الدولرة تمحو مشهد الطوابير أمام الصرافين.. والأوراق النقدية الجديدة ستنشّط الطلب على الليرة
أرباح الصراف اليوم تعادل ثلث ما كانت عليه في بداية الأزمة، والحركة على الليرة لا تتعدى الـ 20%
كتبت يارا الهندي لـ “هنا لبنان”:
كثيرة هي الطوابير التي وقف فيها اللبنانيون ينتظرون بعد الأزمة الأخيرة، من الخبز إلى المحروقات وصولاً إلى الصرّافين. إذ تزاحم اللبنانيون أمام محالّ الصيرفة بعد الشحّ في العملة الصعبة وتدهور الليرة وفقدانهم الثقة بها، فوقفوا ينتظرون دورهم ليستبدلوا رزم “اللبناني” بالدولار.. ولكن هذه الزحمة تلاشت في الآونة الأخيرة.
وفي جولة لـ “هنا لبنان” على بعض محلات الصيرفة، أكد عدد كبير منهم على تراجع الحركة بنسبة تصل إلى 70% مقارنة مع بداية الأزمة، مرجعين السبب لدولرة كافة القطاعات، بالإضافة إلى أنّ قسماً من اللبنانيين باتوا يتقاضون رواتبهم بالدولار أو جزءاً منها.
وفي حديث لـ “هنا لبنان”، يتناول نقيب الصرافين الدكتور مجد المصري واقع الصرافين اليوم، مؤكداً أنّ دور الصراف الشرعي حالياً يات يقتصر على كونه وسيطاً بين الشاري والبائع فيما يبقى دوماً محط الثقة والمرجعية. طارحاً علامة استفهام حول قدرة الصرافين على الاستمرار اليوم، باعتبار أن الصراف كأي تاجر إذا لم يقم ببيع بضاعته أي العملة (أكانت ليرة أم دولار) لن يحقق أرباحًا. فالصراف الشرعي، بحسب المصري، لا يدخل في لعبة المضاربة ولا يراهن على ارتفاع أو انخفاض الدولار مثل الصرافين غير الشرعيين الذين يؤثرون على ضرب الليرة والمراهنة ضدها.
فمنذ بداية الازمة وأرباح الصرافين تترواح بين الـ50 إلى 100 ليرة لبنانية، وكلما ارتفعت الليرة تنخفض قيمة أرباحهم بالدولار، ففيما كان المواطن يصرّف بين300$ إلى 1000 $ بات يصرف حالياً بين 10 و50$ فقط. وقد بات معظم الزبائن يسعون للحصول على “فراطة” الدولار لتسديد مصاريفهم، لأن البلد “مدولر”، وباتت حاجة المواطن لفكة الدولار تفوق حاجته للعملة الوطنية. وعلى ذلك فإنّ أرباح الصراف اليوم تعادل ثلث ما كانت عليه في بداية الأزمة، والحركة على الليرة لا تتعدى الـ 20%، بحسب المصري، الذي أكد أن الربح يبقى من العملات الاجنبية.
علاوة على ذلك، يؤكد المصري إصرار الصرافين على الاستمرار، رغم الأزمة الحالية لسببين:
الأول إيماناً منهم بأن الأزمة لن تطول، وثانياً لعدم ترك الساحة للمضاربين والمتعدين على المصلحة الذين سيعودون إلى أعمالهم الأساسية بمجرد استقرار سعر الصرف.
أما في ما يخصّ إصدار أوراق نقدية جديدة من فئة الـ200 والـ500 ألف، أو المليون ليرة لبنانية، فاعتبر المصري أن هذا أمر أساسي، ويسهل عمل التجار والمواطنين، إذ يذهب إلى المطاعم وغيرها من الأماكن ويدفع بالدولار لكي لا يحمل رزماً من العملة اللبنانية، ولذلك فإنّ الفئات الجديدة من العملة ستنشّط الطلب على الليرة اللبنانية والعمل لدى الصرافين وقد تكون خشبة خلاص، لأن المواطن يفضّل أخذ فرق العملتين من الصراف، بدلاً من المطاعم أو المحال التجارية أو غيرها من الأماكن التي يدفع فيها بالدولار.
ومن ناحية أخرى، وفي ما يتعلق بتداعيات تراجع نسب الصرافة الاقتصادية، فيشير الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي في حديث لـ “هنا لبنان” إلى أنه ووفق دراسة محكمة فقد وصلت نسبة الدفع بالدولار إلى ٨٠٪، بالإضافة إلى أن العام المقبل سيحمل معه واجب الدفع في الجامعات والمدارس بالكامل بالدولار الفريش، ومحطات البنزين، لنصل إلى نسبة دفع بالعملة الأجنبية ما بين ٨٥٪ إلى ٩٠٪ لتبقى فقط الدوائر الرسمية الوحيدة التي تتعامل الليرة اللبنانية.
ويؤكد جباعي أننا ذاهبون إلى تدهور سعر صرف العملة وغياب الأفق بالليرة اللبنانية، مشيراً إلى أنّ تراجع بيع الدولار، له تأثير إيجابي وسلبي.
-الإيجابي:أن لا طلب كبير لدى الصرافين لتصبح الليرة بذلك سلعة هدفها المضاربة لأن الشراء من السوبرماركت، ريادة المطاعم، السياحة الداخلية، وغيرها، لم تعد بالليرة اللبنانية بل بالدولار.
-السلبي: القضاء على العملة الوطنية بشكل كلي، إذ لم تعد الليرة محل ثقة، لأن المواطن يستخدم العملة الاجنبية، مما يؤثر سلبًا على موظفي القطاع العام، ومن يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية، ما سوف ينعكس مستقبلًا على موضوع التضخم.
ويعطي جباعي مثالًا على ذلك، فما كان سعره يساوي دولاراً أصبح دولارين أو أكثر، لنصبح أمام تضخم فعلي بالسلعة بالدولار، الأمر الذي يحتم علينا الرجوع إلى الدراسة التي أظهرت أن اللبناني كان بحاجة في العام ٢٠٢٢ إلى ٥٠٠$ شهريًا على الأقل لقضاء حاجاته الطبيعية، أما اليوم فهو بحاجة إلى ٧٠٠$ أو ٨٠٠$ ليصبح بعد فترة بحاجة إلى ١٠٠٠$ و١٢٠٠$، الأمر الذي يعيدنا إلى زمن الـ١٥٠٠ حيث يصبح اللبناني بحاجة أن يُدخل بين ٢٠٠٠ و٣٠٠٠$ ليكفي حاجاته، بحسب جباعي، ما يؤدي إلى سحق أكثر لمجموعة من المواطنين الذين لم تطل الدولرة رواتبهم بعد وبالأخص موظفو ومتقاعدو القطاع العام.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ميقاتي وصفقة المليار يورو… على “ظهر اللبنانيين” | قنبلة الذوق الحراري: مواد كيميائية تنذر بكارثة جديدة في لبنان! | “دورة خفراء في الجمارك” تثير الجدل مجددًا… فهل يتم إقصاء المسيحيين من وظائف الدولة؟ |