شركة “MTC” تستأجر مبنى الشياح: ديوان المحاسبة يكشف المستور والموظفون يهدّدون بالإضراب
الشركة العاجزة عن رفع رواتب موظفيها قامت بشراء مبنى جديد واستئجار آخر، ما قد يدفع بالموظفين للتوجّه إلى الإضراب المفتوح إذا لم يتمّ إعطاؤهم حقوقهم، ويهدّد بتوقّف عمل الشركة بالكامل ومعها خطوط المشتركين.
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
في الوقت الذي تتوالى فيه إضرابات موظفي شركتي الخليوي “ألفا” و”تاتش” احتجاجاً على أوضاعهم الحالية وللمطالبة بتحسين رواتبهم وأجورهم لكي تتلاءم مع الغلاء الحاصل، حيث لا يكاد يمضي شهرٌ إلّا ويعلّقون العمل لبضعة أيّام مهدّدين بالتصعيد، ليعودوا بعدها ويتراجعوا عن الإضراب نتيجة الوعود التي يقدّمها لهم المعنيّون، جاء خبر استئجار شركة MTC مبنى في منطقة الشياح، وشراء آخر في منطقة الباشورة، كالصاعقة على رأس الموظفين. فكيف استطاعت الشركة العاجزة عن رفع رواتب موظفيها شراء مبنى جديد واستئجار آخر؟
قبل الغوص في التفاصيل المتعلّقة بمبنى الشياح تحديداً، والذي أصدر ديوان المحاسبة تقريراً يفصّل من خلاله الصفقة التي عقدت وراء هذا المبنى، لا بدّ من توضيح بعض النقاط المتعلّقة بالعلاقة بين الدولة اللبنانية والشركة المشغلة لقطاع الاتصالات في لبنان أيّ MTC.
هكذا دخلت MTC قطاع الاتصالات في لبنان
في العام 1994، اعتمدت الدولة اللبنانية نظام الخليوي باتفاق عقدته وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية حينها مع شركتي “فرانس تلكوم ” FTMI و ” تلكوم فنلند إنترناشيونال” FTI لتنفيذ المشروع الذي تم تمويله بناء على عقد BOT بنتيجة استدراج عروض عالمي استناداً للقانون رقم ۱۹۹۳/۲۱۸ الذي أجاز للوزارة إجراءه لتحقيق مشروع النظام الراديو خليوي الرقمي GSM أو ما يعادله في إمكانياته وتسهيلاته باعتماد مبدأ التمويل الذاتي.
واستناداً للقانون ۲۰۰۲/۳۹۳، أنهت الدولة اللبنانية عقد الـ BOT ، وبنتيجة هذا الإنهاء، تم نقل نظام الاتصالات GSM إلى الدولة اللبنانية.
تبعاً لذلك، تم تأسيس شركتي خليوي MIC1 و MIC2 لإدارة هذا القطاع في العام ۲۰۰۲ . وهما شركتان تملك الدولة كامل أسهمهما ما عدا بعض الأسهم القليلة المتفرّغ بها إلى أعضاء مجلس الإدارة وقد أبرمت الدولة عقدي ائتمان للأسهم العائدة لها في هاتين الشركتين مع مصرفي فرنسبنك ش.م.ل ، وعودة للخدمات الخاصة ش.م.ل، بحيث بات المصرفان يمثلان أسهم الدولة في الجمعيات العمومية، وفقاً لتوجيهات وزارة الاتصالات.
وفي هذا الوقت، سعت الدولة إلى التّعاقد مع شركة متخصصة في مجال الاتصالات الخليوية بموجب اتفاقية إدارة Management Agreement.
وفي هذا الإطار، وبنتيجة مناقصة دولية أطلقتها الدولة اللبنانية في شهر شباط من العام ۲۰۰٤، تم توقيع اتفاقية إدارة الشبكة بين الجمهورية اللبنانية وشركة MTC الكويتية التي أسست شركة تابعة لها هي شركة MTC LEBANON المسؤولة عن إدارة وتشغيل وصيانة شبكة الاتصالات المتنقلة في لبنان لمدة أربع سنوات تبدأ من ۲۰۰٤/٦/١.
وعند انتهاء عقد إدارة الشبكة، فازت MTC الكويت مرّة جديدة، بالمناقصة التي جرت في ۲۰۰۹/۱/۷ لإدارة شبكة الاتصالات الخليوية ووقعت اتفاقية إدارة جديدة فى ۳۰ من الشهر نفسه مُدّدت هذه الاتفاقية ۱۰ مرّات لتنتهي في ۲۰۱۹/۱۲/۳۱ وتستعيد الدولة إدارة قطاع الخليوي بكامله من بعدها.
تفاصيل الصفقة المعقودة على مبنى قصابيان
منذ العام ۲۰۰٥، أعلمت شركة ميك ٢، أي شركة MTC وزارة الاتصالات بضيق مساحة المبنى المركزي الذي كانت تشغله قرب المرفأ، وبحاجتها إلى الانتقال إلى مبنى يوفر لها مساحات أكبر.
وفي العام ۲۰۱۱، طلبت الشركة ممثلة برئيس مجلس إدارتها السيد كلود باسيل من وزارة الإتصالات الانتقال إلى مبنى كائن في منطقة الشياح، مبنى قصابیان) بمجموع بدلات يتجاوز ۳۸ مليون د.أ على امتداد ۱۰ سنوات فضلاً عن الموافقة على تسديد ٥ ملايين د.أ لأعمال تجهيز المبنى وتقطيعه وفق حاجات الشركة).
ورغم رفض وزير الاتصالات آنذاك شربل نحاس العرض المقدم لأسباب عدة، منها: قدم المبنى، وارتفاع بدل الإيجار المقترح، وكونه في حالة غير مناسبة، عادت شركة ميك ٢ لتعرض نفس المبنى في ۲۰۱۲ على الوزير اللاحق نقولا الصحناوي الذي وافق على توقيع عقد الإيجار للمدة المذكورة بعد تخفيض بدل الإيجار عن فترة العشر سنوات من ٣٨,٤٣٠٢٢٥ د.أ. إلى 31.469.716 د.أ ومنح الشركة إمكانية فسخه بصورة مبكرة بعد انتهاء السنة الثالثة وعليه وقع العقد في أيلول ۲۰۱۲.
وفي حين نص العقد على أن الشركة عاينت المأجور وتثبتت من متانته، كشفت شركة دار الهندسة بعد تكليفها بمعاينته فنيا بعد 9 أشهر من توقيع العقد اكدت أنه بحاجة إلى تدعيم أساساته بأكلاف قدرتها بمليون ونصف مليون د.أ من أجل استعماله للغاية التي استؤجر من أجلها.
بعد مفاوضات أجريت مع الجهة مالكة مبنى قصابيان، على خلفية العيوب المكتشفة فيه، تم توقيع ملحق على العقد وافقت فيه الجهة المالكة على حسم مبلغ ۷۰۰ ألف د.أ من بدلات الإيجار عن السنوات اللاحقة.
وقبل إنهاء أعمال التدعيم التي وافقت الوزارة على إنجازها بكلفة مليون و ۸۰۰ ألف د.أ، عادت الشركة وطلبت الموافقة على أكلاف تجهيز المبنى وتقطيعه والمقدرة منها ب ۱۰,۹۲۳,۳۱۳ د.أ.
ومع تعيين وزير الاتصالات الجديد بطرس حرب في شباط ٢٠١٤، طلب هذا الأخير الاستفادة من إمكانية الفسخ المبكر للعقد فور انتهاء السنة الثالثة. رفضت الشركة مالكة المبنى (قصابيان) الفسخ المبكر، وأصرت على استمرار العقد حتى انتهاء مدته، وقد نجحت في إرغام شركة ميك ٢ على إيداع بدل إيجار سنة رابعة بعدما حجزت احتياطيًا على أموال عائدة لها لدى أشخاص آخرين مستفيدة من إعلان شركة ميك ٢ تراجعها عن الفسخ المبكر بإرادتها المنفردة وبصورة منافية لآليات التعاقد المنصوص عليها في عقد الإدارة مع الشركة المشغلة.
دعاوى على الجراح والصحناوي وحرب
وفي حين أصرت الدولة منذ ذلك الحين على موقفها في فسخ العقد، قدمت الجهة المالكة دعاوى عدة ضدّ شركة ميك ٢ ما يزال بعضها عالقا أمام القضاء.
وإذ باشرت النيابة العامة المالية الدعوى العامة أمام قضاء التحقيق في بيروت، فإن قضاء التحقيق أحال الملفات إلى مجلس النواب لاتخاذ الموقف المناسب لجهة ملاحقة الوزيرين نقولا الصحناوي وبطرس حرب.
وبتاريخ ١٨ تشرين الثاني ۲۰۲۲، قدم ٢٦ نائباً عريضة اتهام بحق الوزيرين المذكورين، بالإضافة إلى وزير الاتصالات السابق جمال الجرّاح على خلفية قضايا أخرى، منها ما يتصل بإيجار المبنى القائم على العقار ١٥٢٦ من منطقة الباشورة.
موقف الوزير الحالي جوني القرم
من جهته اعتبر وزير الاتصالات جوني القرم في حديث خاص لموقع “هنا لبنان”، أنّه “لا يحقّ لي كوزير محاكمة الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة قبلي، فبحقّ هؤلاء دعاوى قضائيّة، وأنا لا أتدخّل في عمل القضاء”.
واعتبر القرم أنّه “إذا أراد أيّ وزير القيام بعمله، وحماية حقوق الدولة، فعليه وضع خطّ على الأرض يسمّى بـT0 والانطلاق منه. حيث لا يمكن لأيّ شخص انتظار صدور الأحكام السابقة للمباشرة بالعمل. بل ما عليه فعله هو العمل بأداء مختلف وبطريقة سليمة. وهو ما أحاول فعله منذ اليوم الأوّل لتسلّمي الوزارة”.
الموظفون يهددون بالإضراب المفتوح
من جهتها لفتت مصادر مقرّبة من نقابة موظّفي ومستخدمي الشركات المشغلة للقطاع الخليوي في حديثها لموقع “هنا لبنان” إلى أنّ ” الموظفين لا يزالون يتقاضون رواتبهم باللولار، حيث يقبض الموظّف 25 % من راتبه فقط بالدولار الفريش، فيما الشركة تدفع لمورّديها الدولارات على سعر صرف 100 ألف ليرة”.
وشكت المصادر من “خسارة الموظفين أكثر من 200 دولار من رواتبهم بعد ارتفاع سعر منصّة صيرفة من 45 ألف إلى 90 ألف ليرة، أيّ ثلثي الراتب، على غرار الخسارة التي تكبّدها جميع موظفي القطاع العام. وبعد هذه الخسارة الكبيرة رفعنا الصوت، لتستجيب الادارة إلى مطالبنا فتزيد نسبة الدولار الفريش 10%، أي من 25% إلى 35% إلاّ أنّ هذه الزيادة تمّ تأجيلها شهراً لسبب نجهله. فنتفاجأ بخبر شراء واستئجار شركة MTC مبنى جديد! فكيف للشركة أن تشتري وتستأجر مبنى جديداً في الوقت الذي تعجز فيه عن إعطاء موظفيها حقوقهم؟”
وكشفت المصادر عن “نيّة الموظفين التوجّه إلى الإضراب المفتوح إذا لم يتمّ إعطاؤهم حقوقهم، ما قد يهدّد بتوقّف عمل الشركة بالكامل ومعها خطوط المشتركين”.