لبنان مهدّد بمياهه… 40% من حاجاتنا غير متوفرة
لبنان اليوم تحت خطر الجفاف الحاد بسبب قلّة تساقط الأمطار والثلوج وغياب خطط ترشيد استخدام المياه والهدر الذي وصلت نسبته إلى 40%، والاستعمال المفرط للثروة المائية تحت الأرض
كتبت ناديا الحلاق لـ “هنا لبنان”:
“لبنان أمام أزمة مياه”، هو العنوان الذي يتكرر بين الآونة والأخرى، فهذا البلد الذي يعتبر تاريخياً من أغنى الدول العربية لناحية موارده المائية الطبيعية، هو اليوم تحت خطر الجفاف، بسبب السياسات الترقيعية وسوء الإدارة والتخطيط وغياب الاستراتيجيات العادلة.
فهل نحن مقبلون على أزمة مياه كبرى في لبنان؟
للوقوف على تفاصيل هذه الأزمة التي نوشك على الوقوع بها، يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور بسام همدر لـ”هنا لبنان”، أنّ “لبنان جغرافياً يحتوي على حوالى 15 نهراً، أهمها نهر العاصي، البارد، الحاصباني والليطاني. ويعتبر الليطاني من أهم الأنهار في لبنان، ولو حافظنا عليه لكان بالإمكان الحصول من خلاله على 800 مليون متر مكعب سنوياً من المياه”.
وفيما يؤكد همدر أنّ هذا النهر باستطاعته أن يغني لبنان وأن يسد عجزه المائي، يأسف للمماطلة في تنفيذ مشروع الليطاني الذي ما زال معلّقاً وحبراً على ورق حتى تاريخه.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أنّ “أرضية لبنان المائية قادرة على سدّ حاجاته الآنية والمستقبلية رغم كل تغيرات المناخ ورغم الجفاف الذي يضرب المنطقة، شرط أن نحسن الاستفادة منها، إذ يهطل على هذه الأرض سنوياً نحو 9 مليارات متر مكعب من الأمطار، نخسر 5 مليارات منها بسبب التبخر والتعرق، فيما يتسرب فقط 4 مليارات للطبقات الجوفية، ليبقى وفق التقديرات نحو 3 مليارات في المخزون”.
ويتابع شارحاً: “لبنان يحتاج إلى 2 مليار متر مكعب من المياه للزراعة ومليار متر مكعب للأفراد و300 متر مكعب للصناعة، وبالمجمل نحن بحاجة إلى 3.3 مليار متر مكعب بشكل عام ولدينا منها بالحد الأقصى 3 مليار متر مكعب تقريباً”.
وحذّر همدر أنّ هذه الأرقام تعني أنّ “لبنان مقبل على أزمة شح في المياه”، موضحاً أنّ “طلب السكان واستهلاك المياه سيزداد حتى العام 2030، وإذا ما بقي الحال على ما هو عليه فإنّنا لن نستطيع الحصول على 40% من حاجتنا للمياه، ما سيشكل أزمة كبرى في الزراعة والصناعة والأمن الغذائي، ما يعني فوضى اقتصادية كبيرة”.
جفاف مرتقب
أزمة المياه ليست وليدة اليوم، بل هي نتيجة سياسات مزمنة، وهذا ما يوضحه همدر: “منذ السبعينات وحتى اليوم لم تعطِ الحكومات المتعاقبة أي أهمية للثروة المائية، ولم يكن ضمن أجندتها أي نظرة مستدامة لها، خصوصاً وأنّ القطاع الزراعي لم يكن قطاعاً مغرياً بالنسبة لها ولا لفلسفتها الريعية والاقتصادية، علماً أنّ الموارد المائية في لبنان باستطاعتها أن تنعش الاقتصاد اللبناني”.
ويرى همدر أنّ “لبنان اليوم تحت خطر الجفاف الحاد بسبب قلّة تساقط الأمطار والثلوج وغياب خطط ترشيد استخدام المياه والهدر الذي وصلت نسبته إلى 40%، والاستعمال المفرط للثروة المائية تحت الأرض”.
وتكشف دراسة إحصائية شملت عينة من 3 آلاف مواطن لبناني، أنّ لبنان يستهلك سنوياً أكثر من 450 مليون دولار لشراء مياه الخدمة والشفة وهذه جميعها من الثروة المائية الموجودة تحت الأرض.
ولو استغلت الدولة هذه الموارد بشكل صحيح لكان بإمكانها تطوير استخدامها كمدخل أساسي في تطوير العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى.
سوء التخطيط والإدارة
من جهته، يقول الباحث الهيدروجيولوجي د. سمير زعاطيطي لـ”هنا لبنان”: “لم تتمكن الحكومات التي تعاقبت على الحكم بعد الإستقلال من تسيير أمور وزارات الدولة الخدماتية من ماء وكهرباء وطرقات وغيرها، بعد أن كانت تعمل بشكل شبه منتظم في ظلّ الإنتداب، وهي في تلك المرحلة كانت ضمن كادرات وإدارات كان للعلم فيها موقع أساسي ومسؤول في أخذ القرارات بتنفيذ هذا المشروع أو ذاك، بعد إجراء دراسات متخصصة وعديدة ومراعاة الجدوى الإقتصادية والبيئة اللبنانية”.
ويتابع: “التحالف غير المقدس اليوم بين وزارة الطاقة والمياه ومصلحة مياه بيروت وجبل لبنان يعتمد على سياسة التخزين السطحي بالسدود، وهي سياسة خاطئة علمياً، فضلاً عن مشاريع النفايات المشبوهة والملوثة للشاطئ اللبناني، وشبكات الصرف الصحي وشبكات المياه العذبة المعدة للشرب والإستعمال، والهدر الحاصل فيها والذي تصل نسبته إلى أكثر من 30%”.
ويتابع زعاطيطي: “في زحمة فوضى المشاريع المطروحة ينتقي السياسيون ما يناسبهم ويتحالفون ويختلفون مع حلفائهم عليها وفي النهاية تتوزع الكعكة على القوى السياسية الممثلة للمناطق، والأخطر في هذا كله، هو إنتقاء المشاريع الأعلى كلفة على الإطلاق والأكثر تدميرا للبيئة وللصحة العامة، فيما لا يدافع عن المشاريع الصغيرة مثل الصرف الصحي ومعالجة المياه المبتذلة أو حتى حفر آبار غير مكلفة، سوى بعض البلديات الصغيرة وقرى الأطراف”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
تأمين الدم للمرضى…رحلة بحث شاقة وسعر الوحدة فوق الـ 100 دولار | بيوت جاهزة للنازحين.. ما مدى قانونيتها؟ | قائد الجيش “رجل المرحلة”.. التمديد أو الإطاحة بالـ1701! |