ديوان المحاسبة يكشف تفاصيل شراء شركة “MTC” لمبنى الباشورة والقرم يردّ
ديوان المحاسبة يكشف تفاصيل شراء شركة “MTC” لمبنى الباشورة والقرم يوضح لـ”هنا لبنان” التفاصيل.
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
أصدر ديوان المحاسبة تقريراً عن استئجار شركة MTC مبنى في منطقة الشياح، وشراء آخر في منطقة الباشورة. وطرح تساؤلاً حول إذا ما كان الهدف من الصفقتين هو صرف أموال عمومية دون أي تغيير في واقع الحال، إذ أنّ إشغال مبنى الشياح لم يتمّ، وكذلك لم تنتقل ملكية مبنى الباشورة إلى الدولة اللبنانية.
القصّة وراء مبنى الباشورة
في تفاصيل قضيّة شراء مبنى الباشورة، يشرح تقرير ديوان المحاسبة أنّ هذه الصفقة نشأت تبعاً لفشل شركة ميك ٢ في الانتقال من مركزها السابق الكائن في منطقة المرفأ إلى مبنى قصابيان. وهذا ما استشفه الديوان من عدد من المراسلات الصادرة عن وزارة الاتصالات والتي دعت الشركة إلى إيجاد مبنى جديد لتأمين حاجاتها إلى مساحات إضافية.
وكما حصل في قضية مبنى قصابيان، لم يجرِ طلب أو استدراج عروض جديّة لتأمين المبنى، بل تمّ اختيار مبنيين غير منجزين قائمين في العقار ١٥٢٦ الباشورة المملوكين من شركة سيتي دفلوبمنت ش.م.ل بعدما تمّ رفض ٣ عارضين آخرين لأسباب شكلية، أهمّها النقص في المساحة المطلوب توفّرها في المباني المعروضة.
وبعد مفاوضات استمرت ٧ أشهر من تاريخ اختيار عرض شركة سيتي دفلوبمنت من دون أي من العروض الأخرى المردودة شكلاً (لأنّ المساحات المعروضة أقل من المطلوبة)، وافق وزير الاتصالات السابق جمال الجراح على توقيع عقدين في نفس الوقت:
– عقد إيجار لمدة ١٥ سنة بقيمة ٦,٤ مليون د.أ مع زيادة ١,٥% سنوياً، على أن يكون للجهة المالكة حق إنهاء العقد بعد انتهاء السنة العاشرة من دون أي تعويض.
– عقد لإنجاز المبنى وتجهيزه وقد وقّعته شركة ميك ٢ بموافقة الجراح مع شركة مملوكة من نفس المساهمين في الشركة المالكة للعقار من دون إجراء أي مناقصة أو استدراج عروض، وقد بلغت قيمته ٢٫٦ مليون د.أ سدّدت دفعة واحدة عند التوقيع على العقد. عليه، كان من المتوقع أن تسدد شركة ميك ٢ إلى الجهة المالكة طوال الـ ۱۰ سنوات بموجب الصفقتين ما قيمته ۹۱٫۲ مليون د.أ. وكلها مبالغ كانت ستقتطع عملياً من المبالغ المحولة منها إلى الخزينة العامة.
وعليه، باشرت شركة ميك ٢ أي MTC الانتقال إلى المبنى في آذار ۲۰۱۹ ، بعدما سددت بدل إيجار السنة الأولى من عقد الإيجار البالغ ٦,٤ مليون د.أ. إلّا أنّه وتبعاً لتعيين حكومة جديدة في بداية العام ۲۰۱۹، برز تغيير في توجه وزير الاتصالات الجديد آنذاك – وهو وزير الاتصالات الأسبق محمد شقير – في اتجاه إتمام صفقة لشراء المبنيين المستأجرين.
وبعد مفاوضات استمرّت لأيام معدودة، تمّ توقيع عقد بيع المبنيين بعد 4 أشهر من بدء عقد الإيجار وتسديد بدل الإيجار عن السنة الأولى. وحدد ثمن المبيع بقيمة ٦٨,٦ مليون د.أ، سدد منه مبلغ ثلاثة وعشرين مليون وستمئة ألف دولار أميركي عند التوقيع، في حين اتفق على تسديد المبالغ المتبقية على ٣ أقساط بلغ كل منها ١٥ مليون د.أ تسدد تباعًا في ١٥ كانون الثاني من سنوات ۲۰۲۰ و ۲۰۲۱ و ۲۰۲۲ ، وعلى أن تطبق فائدة ٧,٥% على تقسيط الدفع على هذا الوجه.
وقد وردت مراسلات سابقة لعقد البيع بيّنت أنّ الثمن المتفق عليه هو ٧٥ مليون د.أ، وأنّه خُفّض إلى ٦٨,٦ مليون د.أ بعدما وافقت الشركة المالكة على حسم بدل إيجار السنة الأولى منه كما وردت مراسلات تعهدت بموجبها شركة ميك ٢ بتسديد مبلغ ۲۳۳,۳۷٠,٥٠ د.أ بدل المصاريف إلى الشركة المالكة تعويضاً لها عن النفقات المبذولة منها في إطار عقد الإيجار الذي تمّ التوافق على فسخه كما تعهدت شركة ميك ٢ بتسديد الضريبة على الأملاك المبنية إلى الشركة المالكة، وتمّ توقيع عقد إبراء ذمّة متبادل.
في المقابل، لم تحسم المبالغ المسددة من شركة ميك ٢ بموجب عقد استكمال المبنى الموقع بالتزامن مع عقد الإيجار والبالغة ۲۲٫٦ مليون د.أ. بمعنى أن هذا المبلغ دفعته ميك ٢، أوّلًا لاستكمال المبنيين بهدف استئجارهما، ثم عادت وسدّدته مرة ثانية ضمن ثمن مبيع المبنيين.
وعليه، تكون شركة ميك ٢ قد حمّلت ذمتها بنتيجة الصفقات المعقودة مجموع المبالغ الآتية:
ثمن المبيع: ٦٨,٦ مليون د.أ + بدل إيجار السنة الأولى ٦,٤ مليون د.أ + ثمن استكمال وتجهيز المبنى ٢٢,٦ مليون د.أ + فوائد على تقسيط ثمن المبيع: ٥,١ مليون د.أ + مبلغ سددته ميك ٢ تبعاً لفسخ عقد الإيجار بالتزامن مع إبرام عقد المبيع ۲۳۳,۳۷۰٫٥٠ د.أ ) أي ما يصل إلى ۱۲,۹۳۳,۳۷۰ د.أ وهو مبلغ مرشح للازدياد على ضوء تعهد شركة ميك ٢ تسديد الضريبة على الأملاك المبنية التي قد تستحق في ذمة الجهة المالكة).
إلا أن ما يزيد التساؤل هو ثبوت إجراء عمليات قانونية بمناسبة هذه الصفقات، تستوجب التحقق من الأسباب والدوافع الحقيقية لتلك العمليات وإمكانية وجود شبهات حول تقاضي أشخاص منافع مشكوك في مشروعيتها لقاء مساهمة محتملة منهم في إبرام صفقة الإيجار في موازاة إجراء هندسات قانونية من أجل إخفاء المنافع المشكوك بمشروعيتها والمحققة على هذا الوجه تحت غطائها بما قد يشكّل ربما تبييضاً للأموال وهي أمور يجدر التساؤل حولها ومتابعتها من قبل المراجع القضائية المختصة بالنظر إلى ظروفها ونتائجها.
وهذه القضية لم تنتهِ فصولها بعد. ففي حين توقفت شركة ميك ٢ عن تسديد المبالغ المستحقة في ذمتها بنتيجة عقد البيع ابتداء من ١٥ كانون الثاني ۲۰۲۰ من دون أن تتّضح أسباب تأخرها عن الدفع، قدمت شركة سیتی دفلوبمنت دعاوى بحق شركة ميك ٢ لفسخ عقد البيع على مسؤوليتها. وهو أمر يجدر أخذه على محمل الجد من خلال وضع خطة قانونية من قبل شركة ميك ٢ لحماية حقوقها وأموالها منعاً لتكبّدها مزيداً من الخسائر.
هذا فضلاً عن أنه حتى اللحظة، لم يتم الانتهاء من إفراز العقار كما لم يتم وضع إشارة بعقد البيع لصالح شركة ميك ٢ على العقار ١٥٢٦ من الباشورة، مما يبقي حقوق هذه الأخيرة (شركة ميك۲) عرضة للضياع التام ويعرّض تالياً خزينة الدولة إلى مزيد من الخسارة. وكلّها أمور تستوجب القيام بإجراءات ملحة وبصورة مستعجلة لحماية حقوق الشركة وحقوق الخزينة والدولة اللبنانية في آن، بحسب تقرير ديوان المحاسبة.
القرم يردّ على ديوان المحاسبة
وردًّا على ما تقدّم اعتبر وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم في حديث خاص لموقع “هنا لبنان” أنّه أتمّ واجباته على أكمل وجه، وقال: “لقد عملت ما بوسعي للمحافظة على حقّ الدولة، على عكس ما ذكر في تقرير ديوان المحاسبة، والذي اعتبر من جهته أنّني لم أفعل شيئاً لعدم ضياع المبالغ التي أودعت لشراء مبنى الباشورة”.
وأضاف القرم “عندما قرّرت الدولة في عهد الوزير السابق بطرس حرب أنّها لا تريد مبنى قصابيان، بعد أن أخذت الرخصة وكبّرت المبنى، قررت الدولة أخذ مكان أكبر، تمّ استئجار المركز الرئيسي الحالي التابع لشركة تاتش قرب الرينغ، والذي تبلغ مساحته حوالي الـ14 ألف و700 متر مربّع، بمبلغ 6.6 مليون دولار في السنة الواحدة على 10 سنوات، على أن يزيد السعر بنسبة %1.5 مع كلّ عام جديد. إلاّ أنّ المبنى “طلع على العضم” لا بل أسوأ، فهو غير مجهّز بأيّ شيء، ما أجبر الدولة على دفع 22.6 مليون لتأهيل المبنى واستكماله. واستمرّ عرض الاستئجار ومن بعده الشراء وكلّ هذه المبالغ دفعت من دون مناقصة”.
وتابع “بعد ثورة 17 تشرين، وبروز فضيحة المبنى إلى العلن، استلم الوزير السابق طلال حوّاط الوزارة، وبحسب العقد المعمول به من قبل الدولة، بين شركتي ميك 2 وسيتي دفلوبمنت ش.م.ل، كانت الشروط “مبكّلة” لصالح شركة سيتي، حيث كان يفرض على الدولة ضريبة عن كلّ يوم تتأخّر به عن دفع المستحقّات. وكان على الدولة اللبنانيّة دفع مبلغ 45 مليون، وقد استحقّ هذا المبلغ في عهد حوّاط الذي لم يتمكّن من دفعه ولا من تمديد المهلة. ما دفع بصاحب الشركة إلى رفع دعوى فسخ عقد، ما يعني أنّ على الدولة دفع الغرامات من جهّة، وكلّ المستحقّات التي سبق أن دفعتها لإنجاز المبنى ستتبخّر من جهّة ثانية”.
ويشرح “عندما استلمت الوزارة، كانت الدعوى قائمة، وبدل أن أهرب من مسألة الدعاوى القضائيّة، قررت إيجاد حلّ، ورفضت العمل تحت الطاولة. بل ذهبت لهيئة الاستشارات للأخذ برأيها حول إمكانيّة وضع إيداع بشيك لولار، ليأتيني الجواب أن لا علاقة للهيئة كون هناك دعوى قضائيّة قائمة. فتوجّهت من بعدها إلى ديوان المحاسبة الذي أجابني بأنه لا يتدخّل بسعر الصرف، كي لا تثبّت عليه موافقته على سعر صرف معيّن. وعدت وقصدت لجنة الاتصالات وأبلغتها عن نيّتي، والكلام سجّل في محضرها، ولم أستطع أخذ أيّ نصيحة لكون اللجنة جهة رقابيّة. حيث كان لديّ خياران مطروحان، إمّا دفع مبلغ الـ 45 مليون على سعر الـ 1500 ليرة، أو خيار اللولار. فيما نصحني المحامون بأنّه وفي حال أردت دفع المبلغ على سعر الـ 1500 ليرة قد أخسر الدعوى، لذلك يجب أن أدفع المبلغ باللولار”.
وشدّد الوزير القرم على أنّه “كان لديّ قناعة بأنني مجبر على حماية الدولة، كي لا تتبخّر الأموال الذي سبق أن سُدّدت، وكي لا نضطر إلى دفع الغرامات ونذهب من جديد في رحلة البحث عن مبنى آخر. لذلك وضعت ايداعاً عند كاتب العدل بـ 45 مليون لولار، بعد أن أخذت الإذن من وزارة المال ومن مصرف لبنان، حيث اشتريت الدولارات على سعر 3900 ليرة. والمبلغ المستحقّ كان على 3 دفعات كلّ واحدة منها بـ15 مليون ووضعت إيداعاً واحداً بـ 30 مليون لكي لا يكون على الدولة أيّ تأخير بالدفع وبالتالي تجنبنا الضرائب، وأبقيت إيداعاً بـ 15 مليون في حساب فرديّ”.
ويختم “وهكذا قلبت المعادلة، لأننا جعلنا المالك يوقّع على المبلغ المودع، وبالتالي كلّ يوم يتأخّر فيه بتسجيل المبنى للدولة أصبح يتوجّب عليه هو دفع غرامة للدولة وليس العكس. ونحن تقدمنا بدعوى ضده لإجباره على تسجيل العقار وأخدنا قراراً من محكمة البداية في بيروت بوضع شارة على الصحيفة مثل ما ذكر تقرير ديوان المحاسبة ولم نبلّغ لأننا كنّا نخشى أن يقوم المالك بـ “تظبيط وضعو” والآن كلّ شيء أصبح واضحاً. وأنا قمت بواجباتي كاملة وحميت حق الدولة ودفعت مبلغ الـ 45 مليون مقابل مليون و800 ألف ليرة”.