تقرير البنك الدولي يدقّ ناقوس التنبيه… الطبقة السياسية تعمّق الإنهيار
حمل تقرير البنك الدولي رسالة واضحة للسياسيين، وهذا بعدما تم تسريب خبر قبل نحو أسبوع يؤكد أن لائحة العقوبات التي ستطال القوى السياسية المعرقلة للانتخابات الرئاسية ولاستقرار المؤسسات والقيام بدورها، باتت جاهزة.
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
هي ليست المرة الأولى التي يعبّر فيها المجتمع الدولي عن فقدانه الأمل من إمكانية تجاوب الطبقة السياسية مع الإصلاحات المطلوبة لانتشال لبنان من أزمته في ظل وجود قرار غير معلن لدى هذه الطبقة بالمراوحة والمراوغة، متقنةً فنّ تضييع الوقت واللعب على الكلمات والمفردات.
وهذا ما أشار إليه بوضوح تقرير المرصد الاقتصادي للبنان ربيع العام 2023 بعنوان: “التطبيع مع الأزمة ليس طريقاً للاستقرار”، الصادر عن البنك الدولي والذي قدّم عرضاً لأحدث التطورات والمستجدات الاقتصادية الأخيرة، وقيّم الآفاق والمخاطر الاقتصادية في ظل استمرار انعدام اليقين والجمود السياسي.
لافتاً إلى أن “صناعة السياسات بوضعها الراهن تتسم بقرارات مجزأة وغير مناسبة لإدارة الأزمة، مقوضةً لأي خطة شاملة ومنصفة، مما يؤدي إلى استنزاف رأس المال بجميع أوجهه، لا سيما البشري والاجتماعي، ويفسح المجال أمام تعميق عدم المساواة الاجتماعية، بحيث يبرز عدد قليل فقط من الفائزين وغالبية من الخاسرين”.
ورأى التقرير “أن الشلل على الصعيد السياسي لم يعرقل تنفيذ قرارات خاصة بإدارة الأزمة تخدم قاعدة النخبة الضيقة. وتؤدي هذه التدخلات المجزأة إلى تحويل العبء الناجم عن التعديل الاقتصادي إلى الشرائح السكانية الأكثر احتياجاً”. مشدداً على أن التأخير في تنفيذ خطة شاملة للإصلاح والتعافي سيؤدي إلى تفاقم الخسائر على صعيد رأس المال البشري والاجتماعي ويجعل التعافي أطول أمدًا وأكثر تكلفة”.
مصادر مواكبة لعمل الحكومة أكدت لموقع “هنا لبنان” أن حكومة “معاً للإنقاذ” وقبل نهاية ولايتها بساعات أقرت خطة تعافٍ تحت عنوان: “إستراتيجية النهوض بالقطاع المالي” إلا أنها لم تحظَ بإجماع وطني بل أثارت لغطًا حول بنودها؛ ذلك لأنها لم تطرح حلولًا عملية لأهم قضية في الأزمة، أي تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وأغفلت قضايا عديدة مثل الفساد وحلّ مشكلة الطاقة والودائع.
وأكدت المصادر أنه عندما وضعت الحكومة الخطة اعتبرت أنها بذلك تكون قد وضعت خطة تتناول سياسات الإصلاح المالي والإقتصادي بهدف مواجهة الأزمة الإقتصادية والمالية والإجتماعية غير المسبوقة، وقد رأت أن تلك الخطوة تشكل الركيزة الأساسية لمفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي للتمكن من وضع البلاد على طريق التعافي، فيما هدفت الخطة إلى تحقيق مجموعة من الإصلاحات التي تؤمّن استقرار الإقتصاد وتدفع عجلة النمو.
إلا أنّ المصادر شددت على أن السير بالخطة يقتضي أن تتوفر لدى أصحاب القرار الإرادة السياسية الجامعة لإقرار الخطة والسير بها بكل ما يتطلبه الأمر من صدق وتجرّد وترفّع عن المصالح والحسابات الشخصية لتحقق الخطة أهدافها المرسومة.
لكن، وللأسف إن أداء الطبقة السياسية والمالية، المتداخل بتركيبتها ومصالحها، حال دون السير بالخطوات المطلوبة، وبالتالي أدى إلى المزيد من التدهور وانحدار الأوضاع العامة إلى مراتب سحيقة وتراكم المزيد من الأزمات التي تزداد استعصاءً وتفرض واقعاً أشد غموضاً.
وفي هذا الإطار أكد الخبير في الشؤون الإقتصادية الدكتور بلال علامة أن تقرير البنك الدولي رسالة واضحة للسياسيين أن العقوبات باتت قريبة جداً، إذ أنه كان قد تم تسريب خبر قبل نحو أسبوع يؤكد أن لائحة العقوبات التي ستطال القوى السياسية المعرقلة للانتخابات الرئاسية ولاستقرار المؤسسات والقيام بدورها، باتت جاهزة.
ويبدو بحسب علامة أن البنك الدولي من خلال هذا التقرير يترقب تواصلاً أو ردة فعل من قبل المسؤولين اللبنانيين، كما يهدف إلى كشف نوايا الطبقة السياسية ورؤيتها المستقبلية.
ولفت علامة إلى أنه على يقين أن الطبقة السياسية الحاكمة قد خططت وتعمدت إيصال الأمور إلى ما آلت إليه اليوم بما يتعلق بالإصلاحات والقوانين. وهدفها تهيئة الوضع ليصبح جاهزاً لأي تسوية أو “طبخة” واستعمال أوراقها المخبأة لاستثمارها في إعادة التجديد لنفسها.
وإذ رأى علامة أن مضمون التقرير الأخير للبنك الدولي متقدم وهو رسالة قاسية ودق “ناقوس التنبيه”، فإنه لفت إلى أن الكلام نفسه كان قد صدر على لسان وفد صندوق النقد الدولي الذي زار لبنان لمدة شهر. مؤكداً أن هذه المواقف الموجهة إلى المسؤولين اللبنانيين يمكن استثمارها من قبل المجتمع الدولي ومن ضمنه المؤسسات المالية للمساومة في أي تسوية سترسم مستقبلاً. لا سيما أنّ هذه الطبقة السياسية ستكون من ضمن هذه اللعبة التفاوضية وبالتالي ما يهم هذه المؤسسات هو استكشاف ما يمكن أن يكون عليه موقف رئيس الجمهورية المقبل والحكومة من الاتفاق مع صندوق النقد أو الديون وغيرها من الملفات حمايةً لمصالحها،
بحسب علامة فقد تأخر المسؤولون عن تحمل المسؤوليات، فأحد أهم أسباب الانهيار أنّ هؤلاء المسؤولين خارج نطاق المحاسبة والمساءلة ما يجعلهم يتنصلون من مسؤولياتهم وهذا ما نراه اليوم من خلال عبارة “ما خلونا… ونحن ما خليناهم”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |