معادلة “المواطن بين نارين” مستمرة كهربائياً والرسوم تحتاج لإعادة نظر
إلى متى سيبقى اللبنانيون ينتظرون الحل الجذري لمشكلة الكهرباء المستعصية منذ عشرات السنين والتي تأتيهم اليوم بعدد ساعات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وبفاتورة ربما ستتخطى قيمة فاتورة المولدات الخاصة في الأشهر القليلة القادمة بفعل ربطها بسعر دولار منصة صيرفة؟
كتب مازن مجوز لـ “هنا لبنان”:
تعالت صرخات المواطنين اللبنانيين الذين يغرقون أساساً تحت ثقل أزمات لا تنتهي، بعد تسلمهم فواتير الكهرباء على التسعيرة الجديدة، فيما لم يرحمهم جشع أصحاب المولدات الذين باتوا يطالبون بتقاضي اشتراكاتهم بالعملة الخضراء غير آبهين بالتسعيرة التي تحددها وزارة الطاقة ولا بإلزامية تركيب العدادات، والحجة دوماً موجودة “نحن ندفع ثمن المازوت بالدولار”.
“الساعات الأربعة التي تمنّ علينا بها دولتنا يومياً كانت بمثابة طُعم لتمرير التسعيرة الجديدة، الدولة لا ترحمنا ولا تدع رحمة الله تنزل علينا، فاتورتي أتت 3 ملايين و200 ألف ليرة، من أين سآتي بهذا المبلغ؟ دخلي لا يكفي لدفع اشتراك المولد الخاص وكهرباء الدولة معاً، لذلك تقدمت بطلب فصل منزلي عن الشبكة وتوقيف العداد، لأنّ الدولة تتقاضى رسماً مرتفعاً عن خدمة غير موجودة”، يقول محمد لـ ” هنا لبنان”بعد تسلمه الفاتورة الجديدة عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2022 الخاصة بمنزله في أحد الأحياء الشعبية في مدينة بعلبك الأسبوع الماضي.
ولأنّ محمد ليس الوحيد الواقع بين مطرقة المولدات الخاصة وسندان كهرباء الدولة، أطلقت مجموعة من المواطنين حملة “مش دافعين” في 19 كانون الثاني الماضي، بعد أن بلغت قيمة أصغر اشتراك شهري وهو بقدرة 15 أمبير بحدود الـ900 ألف ليرة(رسم تأهيل ورسم عداد) يُضاف إليها عداد الكيلوواط مضروباً بـ27 سنتاً للكيلوواط الواحد، تُحتسب على سعر صيرفة ويضاف إليها 20 في المئة من القيمة التي يحددها المصرف المركزي.
جباية الفواتير وفق هذه المعادلة شكلت صدمة للمواطنين، لأنها ستجعل الفاتورة “مرنة” وعلى سلم متحرك لأسعارها، كونها تتأثر مباشرة بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، وبدل أن يأتي الفرج من الدولة في وجه أصحاب المولدات الخاصة وفواتيرهم، بات راتب أكثر من نصف اللبنانيين كاملاً غير كافٍ لمواجهة نار الفواتير الشهرية.
أما في صيدا فتؤكد رانية ح.( 32 عاماً، ربة منزل وأم لـ 4 أولاد) في حديث لـ “هنا لبنان” أنها استغنت عن الغسالة الكهربائية وباتت تغسل على يديها، بعد أن وصلتها فاتورة “كهرباء الدولة” بقيمة 4 ملايين ونصف عن شهرين، فيما قرر زوجها شادي (45 عاماً) الذي يعمل قصاباً الإنتقال إلى فرم اللحم على السكين وبكلتا يديه بدلاً من استخدام “المفرمة” الكهربائية، في خطوة لتخفيف قيمة فاتورتي “الدولة ” و”الموتور” عن كاهلهما.
وهكذا فرضت أرقام فواتير الكهرباء الجديدة على العشرات من أبناء صيدا خصوصاً محدودي الدخل منهم، تغيير نمط حياتهم، جراء الواقع المعيشي المتردي، والعودة إلى عادات قديمة كانوا قد هجروها منذ زمن.
ولكن في عملية حسابية سريعة لوجدنا أن كهرباء لبنان تبقى أوفر من كهرباء “الإشتراك”، لأن الكيلوواط الواحد للمولد يسعر بـ 60 سنتاً على سعر صرف الدولار في السوق الموازية، أما بالنسبة لكهرباء لبنان فإن أول 100 كيلوواط يبلغ سعر الكيلوواط الواحد فيها 10 سنت على سعر صيرفة بلاس، أما ما فوق الـ 100 كيلوواط، فتبلغ قيمة الكيلوواط 27 سنتاً على سعر صيرفة بلاس.
وفي هذا السياق تؤكد الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر في حديث لـ “هنا لبنان” أن موتور الإشتراك يقبض من المشتركين الفاتورة على سعر السوق الموازية، مقابل 10 سنت (لأول 100 كيلوواط) و27 سنتاً( لما فوق الـ 100 كيلوواط) على سعر صيرفة بلاس بالنسبة لفاتورة كهرباء لبنان، وهذا يوفر على المواطن.
وتعلق على حملة “مش دافعين”، معتبرة أنها على حق لناحية التعسف اللاحق بالمواطن في موضوع قيمة الإشتراك الشهري، إذ أنه لا يحصل على 24 ساعة يومياً ولا 10 ساعات يومياً. فيما الموتور “يقنن” وليس هناك من مواطن لم يذق طعم اللوعة من أصحاب المولدات. فهل يعقل أن تصل قيمة اشتراك الـ 5 أمبير إلى 150 دولار في بعض المناطق؟ والـ 3 أمبير إلى 90 دولاراً؟ مطالبة بضرورة تخفيض رسم الإشتراك الشهري في فاتورة “كهرباء لبنان” معطية مثالاً لو كان لدى أحد المواطنين منزلاً في بيروت وآخر في الجبل أو ليس ظلماً أن يدفع ما يقارب المليوني ليرة وهو لم يصرف سوى عدد قليل من الكيلوواط في منزله في بيروت، وربما صفر كيلوواط في منزله في الجبل؟
وكان رئيس الإتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر قد وصف هذه الفواتير بـ “غير المنطقية”، وأصبحت قريبة من فاتورة المولد الكهربائي، وهي تُعتبر بالنسبة للفئات العمالية والفقيرة مرتفعة جداً، مطالباً بتخفيض سعر الكيلوواط إلى حدود 10 أو 12 سنتاً إلى حد الـ300 كيلوواط وتخفيض بدل التأهيل وبدل العداد أو جعلها نسبية تتناسب مع عدد ساعات التغذية.
ومع هذه التسعيرات العالية، وجد المئات من المواطنين الحل في تقديم طلبات لإبدال عدادات الكهرباء بأخرى أصغر، جراء الفواتير الضخمة التي وصلتهم بعد رفع التعرفة، فيما فضل آخرون فصل منازلهم عن الشبكة دون التخلي عن “العداد”، على أمل أن تقيهم هذه الخطوات وغيرها من الأفكار “المستحدثة” نار فاتورة الكهرباء، وخصوصًا أصحاب القدرة الشرائية المحدودة.
وبالعودة إلى أبي حيدر فترى بأنه كي نفتح المجال أمام شركة كهرباء لبنان لزيادة الإنتاج على المواطن أن يدفع الفواتير، كي تتمكن من شراء كميات أكبر من الفيول، وعندها نحصل على زيادة في ساعات التغذية، وكلما زادت ساعات التغذية، كلما زادت إمكانية التخلي عن الإشتراك بالمولدات الخاصة، مستدركة بالقول “لكن على الشركة أيضاً محاربة السرقة وإنجاز الجباية على كامل الأراضي اللبنانية من دون استثناء لا للأفراد ولا للمؤسسات وتخفيف الهدر الفني، وغير الفني (وهو السرقة وعدم دفع الفواتير ).
ليبقى السؤال إلى متى سيبقى اللبنانيون ينتظرون الحل الجذري لمشكلة الكهرباء المستعصية منذ عشرات السنين والتي تأتيهم اليوم بعدد ساعات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وبفاتورة ربما ستتخطى قيمة فاتورة المولدات الخاصة في الأشهر القليلة القادمة بفعل ربطها بسعر دولار منصة صيرفة؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
“ابتكار لبناني”.. أملٌ واعد لفاقدي البصر! | بين القوننة والأنسنة.. هل تهدّد التكنولوجيا أطفالنا؟ | لبنان غنيّ بالمياه الجوفية العذبة.. ثروة مهدورة بلا استثمار! |