سجعان قزي… كتب وصيته ومشى
سجعان قزي “تاريخٌ في رجل”، لم يكن كتائبيًا فحسب، بل تاريخ حزب الكتائب ثم لاحقًا تاريخ القوات اللبنانية، ليس في الأمر مبالغة، فمَن عرفه منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي ثم مطلع ثمانينياته، يُدرِك أن الرجل لم يكن شخصية عادية بل كان الذاكرة قبل أن يصبح الذكرى.
كتب جان الفغالي لـ “هنا لبنان”:
في الخامس من تشرين الثاني من العام الفائت، غرَّد سجعان قزي على “تويتر” فكتب: ” تشرين في سادسه يناديني: أتَذكرُ تلك الليلة لمّا وُلدتَ بين بساتين الموزِ والليمون، على ضفافِ نهر أدونيس والجسر الروماني؟ كان الليلُ يتصارع في منتصفه، وكانت الخمسينياتُ في ثانيها، وكان اسمُك فقط مكتوباً. يعود تشرين يناديني: قاوم. ربحتَ كلّ المعارك، ولا استثناءَ في المقاومة”.
كتب سجعان هذه التغريدة بعد أربعة وسبعين يومًا على عِلمِه بأنه مصاب بمرض السرطان، علِم يوم 23 آب في ذكرى انتخاب بشير الجميل رئيسًا للجمهورية، يقول الشيخ نديم الجميِّل في تغريدة له: “في ٢٣ آب ٢٠٢٢، اتصلت بسجعان قزي لأسأله عن سبب غيابه عن ذكرى انتخاب بشير، هو الذي لم يغب مرة عن مناسبة تعنى ببشير، فأخبرني أنه علم يومها أنه مصاب بالسرطان.
كتب سجعان تغريدته عشية عيد ميلاده السبعين، وكأنه كان يعرف أنه سيكون تشرين الأخير، ويقول: “يعود تشرين يناديني: قاوم. ربحتَ كلّ المعارك، ولا استثناءَ في المقاومة”.
صحيح، سجعان ربِح كل المعارِك، ولا سيما السياسية منها، إلا معركته الأخيرة مع السرطان، فأسلم الروح يوم الخميس، الموعِد المعتاد لمقاله الأسبوعي الذي توقف عن كتابته في السادس عشر من شباط الفائت، بعدما اشتدّ عليه المرض، وكان آخر مقال له.
في نشرة الأخبار الواحدة لـ “إذاعة لبنان الحر”، عند الثانية إلا ربعًا، في ثمانينيات القرن الماضي، كانت هناك ثلاث نشرات، إنْ صحَّ التعبير، مقطع من إحدى خطب بشير الجميّل، ثم نشرة الأخبار، ثم التعليق السياسي لمدير الإذاعة سجعان قزي.
لم يكن بالإمكان لأي متابِع إلا أن يستمع “للنشرات الثلاث”، فإنْ فاتت المستمِع أي واحدة منها، يشعر كأنّ شيئًا فاته.
سجعان قزي “تاريخٌ في رجل”، لم يكن كتائبيًا فحسب، بل تاريخ حزب الكتائب ثم لاحقًا تاريخ القوات اللبنانية، ليس في الأمر مبالغة، فمَن عرفه منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي ثم مطلع ثمانينياته، يُدرِك أن الرجل لم يكن شخصية عادية بل كان الذاكرة قبل أن يصبح الذكرى.
أراد بشير الجميل أن تكون هناك إذاعة “للمقاومة اللبنانية”، فكانت “لبنان الحر”، ومَن غير سجعان قزي أهل ليكون على رأسها؟
سجعان قزي كان يعرف عقل بشير الجميِّل، إلى درجة أنه كان يكتب له خطاباته، ومن ألمعها في مطلع الثمانينيات، ومنها قوله في أحد الخطابات:
“نحن قديسو هذا الشرق وشياطينه. نحن ناره ونوره”، حتى أن سجعان كتب “خطاب القسم” لبشير الجميل، لكن لم يتسنَّ له إلقاؤه لأنه اغتيل قبل موعد إلقائه.
أينما كان، ظلَّ سجعان قزي كاتبًا، صاحب رأي وفكر وعقيدة، لم يكن مؤرخًا، لكنه كتب في التاريخ، لم يكن فيلسوفًا لكنه كتب في الفلسفة السياسية، حملت مؤلفاته عناوين مثيرة، منها “سياسة زائد تاريخ”، “لبنان والشرق الأوسط بين ولادة قيصرية وموت رحيم” و”تغيير الأنظمة والثورات”. لم يُمهله المرض الخبيث ليُكمِل مؤلفاته، وإن كانت شبه جاهزة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
راقبوا الميدان… الحرب في بدايتها | لبنان أمام عشرة أسابيع حاسمة | تدمير تحت الأرض.. دمارٌ فوق الأرض |