تعديلات “الشراء العام”: مسّ بجوهر القانون أم تفعيل لدور البلديات ورفع الشفافيّة؟
طالب عدد من النواب بتعديل بعض مواد قانون الشراء العام، علماً أنّ القانون وبصيغته الأصليّة اعتبر إنجازاً حقيقياً لما يضمنه من شفافية في عمليات الشراء العام، والتي بدورها تحسّن إدارة المال العام، ما يكرّس مبدأ المحاسبة ويحدّ من الزبائنية السياسيّة ويعيق إبرام الصفقات التي تشوبها عمليّات فساد.
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
بعد سبعة أشهر من إقرار قانون الشراء العام في تموز من العام 2022 ودخوله حيّز التنفيذ، طالب عدد من النواب بتعديل بعض المواد في القانون، علماً أنّ القانون وبصيغته الأصليّة اعتبر إنجازاً حقيقياً لما يضمنه من شفافية في عمليات الشراء العام، والتي بدورها تحسّن إدارة المال العام، ما يكرّس مبدأ المحاسبة ويحدّ من الزبائنية السياسيّة ويعيق إبرام الصفقات التي تشوبها عمليّات فساد.
وعلى الرغم من إشكاليّة “مدى دستوريّة” جلسة مجلس النواب التي عقدت يوم الثلاثاء 18 نيسان 2023، حيث لا يحقّ للمجلس أن ينعقد في ظلّ فراغ رئاسي، إلّا أنّ النصاب الذي تمّ تأمينه سمح للنواب بتأجيل الانتخابات البلديّة ومناقشة أربعة قوانين مقدّمة من مختلف الكتل لتعديل قانون الشراء العام وهي:
-إقتراح قانون مقدم من النواب علي حسن خليل وجهاد الصمد وآلان عون.
-اقتراح قانون يرمي إلى تعديل الفقرة 3 من المادة 101 من قانون الشراء العام، مقدم من النواب غادة أيوب، فادي كرم، رازي الحاج، جورج عدوان، غسان حاصباني، ونزيه متى.
-اقتراح قانون يرمي إلى استثناء الهيئة العليا للإغاثة من أحكام قانون الشراء العام مقدم من النائب اديب عبد المسيح.
-اقتراح قانون يرمي إلى إرجاء تطبيق القانون الشراء العام في لبنان على البلديات، باستثناء بلديات مركز المحافظات مقدم من النائبين بلال عبد الله وهادي ابو الحسن.
وقد تمّ إقرار التعديلات على قانون الشراء العام، حسب اقتراح قانون التعديل المقدّم من النواب آلان عون وجهاد الصمد وعلي حسن خليل.
التعديلات تمس بجوهر القانون؟
هذه الخطوة وعلى الرغم من أنها ووفق الشكل، لا تحمل في طياتها أي نوايا مبيّتة، وهدفها إدخال بعض التعديلات التقنية لجعل تطبيق القانون ممكناً على الجهات الشارية. إلّا أنّها لاقت رفضاً كبيراً من هيئات المجتمع المدني وعلى رأسهم معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي، الذي اعتبر أنّ هذه التعديلات تمس بجوهر القانون وتقوّض مبادىء أساسية بني عليها. وبحسب ورقة فليحان “فإنّ قانون الشراء العام ليس نصاً يتيماً، بل أداة إصلاحية سياسية بيد الدولة لتحمي مصالح مواطنيها، وتستعيد ثقة المجتمع الدولي.
ويُعد إصلاح الشراء العام أحد الركائز السبعة للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في لبنان. كما يأتي في إطار تنفيذ التزام لبنان باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC). كذلك يشكل قانون الشراء العام جزءاً أساسياً من السلة التشريعية لمكافحة الفساد في لبنان”.
وقد أعدّ معهد باسل فليحان ورقة تتضمن ملاحظاته حول التعديلات التي أجريت على قانون الشراء العام.
التعديلات سهّلت وأعادت تفعيل عمل البلديات
في المقابل، اعتبر الخبير الاقتصادي باتريك مارديني في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “قانون الشراء العام الجديد كان يتضمّن عدداً من الثغرات خاصّة على مستوى البلديات، حيث كان يجمّد عمل البلديات ويمنعها من تقديم الخدمات الأساسيّة التي يجب أن تقدّمها للشعب اللبناني”، لافتاً إلى أنّه “وبسبب الأزمة الاقتصاديّة التي أدّت إلى ضعف في الموارد وإضراب موظفي القطاع العام، أصبحت السلطة المركزيّة في لبنان عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ما يجعل هؤلاء يتّكلون على البلديات لتوفير هذه الخدمات، فكيف لهذه الأخيرة أن تعمل في ظلّ قانون يعطّل عملها؟”
معتبراً أنه وبفضل التعديلات الجديدة التي أقرّت على قانون الشراء العام، “أصبح عمل البلديات أسهل، ولم تعد حركة البلديات مكبّلة، حيث كان القانون يلزم لجان الاستلام والتلزيم (اللجنة التي تريد شراء أيّ نفقة) بتشكيل لجان مؤلّفة من موظفي فئة ثالثة في الوقت الذي لا تستوعب فيه جميع البلديات موظفين من الفئة الثالثة، فجاءت التعديلات لحلحلة هذا الأمر”.
ويضيف “لم تعد البلديات مجبرة على الالتزام بمبدأ الشراء بالفاتورة والذي كان ينصّ على فاتورتين لكلّ نفقة، فبعض الخدمات لا يمكن تسعيرها بفاتورتين مختلفتين، كفاتورة الكهرباء على سبيل المثال، أو فاتورة المحروقات، فلهذه الأخيرة سعر موحّد يصدر عن وزارة الطاقة، ما كان يعرقل عمل البلديات التي بمعظمها توقّفت عن دفع هذه الفواتير، وهنا حلحلت التعديلات التي أضيفت على قانون الشراء العام هذه المشكلة”.
ويرى مارديني أنّ “التعديلات كانت إيجابية وسهّلت على البلديات القيام بعملها، ورفعت من الشفافيّة، حيث أصبح التصريح عن صاحب الحقّ الاقتصادي إلزامياً، أي كشف هويّة المتعهّد الذي فاز بالمناقصة، وهذه التعديلات سبق وأن تقدّمت مع موازنة العام 2022 وأسقطها المجلس الدستوري لأنها لا تمرّ مع الموازنة إنّما بقانون مستقلّ”.
وتفاجأ من “ردّة الفعل التي صدرت عن البعض، فهي غير مبرّرة خصوصاً وأنّ هذه الخطوة تصبّ في خانة الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي لبنان، وعلى رأسها تفعيل عمل البلديات”.
إنجاز غير مسبوقا فيما خصّ الشفافيّة
من جهته، رأى رئيس هيئة الشراء العام جان العلية في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “التعديلات المتعلّقة بالمادة 101 والتي نصّت على أنّه «يتم تأليف لجان التلزيم والإستلام لدى الجهات الشارية من أهل الخبرة والإختصاص، وفقاً لأسس تضعها هيئة الشراء العام، على أن تكون الأولوية في تشكيل هذه اللجان للمتدرّبين»، تتوافق مع وضع الإدارات العامة في الظروف الراهنة الصعبة، وستنعكس مرونة أكبر في تشكيل لجان التلزيم والإستلام لدى الجهات الشارية، ومن ضمنها البلديات، لتتوافق مع ما تشكّله من لامركزية إقليمية، وذلك من دون إسقاط ضوابط الإختصاص، الكفاءة، والتدريب في أحد المعهدين المعتمدين بالقانون”.
ويقول العليّة إنّ “التعديلات جعلت نصوص القانون قابلة للتطبيق، حتى إذا خالفتها الإدارة يكون هناك إمكانية لمعاقبتها، وهذا يبقى أفضل من نصّ يوضع ولا يمكن تطبيقه”، معتبراً “إقرار القانون بتعديلاته خطوة جيدة جدّاً ومتقدّمة في تعزيز الشفافية لناحية إلزام كلّ الجهات المتعاقدة مع الدولة اللبنانية ومع أشخاص القانون العام، بالتصريح عن صاحب الحق الإقتصادي، وهذا أمر يعزّز الشفافية ويظهر للرأي العام الملكية الحقيقية للشركات التي تتعاقد مع الدولة وتنال حصة بالمناقصات، ويكشف حالات تضارب المصالح، ويعزّز دور هيئة الشراء العام في إجراء التدقيق المناط بها، عملاً بأحكام المادة 76”.
وختم “أهمّ ما جاء في هذه التعديلات أنّها سهّلت العمل في البلديات والإدارات العامة بلجان تلزيم تشكّل وفق لقواعد الكفاءة والاختصاص والتدريب وكذلك الأمر بالنسبة للاكتفاء بفاتورة واحدة في حالات يتعذّر فيها تقديم عرض وحيد. أمّا في موضوع الشفافية فحقّق التعديل المقترح إنجازاً غير مسبوق بإلزام الشركات التي تعمل في المناقصات العمومية مع الدولة، بالتصريح عن صاحب الحقّ الاقتصادي”.
وعن ملاحظات معهد باسل فليحان أجاب عليّة أنّه سوف يردّ على هذه الأخيرة في مؤتمر صحافي سيعقده يوم الخميس المقبل.