نسب الجريمة في لبنان تتراجع.. الأجهزة “مستعدّة” والمجتمع “متّحد”!
جاء العام 2023 مختلفاً، حيث عمّمت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، جدولًا إحصائيًا يظهر تراجعًا ملحوظًا في نسبة الجرائم مقارنةً مع العام المنصرم، كما جرى توقيف 4,218 شخصًا خلال هذه الفترة.
كتبت هانية رمضان لـ “هنا لبنان”:
في مجتمعٍ غابت عنه أدنى مقوّمات العيش الكريم، بات الأمن والأمان ميزة يفتقدها لبنان.
فبعدما حرمنا التمتع بسهرات متأخرة خوفاً من السير في شوارع وطننا التي يغرقها الظلام الدامس خشية النشالين والسارقين، ما عاد هؤلاء يتكلّفون عناء إخفاء هويّتهم واتّخاذ الليل ستاراً لجرائمهم وباتوا يمارسون “مهامهم” بشكل طبيعي في وضح النهار..
واستناداً إلى أرقام المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، فقد شهدت الأعوام 2018 و2019 و2020 ارتفاعاً في جرائم السرقة والقتل والخطف، بالإضافة إلى انتشار أنواع الجرائم التي تندرج في خانة الثأر والجرائم الفورية.
وكان السبب الرئيسي لتراجع الأمن في هذه السنين هو التراجع الاقتصادي، هذا فضلاً عن غياب الاستقرار السياسي الذي من شأنه أن يزيد من معدلات البطالة والفقر وبالتالي جرائم القتل والخطف والسرقة …
ولكن العام 2023 جاء مختلفاً، حيث عمّمت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، جدولًا إحصائيًا حول بعض الجرائم المرتكبة خلال الأشهر الأربعة من مطلع عام العام الحالي (كانون الثّاني، شباط، آذار ونيسان)، ويظهر الجدول تراجعًا ملحوظًا مقارنةً مع الأشهر ذاتها من العام المنصرم، كما جرى توقيف 4,218 شخصًا خلال هذه الفترة.
وفي البيان نفسه أكدت المديريّة العامة أنّه على الرغم من الظروف الأمنية الصعبة التي يمر بها لبنان، فإنَّ عناصرها على أهبّة الاستعداد للقيام بواجباتهم الأمنيّة لتأمين حماية اللبنانيين والمقيمين على مختلف الأراضي اللبنانية، وذلك بالتعاون والتنسيق مع مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية.
ومع ذاك، فلم يستوعب المواطنون ما تضمنه هذا البيان وكأنهم يشككون في إحصائيات قوى الأمن باعتبار أن هذه الجرائم منتشرة بشكل غير مقبول في مختلف المناطق اللبنانية على حد سواء.
مكافحة الجرائم في ظل الأزمات
وفي اتصال مع “هنا لبنان”، أكّدت مصادر أمنية على أهمية هذه الإحصائيات التي عرضتها قوى الأمن، منوّهةً بجهود المعنيين والإنجازات التاريخية التي انعكست تراجعاً في الأرقام رغم الوضع الراهن.
وردًا على شكوك المواطنين، أشارت المصادر عينها بأنّ الجرائم منتشرة في العالم وهي لا تتوقف، ولكن ما يجب التوقف عنده هو كيفية مكافحة هذه الجرائم مع وجود الأزمات.
وحمّلت المصادر الأمنية المسؤولية لبعض وسائل الإعلام التي تعرض معلومات الجريمة على الرأي العام، من دون متابعة تفاصيل ملاحقة المجرمين من قبل القوى الأمنية، مشدّدةً على أنّ جهود الأمن لا تتوقّف إلى حين كشف الحقائق.
وأسفت المصادر في ختام حديثها، عن إدمان الرأي العام على الأفكار السلبية، مما يجعلهم يبحثون عن الأخبار المتعلقة بالجرائم وإلقاء اللوم على المعنيين بغض النظر عن الدوافع التي سببت الجريمة.
انخفاض نسبة الجرائم في منظور علم الاجتماع
أكّدت المتخصّصة في علم الاجتماع الأستاذة مهى زيتوني أنّه إذا كانت الإحصائيات الرسمية تشير إلى انخفاض نسبة الجرائم في لبنان، فيمكن الاستنتاج أنّ هناك عوامل عديدة قد تساهم في هذا الانخفاض. وفي حديثها مع موقع “هنا لبنان” تحدثت زيتوني عن تفسيرات انخفاض نسبة الجرائم في مجتمع معين، مؤكّدة أنّ علم الاجتماع يقدم بعض الفرضيات التي يمكن استكشافها لشرح هذه الظاهرة. من بين هذه الفرضيات:
– زيادة الرقابة والأمن: قد تكون الجهود المبذولة من قبل قوى الأمن الداخلي في لبنان، والتي تشمل تعزيز التواجد الأمني وتحسين الرقابة وتعزيز التحقيقات والقبض على المجرمين، قد ساهمت في تراجع نسبة الجرائم.
-تراجع الفرص الجرمية: قد يؤدي الانهيار الاقتصادي وزيادة مستوى البطالة إلى تراجع الفرص الجرمية، فهذه التأثيرات في حياة الفرد لا تحتّم ارتكابه الجريمة.
– تأثير التضامن المجتمعي: قد يؤثر التضامن والتعاون المجتمعي في انخفاض نسبة الجرائم. عندما يتّحد المجتمع لمواجهة التحديات الاجتماعية مثل الفقر والبطالة والأزمات الاقتصادية، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الروابط الاجتماعية والتعاون بين الأفراد، مما يقلل من الجريمة.
– تأثير العوامل النفسية والثقافية: قد تلعب العوامل النفسية والثقافية دورًا في تفسير انخفاض نسبة الجرائم. على سبيل المثال، إذا كان هناك تحول في القيم الاجتماعية وزيادة للوعي بأهمية السلمية وحقوق الإنسان، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع في السلوك الجرمي.
وختمت زيتوني بالقول أنّه لا يمكن تحديد العامل الواحد الذي يمكن أن يشرح تراجع الجريمة في مجتمع معين، مشيرةً إلى أنّ الواقع المحلي والتحولات الاجتماعية المتعدّدة يجب أخذها في الاعتبار عند تحليل هذه الظاهرة.
مواضيع مماثلة للكاتب:
بين النزوح الدراسي والأزمات التعليمية.. مدارس في مهبّ الفوضى | أمان النازحين في قبضة السماسرة.. استغلال وجشع بلا حدود | براءة الأطفال في مهب الحرب.. وجروح نفسية لا تَلتئِم! |