العمّال الأجانب في لبنان: إقاماتٌ شبه مجانيّة وتحويلات إلى الخارج بالمليارات والماليّة غائبة
في لبنان 117 ألف عامل أجنبي، من كلّ الفئات ومن أصحاب الأجور المرتفعة، فيما يدفعون على أبعد تقدير 20$ بدل إقامة سنوية مقابل 70 ألفاً ويتخلفون عن تسوية أوضاعهم القانونيّة، وبالتالي يعملون في لبنان بطريقة غير شرعيّة، أي دون أوراق رسميّة تسمح لهم بمزاولة مهنة ما، ويجنون أرباحاً دون تسديد أي ضرائب أو رسوم للدولة.
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى تأمين المزيد من الإيرادات، عبر رفع الضرائب، كضريبة الـTVA والجمرك، والضريبة على الدخل، وضريبة إشغال الأملاك البحريّة، والتي تطال جميعها المواطنين اللبنانيين بشكل مباشر وتؤثّر على حياتهم اليوميّة؛ تغضّ الدولة اللبنانيّة النظر عن مصادر إيرادات أخرى بإمكانها اللجوء إليها وعلى رأسها بدل إقامات العمّال الأجانب في لبنان.
فبحسب معلومات “هنا لبنان”، فإنّ إقامات العمّال في لبنان، مقابل الاستثمار شبه مجّانيّة. ففي لبنان 117 ألف عامل أجنبي، من كلّ الفئات ومن أصحاب الأجور المرتفعة، فيما يدفعون على أبعد تقدير 20$ بدل إقامة سنوية مقابل 70 ألفاً يتخلفون عن تسوية أوضاعهم القانونيّة، وبالتالي يعملون في لبنان بطريقة غير شرعيّة، أي دون أوراق رسميّة تسمح لهم بمزاولة مهنة ما، ويجنون أرباحاً دون تسديد أي ضرائب أو رسوم للدولة. فيما القسم المتبقي يدفع بدل إقامته على سعر الـ1500 ليرة، أيّ بحدود 300 ألف ليرة أو 3$ في السنة!
2 مليار دولار حجم التحويلات السنويّة للعمّال الأجانب إلى الخارج
واستناداً إلى أرقام الأمن العام، يتبيّن أنّه وبين تاريخ 1-1- 2022 وحتى تاريخ 1-5-2023، أصدر الأمن العام حوالي الـ200 ألف إجازة عمل لعمّال أجانب. فيما مدخول هؤلاء يبدأ من معدّل 350 دولار في الشهر الواحد، أي ما يتجاوز مدخول موظفي الفئة الأولى في القطاع العام، فيما تحويلات هؤلاء إلى الخارج تقدّر بنحو 2 مليار دولار. وبالتالي فإنّ هؤلاء لا يدفعون ضرائب، أو أقلّه يدفعون بدل إقامة لا قيمة له، ولا تدخل أموالهم في الدورة الاقتصادية للبنان، وهم بذلك يساهمون بإخراج العملة الصعبة من البلاد، دون الاستثمار في الاقتصاد.
المسؤوليّة بهذا الملفّ تقع على عاتق وزارة المال، التي لم تحرّك ساكناً في هذا الإطار، بينما الأمن العام، لا يملك الصلاحيّة لرفع بدل إقامات العمّال الأجانب في لبنان، إلّا أنّه قام بمبادرة تدخل من ضمن صلاحياته، تقضي برفع رسوم العلاقات العامة كبدلات جوازات السفر المستعجلة التي يمكن أن ترفع إلى 10 ملايين ليرة، على أن يبدأ العمل بها قريباً، لكنّ هذه الخطوة ستطال بدورها اللبنانيين أيضاً.
اللبنانييون يسرّحون العمّال الأجانب
في المقابل تطرح إشكاليّة أخرى، وهي واقع العمالة الأجنبيّة في لبنان في ظلّ الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي تعاني منها البلاد، من انهيار قيمة العملة الوطنيّة مقابل الدولار، والشحّ في العملات الصعبة. مما جعل شريحة واسعة من اللبنانيين الذين يستقدمون عمالاً أجانب للخدمة المنزلية أو لمؤسساتهم، عاجزين عن دفع الرواتب بالدولار. ليحاول البعض تسديد الأجور بالليرة اللبنانيّة، إلّا أنّ عمليّة تحويلها تبقى صعبة، وسط التقلّبات السريعة للدولار في السوق الموازية، ما يجعلها تفقد قيمتها، خصوصاً إذا ما أراد العمّال الأجانب تحويلها إلى ذويهم في الخارج. ما أدّى إلى انتشار ظاهرة تسريح العمّال الأجانب، وخصوصاً عاملات المنازل، وهؤلاء يشكّلون النسبة الأكبر من العمّال الأجانب أصحاب الإجازات، وإعادتهم إلى المكاتب التي استقدموا عبرها مع العجز عن دفع رواتبهم حتى بالعملة المحلية، جرّاء فقدان عشرات الآلاف من اللبنانيين عملهم أو جزءاً من رواتبهم، أو تقاضيهم رواتبهم بالليرة اللبنانيّة حصراً والتي لا قيمة لها.
وبمقابل أرقام العمّال الأجانب في لبنان والتي ذكرت سابقاً، تأتي أرقام النازحين السوريين والتي تتخطى بمفردها المليوني سوري مسجّل، فيما عدد غير المسجّلين وبحسب التقديرات يتخطّى نصف هذا الرقم. ولهؤلاء قصّة أخرى، حيث ينافسون العمالة اللبنانيّة رافعين من نسب البطالة وهجرة الشباب.
نسبة البطالة تتخطى الـ40%
وبالتالي تقع ظاهرة العمالة الأجنبيّة في لبنان، بين شاقوفين، الأوّل يترجم بالواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه اللبنانيّون وعدم المساواة بينهم وبين العمّال الأجانب في دفع الضرائب، والثاني بالحقوق التي يجب أن يتمتّع بها العمّال الأجانب إذ يعيش قسم كبير منهم نفس الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يعاني منها اللبنانيون.
وعلى الرغم من وجوب المساواة بين العامل اللبناني والأجنبي، تبقى الحاجة إلى العامل الأجنبي مرتفعة، في ظلّ تراجع العدد من 250 ألفًا في عام 2019 إلى نحو 85 ألفًا عام 2022.
في المقابل، تعجز الدولة عن تنظيم عمل العمّال الأجانب، وحصره في بعض المهن، ما يفتح المجال أمام هؤلاء بمنافسة اللبنانيين في الأعمال الحرّة، كالنقل العام، والأفران، ومحلات الطعام. في الوقت الذي تصل فيه نسبة البطالة في لبنان إلى نحو 38%، وتلامس الـ47.8% لدى الشباب والشابات الذين تتراوح أعمارهم بين الـ15 والـ24 عاماً بحسب تقرير الـ UNICEF فيما النسبة الأكبر من حصّة النساء، وتصل إلى الـ50%.
أين أصبح قانون العمالة الأجنبيّة؟
وفي هذا الإطار يقول الخبير الإقتصادي الدكتور خلدون عبد الصمد، في حديث خاص لموقع “هنا لبنان”، إنّ “هناك قانوناً للعمالة الأجنبية صدر في العام ١٩٦٣ ، ولم ينظم عمل العمالة الاجنبية في لبنان بالشكل الكامل، بل اعتمد على قانون العمل اللبناني الصادر عام ١٩٤٦ محدداً آليّة عمل الأجانب بأخذ الموافقة من وزارة العمل في لبنان فقط”.
ويتابع عبد الصمد “إلّا أنّه ومنذ الأزمة السورية وحتى الآن تضاعفت أعداد الأشقاء السوريّين و بلغت ما يوازي نصف عدد المقيمين في لبنان وذلك دون احتساب أعداد السوريين غير المسجّلين، الذين دخلوا وهمياً عبر الحدود غير الشرعية. وفيما لم تستطع الدولة الحد من النزوح السوري إلى لبنان، لم تستطع اليد العاملة اللبنانية منافسة شقيقتها السورية في الأعمال رغم المحاولات التي قام بها وزراء العمل لتحديد الأعمال التي لا يمكن للعامل السوري القيام بها. و بالتالي ومع الارتفاع الهائل لسعر صرف الدولار الأميركي في لبنان بالمقارنة مع سعر صرف الدولار في سوريا، أصبح من المستحيل أن تنافس اليد العاملة اللبنانية تلك السورية، مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق الشاسع بين ما يتكبده اللبناني من ضرائب ورسوم يدفعها على سعر صرف السوق السوداء ومنصّة صيرفة، وما يدفعه العامل السوري والذي ما زال حتى اللحظة يدفع إقامته إن كانت صحيحة (للإقامة شروط، تفرض على صاحبها البقاء في البلد فترة معيّنة فيما معظم السوريين يخرجون ويعودون إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعيّة دون تصريح) على سعر الصرف القديم أي ١٥٠٠ ليرة تقريباً للدولار الواحد. ناهيك عن ذلك، فإنّ دخول السوريين إلى البلاد تقابله هجرة اللبنانيين”.
المطلوب تطبيق القوانين
وعن الحلول الممكنة يقول إنّ “حل هذه الأزمة ورغم ارتفاع تكلفة المعيشة في لبنان والتي قلّلت نسبياًج عدد المقيمين في لبنان، يكمن في تنفيذ القوانين الموضوعة، وتفعيل دور الأجهزة الرقابيّة، لمراقبة نسب الأرباح التي يجنيها هؤلاء مقابل نسب التحويلات إلى الخارج، والضريبة التي يدفعونها للدولة”.
ويلفت عبد الصمد إلى أنّ “الشعبين السوري واللبناني هما وكما يقال شعب واحد في دولتين، إلاّ أنّ هذا لا ينطبق صحياً مع زيادة البطالة والهجرة اللبنانية، مقابل الدخول الهائل لأشقائنا السورييّن والذين يزاحمون اللبنانيين في مصالحهم وأسعارهم”، خاتماً “نحن كلبنانيون تكفينا أزماتنا الاقتصادية، ولا يمكننا تحمّل المزيد من المنافسة غير المتوازية مع الآخرين، فكل الدول العربية والصديقة لديها قوانين تحفظ حقوق شعبها قبل البدء بمساعدة الوافدين”.