أكثر من 70% من حقوق السحب الخاصّة طارت: فأين تبخّرت الأموال؟
كان من واجب الحكومة إنفاق هذه الأموال بشفافيّة مطلقة وبتأنٍّ بناءً على دراسات. ومن حقّ الشعب اللبناني أيضاً أن تصارحه الحكومة كيف أنفقت هذه الأموال، والتي وصل حجمها حتى الآن إلى 900 مليون دولار تقريباً
كتبت باولا عطيّة لـ “هنا لبنان”:
يكاد لا يمرّ يوم إلاّ ونسمع بعقدة اقتصاديّة جديدة من بطولة حكومة ميقاتي. وآخر هذه العقد، صرف أموال السحب الخاصة بلبنان والتي تفوق المليار دولار، من درب مشروع مستدام، ليتمّ تبذيرها بطريقة مبهمة. وهذه الأموال تعود لصندوق النقد الدولي، ومنحت للدول بعد أزمة كورونا، بهدف استثمارها في مشروع مستدام. واستلم لبنان حصّته منذ نحو سنتين، إلّا أنّ الحكومة صرفت الأموال لغرض مغاير للغرض الأساسي، ليتبقى من المبلغ حوالي الـ 392 مليون دولار، في شهر كانون الثاني 2023، من أصل 1.139 دولار وهي قيمة حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان في أيلول 2021. فأين صرفت هذه الاموال؟
الحصّة الأكبر ذهبت لدعم الكهرباء والدواء والطحين
بحسب معلومات “هنا لبنان” قامت حكومة ميقاتي بصرف حوالي الـ 747 مليون دولار حتى نهاية كانون الثاني 2023، أي 70% من الأموال، تحت ذريعة دعم القمح والدواء والكهرباء. حيث تمّ صرف أكثر من 243 مليون دولار لدعم الدواء، وأكثر من 223 مليون دولار لدعم الكهرباء، وأكثر من 121 مليون دولار لدعم الطحين، فيما صرف نحو 110 مليون دولار لتسديد قروض، و35 مليون دولار لتسديد رسوم الـ SDR. كما صرفت حكومة ميقاتي أكثر من 13 مليون دولار على جوازات السفر اللبنانيّة، و10 مليون دولار على رسوم قانونيّة تابعة لوزارة العدل.
هذا ولم تصرف هذه الأموال بقرار مجلس الوزراء مجتمعاً، بل بقرار فردي من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وإذا ما تمكّنت الحكومة من صرف كلّ هذه الأموال على سياسات الدعم، من مال الـSDR كيف عجزت عن تمويل مصاريف إجراء الانتخابات البلديّة؟
مخالفة لقانون الشراء العام والمحاسبة العموميّة
وفي هذا الإطار تقول الإعلاميّة غادة عيد، الصحافيّة المتخصّصة بملفات الفساد، في حديثها لموقع “هنا لبنان”، أنّ “هذه الأموال تصرف بمعدّل 100 مليون دولار شهرياً، من دون أيّ رقابة أو لا تدخل إلى الموازنة أو إلى الحساب رقم 36 من حساب خزانة المركزي في مصرف لبنان”.
وتسأل عيد “كيف نصرف 200 مليون لدعم الدواء؟ و300 مليون لدعم الكهرباء؟ و100 مليون لدعم القمح؟ كيف يتمّ هذا الدعم؟ وكيف تتمّ عمليّة البيع والشراء؟ هل تمّت مراعاة قانون الشراء العام؟ هل تمّت مراعاة الأصول القانونيّة حسب المادتين 52 و112 من قانون المحاسبة العموميّة؟”
وتنصّ المادّة 52 من قانون المحاسبة العموميّة وفق المرسوم رقم 14969 تاريخ 30-12-1963، على أنه “تقبل بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء الأموال التي يقدمها للدولة الأشخاص المعنويون والحقيقيون. وتقيد في قسم الواردات من الموازنة وإذا كانت لهذه الأموال وجهة إنفاق معينة فتحت لها بالطريقة نفسها اعتمادات بقيمتها في قسم النفقات”.
فيما تنصّ المادّة 112 من قانون المحاسبة العموميّة الصادر في 30 كانون الأول 1963 على أنّ “الوزير مسؤول شخصياً على أمواله الخاصة عن كل نفقة يعقدها متجاوزاً الاعتمادات المفتوحة لوزارته مع علمه بهذا التجاوز، وكذلك عن كل تدبير يؤدي إلى زيادة النفقات التي تصرف من الاعتمادات المذكورة إذا كان هذا التدبير غير ناتج عن أحكام تشريعية سابقة. ولا تحول هذه المسؤولية دون ملاحقة الموظفين الذين تدخلوا بعقد النفقة، وتصفيتها، وصرفها أمام ديوان المحاسبة، ما لم يبرزوا أمراً خطياً من شأنه إعفاؤهم من المسؤولية”.
وتضيف عيد “لماذا لم نرَ أيّ نائب تحرّك في هذا الملفّ؟”، مشيرة إلى “أنني تقدّمت، مع عدّة محامين باستدعاء إلى ديوان المحاسبة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل وكلّ من يظهره التحقيق متورطاً”.
صندوق النقد لا يملك حقّ الرقابة اللصيقة على كيفيّة صرف الأموال
من جهته يوضح الخبير الاقتصادي أنطوان فرح في حديثه لموقع “هنا لبنان” أنّ “صندوق النقد لا يملك حقّ الرقابة اللصيقة على كيفيّة إنفاق الأموال، التي خصّصها لمعظم دول العالم على اعتبار أنّ اقتصادها يعاني من جرّاء تداعيات جائحة كورونا، والأزمة الاقتصاديّة العالميّة، وكان من حقّ الحكومة التصرّف بهذا المبلغ على أساس الدعم من الماليّة العامّة”.
إلاّ أنّه ونظراً للوضع اللبناني الحالي، يتابع فرح، “ونتيجة أزمة الإنهيار والافلاس، فمن الطبيعي أن يحقّ للرأي العام بأن يكون هناك رقابة وشفافيّة على هذه الأموال. إلّا أنّ الحكومة أيضاً، وبسبب عدم وجود إدارة جيّدة لهذه الأزمة ولا قرارات للخروج منها، فالحكومة اللبنانيّة تحتاج دائماً إلى عملة صعبة، وإذا كانت خياراتها تنحصر بين الإنفاق من حقوق السحب الخاصّة أو من أموال المودعين الموجودة في الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان، فطبعاً من الأفضل أن تصرف من حقوق السحب الخاصّة التي تخصّها وليس من أموال المودعين”.
ويعتبر أنّه “وعلى الرغم مما تقدّم، كان من واجب الحكومة إنفاق هذه الأموال بشفافيّة مطلقة، وبتأنٍّ بناءً على دراسات، خصوصاً وأنّ لبنان يعاني بالأساس من شحّ بالأموال الصعبة. ومن حقّ الشعب اللبناني أيضاً، أن تصارحه الحكومة كيف أنفقت هذه الأموال، والتي وصل حجمها حتى الآن إلى الـ800 أو 900 مليون دولار، وهو مبلغ كبير جداً”.
أمّا عمّا تبقى من أموال حقوق السحب الخاصّة يقول فرح إنّ “على الحكومة إخضاع ما تبقى من هذه الأموال للشفافيّة والتأنّي بإنفاقها. ومع الأسف لم يعرف اللبنانيّون ما تمّ إنفاقه من هذه الأموال وعلى ماذا تمّ إنفاقها. والحكومة ووزارة الماليّة ملزمتان على إصدار بيان واضح وتفصيلي يبرز كيف أنفقت هذه الأموال وإذا ما كان فعلاً هناك شفافيّة ورقابة في عمليّة الإنفاق، فلبنان لم يعد يحمل أيّ إنفاق مفرط وغير مدروس بالعملة الصعبة”.