مرضى السرطان وغسيل الكلى: قسمٌ ينتظر الموت وقسمٌ آخر أسلم الروح
فيما يمرّ الوقت، والحلّ لا يظهر، يلفظ مرضى السرطان وغسيل الكلى في لبنان أنفاسهم الأخيرة، بانتظار موت رحيم أرحم من “جهنّم” التي فرضها عليهم المسؤولون.
كتبت باولا عطية لـ “هنا لبنان”:
كلّما اقتربت مشكلة مرضى السرطان وغسيل الكلى إلى الحلحلة، تعود العراقيل لتعترض طريق الحلّ. وكأنّ عذاباً أبديًّا كتب على هؤلاء المرضى بانتظار أن يتحمّل المعنيون مسؤولياتهم، والمضي قدماً في حلول مستدامة.
وفيما الوقت يمرّ، والحلّ لا يظهر، يلفظ مرضى السرطان وغسيل الكلى في لبنان أنفاسهم الأخيرة، بانتظار موت رحيم أرحم من “جهنّم” التي فرضها عليهم المسؤولون.
أزمة غسيل كلى في مطلع حزيران
فبعد رفع تعرفة جلسة غسيل الكلى، لتتماشى مع الكلفة الفعليّة التي تتكبّدها المستشفيات، وبعد أن تمكّن بعض المرضى من دفع هذه الفاتورة إن من مساعدات وزارة الصحّة أو من بعض الاموال التي يرسلها ذووهم من الخارج، برزت مشكلة جديدة تتعلّق بتأمين الأموال اللّازمة لوزارة الصحّة حتّى تتمكّن من تسديد الفواتير التي سوف تتوجّب عليها للمستشفيات. وذلك بحسب بيان أصدرته نقابة أصحاب المستشفيات في لبنان. معتبرة أنّ السّقوف الماليّة المعمول بها حالياً لا تكفي لما بعد شهر أيّار، وبالتالي نحن أمام مشكلةٍ كبيرةٍ ابتداءً من شهر حزيران.
وناشدت النقابة حكومة تصريف الأعمال بشخص رئيسها، “العملَ سريعاً على تأمين الاعتمادات اللّازمة لوزارة الصحّة العامّة تفادياً لأزمةٍ كبيرةٍ قد تنتج إذا لم تتمكّن الوزارة من تسديد الفواتير في المواعيد الّتي تمّ الاتفاقُ عليها بين الوزارة والمسشفيات حيثُ لن يكونَ بقدرة هذه الأخيرة تأمين الأدوية والمستلزمات الطبيّة للمرضى”.
أدوية السرطان في السوق السوداء
في المقابل يعاني عدد كبير من مرضى السرطان والأمراض المزمنة الأخرى، من انقطاع الأدوية، في السوق اللبنانية. ما يدفع بالبعض إلى استيراد هذه الأخيرة من السوق السوداء في تركيا أو من مصر أو كندا، بضعفي أو ثلاثة أضعاف سعرها الرئيسي. فيما يُترك من لا يملك الإمكانية لاستيراد الدواء، لمصيره، ينازع بين الحياة والموت.
في المقابل تغزو الأدوية الملوّثة والمزوّرة الأسواق اللبنانيّة، بعد أن يتمّ تهريبها وإدخالها إلى لبنان عبر الحدود غير الشرعيّة. وهذ الأدوية يصعب التعرّف إليها من دون التدقيق على أساس الرقم المتسلسل للدواء ومراجعة الشركة المنتجة. وآخر ضحايا أزمة الدواء القاتل أطفال من مرضى السرطان حصلوا على جرعات من دفعة ملوثة لأحد الأدوية المستخدمة في علاج السرطان وأمراض المناعة الذاتية.
29 ألف مريض سرطان و4 آلاف مريض غسيل كلى
وفي وقت سابق، كانت منظمة الصحة العالمية قد أصدرت بياناً نشرته على موقعها الرسمي، يتعلق بعثورها على “دفعة ملوثة من منتج Methotrex 50 Mg(Methotrexate) الخاص بعلاج السرطان في اليمن ولبنان، بعد ظهور آثار ضارة على أطفال مرضى يتلقون الدواء، إذ أجرت السلطات الصحية في البلدين اختبارات ميكروبيولوجية على القوارير المختومة المتبقية، وكشفت نتائج الاختبارات عن وجود بكتيريا الزائفة الزنجارية، وهو ما يدل على تلوث المنتجات.
وشددت المنظمة على ضرورة الكشف عن المنتجات الملوثة وسحبها من التداول منعاً لإلحاق الأذى بالمرضى، فيما طلبت زيادة الترصد وتوخي الحذر على مستوى سلاسل التوريد في البلدان والأقاليم التي يحتمل تأثرها بهذا المنتج. ونصحت بزيادة المراقبة على مستوى الأسواق غير النظامية.
وفي لبنان حوالي 29 ألف مريض بالسرطان، وحوالي الـ4 آلاف مريض يحتاجون غسيل كلى، يواجهون الموت ببطء، بانتظار حلحلة أزماتهم. فقصّة أدوية السرطان ليست جديدة، بل تعود إلى العام 2021، فيما قصّة مرضى غسيل الكلى، تلتها بعام.
أدوية مزوّرة وفاسدة
وفي هذا الإطار يقول رئيس جمعية “بربارة نصار” لدعم مرضى السرطان في لبنان هاني نصار، في حديثه لموقع “هنا لبنان”، إنّ “الأدوية الفاسدة في الأسواق لا تأتي عن طريق وزارة الصحّة إنّما تدخل لبنان بطرق غير شرعيّة، عن طريق بعض التجّار. فيما يلجأ البعض إلى شراء أدوية من الخارج، من دول كتركيا حيث لا يمكن للمريض التأكّد من صحّة هذه الأدوية. ويعطي مثالاً على ذلك إحدى الفتيات التي حاولت شراء دواء سرطان من تركيا، فكانت أمام سعرين لدواء واحد، الأوّل بـ2300 دولار فيما الثاني بـ1500 دولار. وحجّة التاجر الأوّل أنّ هناك خصم على هذا الدواء، فيما حجّة التاجر الثاني أنّه يستورد الدواء بطريقة أرخص، فكيف باستطاعة الشخص أن يثق بأنّ هذا الدواء غير مغشوش؟ خصوصاً وأنّ هناك الكثير من الأدوية المزوّرة التي يتمّ كشفها في المختبرات. وبالتالي أصبح المريض يتكبّد همّ علاجه ونفقاته من جهّة، وهمّ التأكّد من صحّة الدواء الذي عليه تناوله. حيث هناك العديد من المرضى الذين تعالجوا ولم يستفيدوا من العلاج لأنّ الدواء كان مزوّرا”.
لا ميزانيّة لـ”الصحة” لدعم أدوية السرطان
ويضيف نصّار “مرضى السرطان لم يتخلّصوا من المشكلة من الأساس كي تعود، فعلى الرغم من أنّ الوضع الآن أفضل بكثير من السابق مع نظام المكننة الذي فرضته وزارة الصحة لتتبّع الدواء، إنّما هذا النظام لم يعتد الناس عليه بعد، فيما يواجه مرضى السرطان في لبنان ثغرات عديدة يجب أن يتمّ إصلاحها، وأن لا يتحمّل عواقبها مريض السرطان”.
ويلفت إلى أنّ “الأدوية لا تعطى للمرضى لأنّ لا ميزانيّة للدولة ولا قدرة على تأمينها. فأدوية سرطان المبيض، على سبيل المثال، ووفق المعايير العالميّة يجب أن تؤمّن لـ20 سيّدة على الأقلّ، فيما وزارة الصحّة اللبنانيّة ولأنّها غير قادرة على تأمين الدواء لـ20 شخصاً، اكتفت بتأمينه لـ10 أشخاص، ممن يعانون من حالة مرضيّة معيّنة، فيما حياة الـ10 البقيّة في خطر، فإذا لم يوفّر لهم الدواء سيموتون. وفي كلّ مرّة نتواصل فيها مع وزراة الصحّة يأتي الجواب بأنّ الوضع الآن أفضل ممّا كان عليه سابقاً، فعلى الأقلّ الوزارة الآن بامكانها تأمين كميّة معيّنة، ولو لعشرة أشخاص فقط، على عكس السابق حيث لم يكن أي مريض قادر على الاستفادة من هذه الأدوية. في الوقت الذي تهدر فيه الدولة الملايين في جميع القطاعات، إلّا أنّها تقنّن أموالها على حساب صحّة المريض”.
الأدوية الأساسيّة غير مدعومة
ويلفت نصّار إلى “أنّنا ومنذ عدّة سنوات نطالب المعنيين بزيادة نسبة الأموال لوزارة الصحّة، ولا أحد يسمع مطالبنا. وإلى ذلك هناك أدوية رفع الدعم عنها، وهي عادة أدوية رخيصة نسبياً، بحجّة توفير وزارة الصحّة المال لتأمين الأدوية الباهظة الثمن. وطبعاً هذه الأدوية يجب أن تبقى مدعومة حيث أنّ سعرها يبدأ من 3000 ويصل إلى الـ10 آلاف دولار. إلّا أنّ الأدوية الرخيصة نسبياً تدخل جميعها في أساس العلاج الكيميائي لأي حالة سرطانية. وأسعار هذه الأدوية تبدأ من 200$ للأمبول الواحدة. فدواء “الدوسيتاكسيل” على سبيل المثال سعره 26 مليون ليرة للأمبول الواحدة، ويستخدم المريض 2 امبول لكل جلسة إلى جانب 3 أدوية أخرى تدخل بعلاج الجسلة الواحدة. كدواء “البيرجيتا” و”البروستين”، المدعومين، حيث يدفع المريض 300 ألف ليرة فرق الضمان. وبالتالي سيتوجّب على المريض دفع أكثر من 50 مليون ليرة لكلّ جلسة علاج. بالمقابل لا يغطّي الضمان من ثمن دواء الـ “التاكسوتير” والذي يدخل في علاج سرطان الثدي سوى 100 ألف ليرة! فيما الدواء غير مؤمّن لدى وزارة الصحّة. واللائحة تطول وتشمل جميع الأدوية الأساسيّة الأخرى للعلاج”.
ويتابع نصّار “تواصلنا مع الضمان، فلم يردّ علينا أحد، حيث لا نيّة للضمان بتغطية هذه التكاليف، على الرغم من أنّ الميزانيّة مؤمّنة، ومجلس إدارة الضمان لا يجتمع وإذا اجتمع لا يتفّق على قرار واحد. أمّا وزارة الصحّة، فوعدتنا بقدوم هبة، إلّا أنّها لم تصل منذ أكثر من شهرين!”
وعن واقع المرضى اليوم يقول “قرّر العديد منهم إيقاف العلاج بانتظار الموت، فيما أسلم مرضى آخرون الروح”.
رفع تعرفة غسيل الكلى مرّة جديدة؟
في المقابل تتخوّف مصادر مطّلعة في حديثها لموقع “هنا لبنان” من أن “تتفاقم أزمة مرضى غسيل الكلى، في حال توقّف المستشفيات الخاصّة عن قبول المرضى الذين يتعالجون على حساب وزارة الصحّة”.
ومن جهة أخرى تحذّر المصادر من أن “تكون الخطوة التصعيديّة التي اتخذتها نقابة أصحاب المستشفيات في لبنان ليست إلّا ذريعة لرفع التسعيرة مرّة جديدة. وبالتالي سيكون المتضرّر الأوّل من هذه الخطوة المرضى”.
في المقابل ترى مصادر طبيّة في حديثها لموقع “هنا لبنان” أنّه “وعلى الرغم من البعد الإنساني الذي تحمله رسالة الطبيب، وقضيّة مرضى غسيل الكلى، إلّا أنّ هذه الرسالة لا يمكن أن تستمرّ في ظلّ عدم دفع الدولة المستحقات المطلوبة للمستشفيات. فهذه الأخيرة تتكلّف ثمن استيراد مواد طبيّة بالدولار، إلى جانب التكاليف التشغيليّة للمستشفى. وإذا استمرّ الوضع على ما هو عليه قد تضطر هذه المستشفيات إلى الإقفال”.