كاد السيد يهتف: لبيك ماكرون!
الشخصية القيادية الثانية في الحزب، ما كانت لتؤكد على وحدانية مرشحها وجديته، لو لم تحمل قناة الحوار الجاري مع باريس توضيحاً سريعاً لما صدر عن الخارجية الفرنسية والذي أوحى الخميس الماضي، بأن تغييراً طرأ على الإدارة الفرنسة الداعمة لوصول فرنجية إلى قصر بعبدا.
كتب أحمد عياش لـ “هنا لبنان”:
ما زال الموقف الفرنسي من الاستحقاق الرئاسي، يدور في فلك تأييد خيار الممانعة المتمثل بترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية. فبعد مرور نحو 48 ساعة على إعلان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر، أن “باريس ليس لديها أي مرشح في لبنان لرئاسة الجمهورية”، قفز في الساعات الماضية إلى الواجهة، موقف لدوائر الإليزيه يفيد أن الجانب الفرنسي “لا يريد الاستماع لأي اسم آخر غير الاسم الذي يقترحونه”، وهو مرشح “الثنائي الشيعي”!
هل من تفسير لهذه البلبلة في الموقف الفرنسي من الاستحقاق اللبناني، في وقت لم يبدر عن سائر أفرقاء اللجنة الخماسية، وفرنسا إحداها، انحياز مماثل إلى جانب أحد الأفرقاء الداخليين؟ وهذه اللجنة تضم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر.
ما يقدم جواباً، المعلومات التي حصل عليها “هنا لبنان”، عن أن “حواراً مباشراً” يدور بين مساعدي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفي مقدمهم مستشاره لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل وبين “حزب الله”. وعادة، يتولى مهمات الحوار الخارجي عمار الموسوي مسؤول العلاقات الدولية في الحزب. علماً، أن هناك مناسبات تولى فيها الحوار المباشر مع الفرنسيين رئيس كتلة الحزب النيابية محمد رعد.
ما يشير إلى موضوع الحوار بين الإليزيه والضاحية الجنوبية لبيروت، هو مسارعة نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم إلى إلغاء مفعول تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية بالتأكيد في تغريدة له أمس: “الصورة على حالها منذ ستة أشهر. مرشح رئاسي لديه عدد وازن من أصوات النواب هو الوزير السابق سليمان فرنجية، ومرشح تبحث عنه كتلٌ تصنِّف نفسها في المعارضة ولم تصل إلى اتفاق عليه حتى الآن، من بين عددٍ من المرشحين ليس لأحدٍ منهم أصوات وازنة. البلد أمام مرشحين: أحدهما جِدِّي والآخر هو الفراغ…”
من البديهي القول، أن الشخصية القيادية الثانية في الحزب، ما كانت لتؤكد على وحدانية مرشحها وجديته، لو لم تحمل قناة الحوار الجاري مع باريس توضيحاً سريعاً لما صدر عن الخارجية الفرنسية والذي أوحى الخميس الماضي، بأن تغييراً طرأ على الإدارة الفرنسة الداعمة لوصول فرنجية إلى قصر بعبدا. فكان من شأن هذا التوضيح أن أعاد الروح إلى خيار الممانعة.
لم تفاجئ “الردة المفاجئة” في الموقف الفرنسي من الاستحقاق الرئاسي الأوساط السيادية. فهي منذ أن صدر موقف المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، حاذرت التفاؤل بحدوث تغيير في موقف فريق الإليزيه الذي كان لوقت قريب منساقاً وراء الآمال في حدوث تغيير في الموقف السعودي لمصلحة ترشيح فرنجية بناء على المحادثات التي أجراها دوريل في الرياض هذا الشهر مع المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا. لكن المعلومات حول هذه المحادثات بيّنت أن السعودية، لم تغيّر موقفها الرافض لتبني ترشيح فرنجية، وتمسكها بمواصفات الرئيس المقبل للجمهورية والتي تنطلق من مبادئ ذات صلة باتفاق الطائف وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمها نزع سلاح “حزب الله”، وهذه لا تنطبق على فرنجية على الإطلاق، مثلما لم تنطبق سابقاً على الرئيس السابق ميشال عون.
من المبتكرات التي رافقت “الردة المفاجئة” في الموقف الفرنسي ما حملته المعلومات والتحليلات من باريس في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، أن “حزب الله هو الجهة القادرة على إطالة الفراغ إلى أي أمد يرتأيه، والدليل على ذلك ما قام به في عام 2016. ولذا، من وجهة النظر الفرنسية، فإن أي مرشح لا يقبله الحزب سيكون وصوله إلى قصر بعبدا مستحيلاً”.
وبحسب مراسل “الشرق الأوسط” في باريس، فهناك “استعجال فرنسي بسبب التخوف من استمرار الفراغ ورغبة في طي الصفحة وتدارك ما حصل المرة الماضية.” وبالمقابل، ثمة نوع من الخيبة من المسار الذي تسلكه باريس، ليس بسبب دفعها لفرنجية، بل لأنها لا تتفهم، كما يقول المعارضون، المخاوف والاعتراضات والفاتورة المرتفعة التي سيدفعها لبنان إذا كان العهد الجديد مستنسخاً عن العهد السابق، بحيث تكون الطريق إلى جهنم سالكة على كافة الخطوط.
وفي موازاة ذلك، وبحسب قراءة أوساط مواكبة للاستحقاق، هناك في أوساط الفريق الرئاسي الفرنسي الداعم لخيار ترشيح فرنجية حسابات تتصل بالواقع العام في الشرق الأوسط. وتتصرف باريس على أساس أنها تقوم بملء الفراغ الناجم عن تخلي الولايات المتحدة عن التدخل المباشر في الملف اللبناني. وفي هذا السياق، بدت باريس قبل أشهر، خلال العمل على إنجاز إتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل وكأنها وكيلة أعمال واشنطن ومديرة شؤون مبعوثها آموس هوكشتاين الذي تولى رعاية توقيع الاتفاق. وهناك نظرية يعمل بهديها الجانب الفرنسي، وفق هذه الأوساط، تقول أن “حزب الله” الذي قام بما يلزم لإنجاز اتفاق الترسيم، يستحق أن ينال “جائزة” الرئاسة الأولى في لبنان.
كل المعطيات تشير إلى أن هناك حالة فرح تعتري قيادة “حزب الله” نتيجة هذه السياسة الفرنسية. فهل من مبالغة في القول “أن السيّد كاد أن يهتف “لبيك ماكرون؟”
مواضيع مماثلة للكاتب:
تفاؤل بري وابتسامة لاريجاني | “مرشد” لبنان و”بطريرك” إيران | تفليسة “تفاهم” مار مخايل في عملية البترون |