خطوة رفع التعرفة هي خطوة إصلاحية جدية ذات نتيجة، إنما العبرة في التنفيذ.
يستغرب بيضون أن يدعو رئيس الحكومة الإدارات والمؤسسات العامة لتسديد فواتيرها للمؤسسة، فيما يفترض أنه يعرف أن موازنة الدولة للعام ٢٠٢٢ وكذلك موازنات المؤسسات العامة لم تأخذ بعين الاعتبار التعرفة الجديدة وبالتالي لم تتوفر فيها الاعتمادات اللازمة.
ولكي لا يبقى رفع التعرفة وخطة الطوارئ مجرد مشهد إصلاحي شكلي ومسرحي فاشل، ولإعطائه فرصة لتحقيق نتائج أفضل، يدعو بيضون الحكومة ورئيسها ووزير الطاقة لتدارك الأخطاء والمخالفات المرتكبة في قرار رفع التعرفة بإضفاء شيء من العدالة والمنطق عليها، بدءاً من إلغاء بدل التأهيل ودمجه بثمن الكيلوواط لتجنب أعداد طلبات تجميد الاشتراكات أو تخفيض قدرة الاشتراكات الكبيرة والمربكة للمؤسسة وللمواطن معاً، وتحديد هذه التعرفة بالليرة ومسبقاً واحتساب الفاتورة على أساس التعرفة بتاريخ الاستهلاك، مع إمكانية تعديلها فصلياً، بحسب التطورات في أسعار النفط العالمية وأسعار الصرف، بحيث لا تبقى هذه التعرفة مجهولة فلا يفاجأ المواطن بقيمة الفاتورة عند وصولها إليه بعد شهور.
وبما أن المؤسسة بحاجة لأموال تمكّنها من متابعة تنفيذ الخطة، يرى بيضون من المناسب، بعد دمج بدل التأهيل بثمن الكيلوواط، زيادة بدل التأمين على المشتركين والذي يدفع لمرة واحدة، ويحتسب بما يغطي أعلى فاتورة استهلاك يكون وصل إليها المشترك. وهذا تدبير تعتمده الشركات التي تقدم خدمات الهاتف والغاز والمياه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ميقاتي وصفقة المليار يورو… على “ظهر اللبنانيين” | قنبلة الذوق الحراري: مواد كيميائية تنذر بكارثة جديدة في لبنان! | “دورة خفراء في الجمارك” تثير الجدل مجددًا… فهل يتم إقصاء المسيحيين من وظائف الدولة؟ |