ردّ الطعون بقانون التمديد للمجالس البلدية والاختيارية: أي “مصلحة عامة” في ظلّ أي “ظروف استثنائية”؟!
تحت ذريعة المصلحة العامة، جاء قرار المجلس الدستوري الأخير بردّ الطّعون المُتعلّقة بإجراء الإنتخابات البلديّة والاختياريّة، فهل تتعارض المصلحة العامة مع انتظام المؤسسات وتطبيق القوانين التي من المفترض أن تكون قد وضعت في الأصل من أجل هذه المصلحة؟
كتبت ميرنا الشدياق لـ “هنا لبنان”:
المصلحة العامة في لبنان باتت ذريعة تستخدم غبّ الطلب، فكم من القبائح اقتُرفت باسمها؟ وكم من مسؤول يتحدث باسمها تنصلاً من الإجابة بوضوح على سؤال حول قضية معينة؟
هذا المصطلح “الرنّان” يرد كثيراً في صياغة قرارات ومراسيم، حتى أنه لكثرة سماعه وقراءته بات وكأنه من الثوابت رغم أنه مفهوم فضفاض لا يمكن تحديده أو تعريفه تعريفاً جامعاً، إذ هو فكرة نسبية زمانًا ومكانًا. ولكن يمكن تلخيصه بأنه “لا بدّ من وجود أزمة أو خطر داهمٍ يهدّد صحة الناس وأرواحهم أو يهدّد مصالح الجميع أو الأغلبية الساحقة من الناس، ويستوجب تدخّل السلطات المعنية فيها لحلّها أو وقفها أو الحدّ منها، ما يستدعي إصدار قرارات تستند إلى مقتضيات المصلحة العامة”.
كان لافتاً قرار المجلس الدستوري الأخير بردّ الطّعون المُتعلّقة بإجراء الإنتخابات البلديّة والاختياريّة وقول رئيسه القاضي طنوس مشلب: “إنّ الأسباب التي دفعت المجلس إلى هذا القرار وجيهة، وكرّسناها بعدم إبطال القانون. والمصلحة العامة هي الأساس في قرارنا ونحن لا نحمي أحداً”.
صحيحٌ أن المجلس الدستوري شدّد في قراره على صوابية كل مبدأ ومخالفة دستورية تم ذكرها في الطعون، إلا أنه قرّر السير بالتمديد للمجالس البلدية والاختيارية على اعتبار أنّ جميع المجالس ستصبح شاغرة بدءًا من الأول من حزيران، وهو ما ينعكس على حياة اللبنانيين اليومية ومطالبهم الحيوية المرتبطة بإخراج قيد أو طلب شهادة ولادة أو طلباً لجواز سفر…
وهنا يُطرح السؤال: هل تتعارض المصلحة العامة مع انتظام المؤسسات وتطبيق القوانين التي من المفترض أن تكون قد وضعت في الأصل من أجل هذه المصلحة؟
الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك أكد في حديث لموقع “هنا لبنان” أنّ قرار المجلس الدستوري قضى في خلاصته بردّ مراجعة الطعن وبالتالي إعلان دستورية قانون التمديد. ومن الثابت أن هناك مبادئ ديمقراطية يقتضي دائماً على المشترع أن يتنبه لها، أهمها تداول السلطة ودورية الانتخاب وعدم جواز تجاوز عمر الوكالة ويُفترض على المشترع أن يكون حريصاً على هذه المبادئ. إلّا أن ظروفاً استثنائية قد تحصل أحياناً أو حال ضرورة طارئة تفرض على المشترع إرجاءً لاستحقاق معين لفترة زمنية محددة حتى ينتهي هذا الظرف بشكل أو بآخر، وقد اعتبر المجلس الدستوري اليوم في قراره أن الأسباب الموجبة والمرفقة بالقانون المطعون فيه كافية لاعتبارها ظروفاً استثنائية على رغم أن هذه الظروف، بحسب مالك، لها أسباب وشروط.
ورأى مالك أنّ الظرف الاستثنائي هو الظرف القاهر والطارئ والشاذ الذي يهدد السلامة العامة والأمن ويعرض النظام العام للخطر ويمكن أن يودي بكيان الأمة ويتسبب بزوالها. وسأل: عن أي ظروف استثنائية نتحدث اليوم؟ هل عن عدم توفر عدد مرشحين أو أن ليس هناك من حملات انتخابية؟ هذه أسباب هزيلة لا توصف بالظروف الاستثنائية. وبالتالي عندما يعتبر المشترع مثل هذه الظروف استثنائية يكون هدفه التهرب فقط من استحقاق معين أو محدد لسبب ما.
وشدد مالك على أنه كان يُفترض بالمجلس الدستوري أن يقوّم البوصلة وألّا يسمح للمشترع بأن يحرّف تعريف الظروف الاستثنائية وحال الضرورة وبالتالي لم يكن المجلس الدستوري موفقاً اليوم من هذه الزاوية حيث كان يفترض أن يتعاطى بالموضوع بصرامة أكثر مع المشترع وعدم الارتكان إلى ما يسمى الخوف من حالة الفراغ أو عملاً بمبدأ استمرارية المرافق العامة لأن القانون يحتوي على ثغرات عديدة كلها تؤدي إلى الطعن به.
وأكد مالك أنّ تفسير المصلحة العامة لا ينطبق مع التفسير الذي ذهب إليه المجلس الدستوري لأنه عندما يعتبر المشكلة الاقتصادية كسعر صرف الدولار وإفلاس بعض البلديات كاكأسباب موجبة فإن المصلحة العامة في هذه الحالة تقتضي الذهاب إلى إنتاج بلديات جديدة لا التمديد لها.
كما أن التعليل بأن المصلحة العامة هي الحؤول دون الوقوع في الفراغ أي عدم تفريغ المؤسسات تعليل غير موفق، لأن المصلحة العامة اليوم تفرض الذهاب إلى الانتخابات وليس الإحجام عنها. ولفت مالك في هذا الإطار إلى سوابق حين انتهت ولاية مجالس بلدية وتحديداً في 31/12/1988 واستمر عمل البلديات والمخاتير حتى 31/8/1990 حيث صدر قانون مع مفعول رجعي شرّع كافة أعمال البلديات والمخاتير. وبالتالي ليست بكارثة اليوم إذا ما ذهبنا إلى قانون بمفعول رجعي كما حصل عام 1990، فعن أي فراغ نتكلم إذاً؟
وشدد مالك على وجوب أن يكون هناك توازن بين الظرف الاستثنائي والمصلحة العامة، على أن يتم النظر في هذا الموضوع ضمن إطار دقيق جداً لناحية تناسب الظروف المتذرع بها مع التدبير الذي يجب اتخاذه. فيما مفهوم المصلحة العامة لا ينطبق في حال اعتماد التدبير الأقصى لظروف استثنائية بسيطة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
حراك دبلوماسي تجاه لبنان مستفسراً ومحذّراً… | هل تقرّ موازنة 2024 والزيادات الضريبية بمرسوم حكومي؟ | ﻣﻌﺮض ﻟﺒﻨﺎن اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻜﺘﺎب 2023: رسالة صمود وتكريس لدور لبنان الثقافي |